جواهر
ما الذي‮ ‬يريده دعاة التحرير؟

حرية المرأة أم حرية الوصول إليها؟

جواهر الشروق
  • 8315
  • 56

كان العالم‮ ‬يوم أمس على موعد جديد مع اليوم العالميّ‮ ‬للمرأة،‮ ‬الموافق للثّامن من شهر مارس من كلّ‮ ‬عام؛‮ ‬يوم‮ ‬يراد فيه للمرأة عامّة وللمسلمة خاصّة أن تتذكّر معركتها مع الحدود،‮ ‬وترفع شعار التحرّر من كلّ‮ ‬القيود،‮ ‬وتتنكّر لشرع الواحد المعبود،‮ ‬الذي‮ ‬أعطاها الحقوق الكاملة التي‮ ‬تتّفق مع خِلقتها وطبيعتها ودورها النّبيل الذي‮ ‬هيّئت له‮. »‬أَلاَ‮ ‬يَعْلَمُ‮ ‬مَنْ‮ ‬خَلَقَ‮ ‬وَهُوَ‮ ‬اللَّطِيفُ‮ ‬الْخَبِير‮«.‬

ما الذي‮ ‬يريده دعاة تحرير المرأة؟

في‮ ‬مثل هذه المناسبة من كلّ‮ ‬عام تتعالى أصوات بعض الأطراف المعروفة بولاءاتها المشبوهة وإيديولوجياتها المناقضة لثوابت الأمّة وقيمها،‮ ‬لتُصوّر المرأة المسلمة‮ ‬‭-‬دون‮ ‬غيرها من نساء العالم‮- ‬في‮ ‬صورة المرأة المظلومة المضطهدة،‮ ‬وترتفعُ‮ ‬أصوات بعض الجمعيات النّسويّة المجهريّة التي‮ ‬لا‮ ‬يُسمع بها إلا في‮ ‬وسائل الإعلام وفي‮ ‬المناسبات الخاصّة،‮ ‬لتأخذ دور النّائحة المستأجرة،‮ ‬وتملأ الأجواء بكاءً‮ ‬وصراخا،‮ ‬وتطالب بمزيد من الحقوق والحريات التي‮ ‬عُرف أوّلها ولا‮ ‬يُعرف آخرها؛ جمعيات تصف ثوابت الشّريعة بأحكام القرون الوسطى وتطالب بإلغائها،‮ ‬جمعيات تؤزّها أيادٍ‮ ‬خارجيّة آثمة،‮ ‬تصوّر للمرأة أنّ‮ ‬الحجاب والأمومة والتّسليم بقوامة الرّجل وولاية الأب أو الأخ،‮ ‬عبوديّة لا تليق بزمن التحرّر والمساواة،‮ ‬وتُغريها بأن تكون مسؤولة عن نفسها في‮ ‬زواجها وعملها وكلّ‮ ‬شؤونها،‮ ‬حرّة في‮ ‬اختيار لباسها وعلاقاتها مع النّساء والرّجال،‮ ‬وحرّة في‮ ‬الأماكن العامّة والخاصّة التي‮ ‬ترتادها والأوقات التي‮ ‬تخرج وتدخل فيها إلى بيت أبيها أو زوجها،‮ ‬لا‮ ‬يُفرّق بينها وبين الرّجل في‮ ‬الشّهادة والميراث والحقّ‮ ‬في‮ ‬العمل وتقلّد المسؤوليات‮…‬،‮ ‬وصدق الحقّ‮ ‬سبحانه إذ‮ ‬يقول‮: (‬وَاللَّهُ‮ ‬يُرِيدُ‮ ‬أَنْ‮ ‬يَتُوبَ‮ ‬عَلَيْكُمْ‮ ‬وَيُرِيدُ‮ ‬الَّذِينَ‮ ‬يَتَّبِعُونَ‮ ‬الشَّهَوَاتِ‮ ‬أَنْ‮ ‬تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا‮).‬

