حركة مجتمع السلم.. وأسئلة الثورة النظيفة
ينعقد هذه الأيام مجلس الشورى الوطني لحركة مجتمع السلم ومعه تطرح أسئلة كثيرة حول حاضر الحركة ومستقبلها السياسي، ليس فقط بسبب انشطارها وفقدانها من جراء ذلك جزءا من ألقها الشعبي وبريقها السياسي، إنما أيضا بسبب ارتباكها السياسي في التعامل مع السلطة والنظام من خلال ثنائيات غامضة، ما زالت تمثل في المنطق العادي شبه معادلات رياضية معقدة، تصعب الموازنة بين أطرافها، ويتطلب الترجيح فيها الكثير من الاجتهاد والإبداع والذكاء.
-
إشكالية المعارضة والمشاركة
-
أعتقد أن أهم إشكالية مطروحة الآن بين قطاع عريض من أبناء الحركة، هي إشكالية العلاقة بالسلطة، والتعامل معها من خلال ثنائية المشاركة والمعارضة. وتتجلى أبعاد هذه الإشكالية من خلال أمرين متناقضين كما يقول المحللون:
-
1- واجب معارضة الحكم الفاسد، قياما بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
-
2- وضرورة المشاركة في السلطة، أخذا بدواعي المصلحة، وسعيا إلى تغيير النظام وإصلاحه من الداخل.
-
لكن إذا سلمنا أن هذا الخيار من الناحية الشرعية، لا غبار عليه وله ما يسانده من القواعد الأصولية كقاعدة أخف الضررين، أوليس من الضروري إعادة النظر الآن في وسائله التي عبرت عنه منذ المشاركة في المجلس الانتقالي ومرورا بالاستوزار وانتهاء بالتحالف الرئاسي؟
-
-
هذا رأينا بصراحة
-
أعتقد أن هذا الخيار، سبقه في عهد الشيخ نحناح -رحمه الله- استعداد فكري، هيأ فلسفة الحركة لتجاوز النظرة التشاؤمية إلى السلطة والحكم عليها بأنها شر مطلق يتعين الابتعاد عنه مطلقا، وأسس لمنهج واقعي متفاعل مع الموجود خيرا وشرا، وموازيا بين المصالح والمفاسد جلبا ودفعا، وهو المنهج الذي كان الشيخ نحناح يؤكده بمقولته الشهيرة “نحن نقول للمحسن أحسنت وللمسيء أسأت”. لكن ما هي نتائج هذا الخيار بعد تجربة عملية، اختلط فيها الربح والخسارة والنجاح والفشل؟
-
النتائج الإيجابية بالمفهوم الاستراتيجي تتلخص في رأينا في نتيجتين:
-
1- تطور الحركة طبيعيا، بعيدا عن الطفرات المفاجئة التي أدت بغيرها إلى المعارضة الجذرية ثم العمل المسلح، واحتفاظها بالتالي برأسمالها المادي والمعنوي.
-
2- كسب الخبرة المناسبة من خلال الاقتراب من مواقع صنع القرار، واستيعاب الواقع الساسي والتوازنات التي تصنعه أو تؤثر فيه، وتطوير القواعد الإجرائية في ممارسة
-
السلطة.
-
لكن ورغم هاتين النتيجتين الهامتين فإن نتائج سلبية ظهرت
-
على مستويين:
-
1- على المستوى الشعبي، حيث انحسرت جماهيرية الحركة، وتراجع كسبها في هذا الاتجاه، بسبب انقسامها أولا، ثم بسبب الوعي الجماهيري التقليدي الذي لم يفهم ثنائية المشاركة والمعارضة، وما زال يرفض وقوف الأحزاب في المناطق الرمادية ولا يفرق بين الاستراتيجية والتكتيك ولا ينتبه إلى أن الأشكال هي مجرد وسائل للمقاصد، وما إليها من المعاني التي اكتظت بها أدبيات الحركة، ومن ثَم فهو يرى أن مشاركة الحركة في السلطة نوع من الانحراف عن رسالتها الجوهرية، وتزكية لنظام فاسد.
-
2- على المستوى القيادي، حيث انهارت بعض قيادات الحركة ورموزها أمام ما يمكن أن نسميه “الفتنة بالخير” بعد تجاوز الفتنة بالشر في أطوار النشوء ومراحل التأسيس الأولى، وهو ما شوه صورة الحركة في عين الرأي العام، وأحدث اختلالات أخطر في الصف الحركي، خصوصا على مستوى القواعد التي ما زالت تجنح بطبيعتها إلى النظافة المعنوية ومعاني الطهر والتزكية، وأخلاق ما قبل السياسة.
-
-
الثورة النظيفة
-
فهل سيؤدي هذا الانعطاف الغامض الذي ذكرنا بعض جوانبه باختصار إلى ثورة نظيفة داخل مجلس الشورى الوطني والمجالس المحلية، لتجاوز عصور التبرير المجاني الذي أوجد فراغا خطيرا في مجال النقد المسؤول والمراجعة والتصحيح؟
-
أنتهز فرصة انعقاد مجلس الشوري الوطني، وفيه شرفاء أعرف فضلهم وبلاءهم، وحرصهم على النجاح والتفوق، لأعلن ولأول مرة أنني سعيت مع مجموعة من الشرفاء لتقديم ما لدينا من آراء ونصائح واقتراحات، تصب في فائدة الحركة ومستقبلها، إلا أن ذلك استقبل ببرودة، واستعملت وسائل غير نظيفة لإقصائنا وتهميشنا، بل ومحاولات لفتلنا معنويا والقضاء نهائيا على أصواتنا في فضاء الحركة، في الوقت الذي فتحت الحركة هذا الباب لمن ليس منها أو أقل حرصا عليها منا.
-
ولهذا السبب، سنواصل ثورتنا النظيفة بالنقد والملاحظة والمراجعة، وقول الحق، واضعين قدسية المشروع فوق مكانة الأشخاص والألقاب الضخمة، والله ولي التوفيق.