إلى أين نُساق؟

ليس‮ ‬غريبا أن تنبري‮ ‬الجمعيات النّسويّة المجهريّة لما هو أكبر من حجمها،‮ ‬وتخوض معارك في‮ ‬غير ميدانها،‮ ‬وترفع الشّعارات التي‮ ‬رفعتها المرأة الغربيّة قبل أن تعترف أوروبا بآدميتها،‮ ‬لكنّ‮ ‬الغريب والمريب في‮ ‬الأمر هو أن تكون لهذه الجمعيات كلمة مسموعة،‮ ‬وتسارع الأوساط الرّسمية إلى الرّضوخ لنزواتها وتلبية مطالبها التي‮ ‬لا تمثّل سوى فئة قليلة ونوع خاصّ‮ ‬من النّساء؛ ولعلّ‮ ‬ما أقدمت عليه الجهات الرّسمية في‮ ‬هذا البلد بعرضها لمشروع تعديل قانون العقوبات‮ ‬يوم الاثنين الماضي‮ ‬أمام البرلمان،‮ ‬لأجل تشديد العقوبات على‮ “‬العنف ضد المرأة‮” ‬ومنع الأزواج من ضرب وتعنيف الزّوجات،‮ ‬رضوخا للاتفاقيات الدولية،‭ ‬ولمطالب الجمعيات النّسويّة؛ لعلّ‮ ‬هذه الخطوة ستمثّل بداية لانحرافات‮ ‬يُعرف أوّلها ولا‮ ‬يُعرف آخرها،‮ ‬لأنّها جاءت رضوخا لمطالب الأقلية المستغربة التي‮ ‬لا‮ ‬يهمّها وضع المرأة ولا واقع الأسرة،‮ ‬بقدر ما‮ ‬يهمّها أن تحقّق أهدافا إيديولوجيّة تسجَّل في‮ ‬رصيدها،‮ ‬كما أنّ‮ ‬هذه الخطوة‮ ‬غير المدروسة ستُذكي‮ ‬مزيدا من الفتن في‮ ‬البيوت،‮ ‬تجعل العلاقة التي‮ ‬يفترض أن تكون علاقة مودّة ورحمة بين الرّجل والمرأة،‮ ‬تتحوّل إلى علاقة شراكة بين ندّين،‮ ‬يتربّص كلّ‮ ‬منهما بالآخر،‮ ‬ويبحث عن وسائل ضغط‮ ‬يساوم بها الطّرف الآخر،‮ ‬وعادة ما‮ ‬يكون الأبناء هم الضحيةَ‮ ‬الأولى لهذه الصّراعات‮.‬

إنّنا لا ننفي‮ ‬أبدا تسلّطَ‮ ‬بعض الأزواج وبعض الآباء على زوجاتهم وبناتهم،‮ ‬لكنّ‮ ‬هؤلاء علاوة على أنّهم قلّة نادرة في‮ ‬هذا الزّمان،‮ ‬وعلاوة على أنّهم ربّما‮ ‬يظلمون أمّهاتهم أكثر ممّا‮ ‬يظلمون زوجاتهم وبناتهم،‮ ‬علاوة على هذا وذاك فإنّهم لا‮ ‬يتسلّطون استنادًا إلى الشّرع،‮ ‬وإنّما بسبب طبائع وأخلاق ذميمة تكوّنت لديهم كما تكوّنت في‮ ‬المقابل لدى بعض النّساء،‮ ‬وكمثال لذلك،‮ ‬أظهرت نتائج بحث ميدانيّ‮ ‬للمركز القوميّ‮ ‬للبحوث الاجتماعية في‮ ‬مصر أنّ‮ ‬28‮ ‬‭%‬‮ ‬من الرّجال‮ ‬يتعرّضون للضّرب والتّعنيف من طرف زوجاتهم‮!‬‭. ‬

سعادة المرأة‮.. ‬هل هي‮ ‬في‮ ‬تحرّرها؟

لقد حقّ‮ ‬لكلّ‮ ‬منصف أن‮ ‬يتساءل لأجل ماذا كلّ‮ ‬هذا الإصرار على ركوب موجة تحرير المرأة؟ أ لأجل تحقيق سعادتها؟،‮ ‬فهل وجدت المرأة الغربيّة القدوةُ‮ ‬السّعادةَ‮ ‬حتّى تجدها المقلّدات الإمّعات من نسائنا؟ لقد أُغريت المرأة هناك كما تُغرى هنا الآن،‮ ‬وخُدعت بالشّعارات البرّاقة التي‮ ‬صفّقت لها عشرات السنين،‮ ‬لكنّها اكتشفت أخيرا أنّها خُدعت خديعة كبرى،‮ ‬وأدركت أنّ‮ ‬حريتها التي‮ ‬أريدت لها لم تكن إلا لتصبح متعة للرجل،‮ ‬زينة مكتب ودمية عرض وسلعة إشهار،‮ ‬وخليلة تقضي‮ ‬معها الأوقات وترمى على قارعة الطّريق كما ترمى السيجارة لتدوسها الأقدام،‮ ‬اكتشفت المرأة الغربية العاقلة أنّ‮ ‬حصاد حريتها المزعومة كان أمرّ‮ ‬من العلقم،‮ ‬حيثُ‮ ‬فقدت سعادتها البيتيّة وأمومتها الحانية وأضاعت شخصيتها،‮ ‬وغدت تشعر بأنّها جسد بلا روح ومخلوق بلا هدف‮. ‬ما جعلها تزهد في‮ ‬هذه الحرية الخادعة،‮ ‬وتطالب بالعودة إلى حياة الأسرة والأمومة‮.‬

لقد أصبح اليوم العالمي‮ ‬للمرأة في‮ ‬كثير من بلاد الغرب لا‮ ‬يمثل للنّساء شيئا بعد أن تجرّعن كؤوس الذلّ‮ ‬والهوان بسبب تلك الشّعارات التي‮ ‬تُرفع في‮ ‬مثل هذا اليوم،‮ ‬حتى في‮ ‬بلاد السويد التي‮ ‬توصف بأنّها جنّة الدنيا وتنعم فيها المرأة بكامل حريتها المزعومة،‮ ‬هاهي‮ ‬قاضية سويدية تتحدث عن المرأة في‮ ‬السويد فتقول‮: “‬إنّ‮ ‬المرأة السويدية فجأة اكتشفت أنها اشترت وهما هائلاً‮ ‬بثمن مفزع هو سعادتها الحقيقية،‮ ‬ولهذا فإنها تستقبل اليوم العالمي‮ ‬لحقوق المرأة بكلّ‮ ‬فتور،‮ ‬وتحنُّ‮ ‬إلى حياة الاستقرار العائلية المتوازنة‮”. ‬هكذا تَستقبل المرأة الغربيّة العاقلة اليوم العالميّ‮ ‬لها،‮ ‬في‮ ‬الوقت الذي‮ ‬تستقبله المتحرّرات عندنا بإعلان النّفير العامّ‮ ‬ضدّ‮ ‬ما تبقّى من أحكام ترتبط بالشّريعة الإسلاميّة في‮ ‬قانون الأسرة والأحوال الشّخصيّة‮! (‬أَ‮ ‬فَحُكْمَ‮ ‬الْجَاهِلِيَّةِ‮ ‬يَبْغُونَ‮ ‬وَمَنْ‮ ‬أَحْسَنُ‮ ‬مِنَ‮ ‬اللّهِ‮ ‬حُكْماً‮ ‬لِّقَوْمٍ‮ ‬يُوقِنُون‮).‬

نداء إلى النّساء المؤمنات

إنّ‮ ‬هذه الجمعيات النّسويّة لن‮ ‬يقرّ‮ ‬لها قرار حتّى تصبح بنات المسلمين بين متحرّرات ومسترجلات ومطلّقات وعوانس،‮ ‬جمعيات نسوية أكثر المناضلات فيها من المتغرّبات أو المطلّقات أو اللائي‮ ‬يئسن من الزّواج ورحن‮ ‬يسعين لأن تكون جميع النّساء مثلهنّ،‮ ‬مناضلات‮ ‬يراد لهنّ‮ ‬أن‮ ‬يمثّلن المرأة المسلمة في‮ ‬هذا البلد،‮ ‬مناضلات متحرّرات‮ ‬يُحْيين اليوم العالميّ‮ ‬لهنّ‮ ‬في‮ ‬محافل تتصاعد فيها أعمدة دخان السّجائر التي‮ ‬لا تفارق أناملهنّ،‮ ‬وتتعالى فيها الصّيحات،‮ ‬بل وترقص كثير منهنّ‮ ‬حتى الإغماء‮!. ‬أهكذا‮ ‬يراد للمرأة المسلمة أن تكون؟ أهذا ما‮ ‬يراد بحفيدات خديجة وفاطمة وعائشة وحفصة وزينب؟‮. ‬أهذه هي‮ ‬الحرية التي‮ ‬تسوَّق لنسائنا وأخواتنا وبناتنا؟‮  ‬

هذه الجمعيات المتباكية على تحرّر المرأة،‮ ‬لماذا لا تبكي‮ ‬حال‮ ‬11‮ ‬مليون عانس في‮ ‬هذا البلد؟ لماذا لا تتحدّث عن الاعتداءات والمساومات الطّائشة التي‮ ‬تتعرّض لها النّساء العاملات؟ لماذا لا تدافع عن النّساء المسلمات اللاتي‮ ‬يُفرض عليهنّ‮ ‬التخلّي‮ ‬عن الحجاب في‮ ‬بعض الأسلاك وبعض الإدارات؟ أنّى لهذه الجمعيات التي‮ ‬تنظر إلى النّساء اللاتي‮ ‬يناضلن لأجل دينهنّ‮ ‬على أنهنّ‮ ‬رجعيات متخلّفات أخطر على حرية المرأة من الرّجال‮!‬،‮ ‬أنّى لهنّ‮ ‬أن‮ ‬يدافعن عن حقّ‮ ‬المرأة في‮ ‬الاعتزاز بشعائر دينها‮.‬

نداء إلى الآباء والأزواج

وأنتم أيّها الأزواج والآباء‮.. ‬اتّقوا الله في‮ ‬نسائكم وبناتكم‮.. ‬والْزَموا فيهنّ‮ ‬وصية الحبيب المصطفى‮ -‬عليه الصّلاة والسّلام‮- ‬الذي‮ ‬أوصى في‮ ‬حجّة الوداع بالنّساء فقال‮: (‬ألا واستوصوا بالنّساء خيرا‮)‬،‮ ‬وأوصى بهنّ‮ ‬في‮ ‬آخر ساعاته من هذه الدّنيا فقال‮: (‬الصّلاة‮.. ‬الصّلاة،‮ ‬وما ملكت أيمانكم‮).. ‬اتّقوا الله فيهنّ،‮ ‬لا تظلموهنّ‮ ‬ولا تكونوا سببا في‮ ‬امتعاضهنّ‮ ‬من بعض أحكام الشّرع وركونهنّ‮ ‬إلى دعاة التحرّر والفساد‮. ‬اتّقوا الله في‮ ‬نسائكم وبناتكم وأدّبوهنّ‮ ‬بآداب الإسلام وألزموهنّ‮ ‬الحجاب وعلّموهنّ‮ ‬الحياء والإباء،‮ ‬وكونوا عونا وقدوة لهنّ‮ ‬في‮ ‬لزوم أحكام الشّرع وآدابه،‮ ‬وفي‮ ‬حسن معاملتهنّ‮ ‬والإحسان إليهنّ،‮ ‬فـ(خيركم خيركم لأهله‮) ‬كما قال نبيّ‮ ‬الهدى صلّى الله عليه وآله وسلّم‮.‬

مقالات ذات صلة