-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

حسن حنفي.. باحثٌ إسلاميٌّ أم باحثٌ في الإسلاميات؟

محمد بوالروايح
  • 1913
  • 1
حسن حنفي.. باحثٌ إسلاميٌّ أم باحثٌ في الإسلاميات؟

درج بعض الدارسين للفكر الإسلامي على إطلاق بعض الألقاب الإسلامية على من يستحق ومن لا يستحق فيقولون عن فلان “فضيلة الشيخ” وهو في الحقيقة بعيدٌ كل البعد عن قواعد الفضيلة وقواعد المشيخة، ويقولون عن علان “مفكر إسلامي” وهو قد نذر قلمه للتهجم على الإسلام والمسلمين وتصيّد الثغرات وإثارة النعرات وبث الشبهات، ويقولون عن رجل عديم الخبرة إنه “خبيرٌ متمرس لا يشق له غبار”، إلى غير ذلك من الإطلاقات التي لا تستند إلى معايير واقعية.

ومن هذا القبيل المبتذل والمتداول في الأوساط الفكرية الإسلامية الخلطُ بين الباحث الإسلامي والباحث في الإسلاميات، فيُلبسون كليهما عباءة الباحث الإسلامي، والحقيقة أنه ينبغي أن يكون هناك معيارٌ لتتميز الباحث الإسلامي من الباحث في الإسلاميات؛ فالباحث الإسلامي هو الباحث الذي يتناغم نهجه ومهجته مع العقيدة الإسلامية، يعيش لها ويذود عنها ويبذل ما في وسعه من أجل الانتصار لها وإظهار صفتها التوقيفية التي تعلو على الاجتهاد البشري، وأما الباحث في الإسلاميات فهو الباحث الذي يتعامل مع العقيدة الإسلامية كتعامله مع أي فكرة بشرية لا يعترف بطبيعتها التوقيفية ولا يراعي قدسيتها ويستخدم معها كل المناهج العقلية المتاحة من أجل إثبات موافقتها للعقل فيقبلها أو مخالفتها للعقل فيردّها، فسلطان العقل عنده أعلى من سلطان الوحي.

مات المفكر حسن حنفي كما يموت كل حي، فكل نفس ذائقة الموت” و”كل ابن أنثى وإن طالت سلامته يوما على آلة حدباء محمول”، ومن حقه علينا أن نترحّم عليه، فالرجل مسلم موحد لم نقرأ له ما يناقض عقيدة التوحيد أو ينكر معلوما من الدين بالضرورة. لا يحمل حديثي عن حسن حنفي محاكمة لعقيدته، فالعقيدة ما عقد على القلب وأمر القلوب موكولٌ إلى الله سبحانه وتعالى “الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور”. ولا يحمل حديثي عن حسن حنفي اتهاما له بأنه يمينيٌّ أو يساري كما يسارع إلى ذلك أصحاب الأحكام الجاهزة الذين لا يتورعون عن كيل التهم ببيّنة ومن غير بيّنة.

هناك سؤالٌ ملحٌّ وهو: هل كان حسن حنفي من “الصنف الرسالي” الذي يرى أن الدفاع عن العقيدة الإسلامية فريضة إسلامية؟ أم كان من “الصنف الحيادي” الذي يتناول العقيدة الإسلامية كما يتناول أي فكرة بشرية بصفة حيادية مجردة لا تفرق بين المقدس وغير المقدس والإلهي وغير الإلهي؟ أم كان من “الصنف الخصامي” الذي يتناول العقيدة الإسلامية بغرض البحث عن الثغرات التي يتسلل منها لضرب الإسلام.

لا ينتمي حسن حنفي في اعتقادي إلى الصنف الرسالي ولا إلى الصنف الخصامي، فلا نجد في كتبه مسحة رسالية كتلك التي نجدها في كتب محمد عمارة رحمه الله ولا نجد فيها أيضا نزعة خصامية كتلك التي نجدها في كتب محمد أركون.

ينتمي حسن خليفة إلى الصنف الحيادي، ولكن ليس الحيادية المطلقة المتحررة من العاطفة الدينية، أو تلك التي تجعل العقيدة الإسلامية مساوية لأي فكرة فلسفية يسري عليها من مظاهر العجز والقصور ما يسري على الفكرة الفلسفية سواء بسواء.

لحسن حنفي رحمه الله نظراتٌ فكرية راقية، وله أيضا في المقابل شطحاتٌ فكرية، شأنه في ذلك شأن محمد شحرور، ولكن بدرجة أقل من هذا الأخير الذي لا يُعرف له موقفٌ ثابت في تناول قضايا الفكر الإسلامي وأحكام الفقه الإسلامي، فمرة تجده في صف المدافعين عنها، ومرة أخرى تجده في صف الناقمين منها والمنقلبين عليها.

هناك من لا يتردد في نسبة حسن حنفي إلى التيار الاستغرابي أو إلى تيار اليسار الإسلامي، وهي محاولة لإثبات الازدواجية الفكرية التي تبناها حسن حنفي في تناوله لقضايا الفكر الإسلامي، ويبرر من يتبنون هذا الموقف بالمسار الفكري الغربي الذي اختاره حسن حنفي وسلكه منذ التحاقه بجامعة السوربون إلى تخرّجه منها، ويركزون في ذلك على موضوعه لنيل شهادة الدكتوراه حول “تأويل الظاهريات وظاهريات التأويل”، والذي يمكن أن يكون–حسبهم- معيارا لتأكيد ازدواجيته الإسلامية الاستغرابية.

لا يمكن الحكم على فكر حسن حنفي في تعامله مع قضايا الفكر الإسلامي إلا بالرجوع إلى كتبه؛ ففيها تتجلى الصبغة الفكرية للرجل وتتحدد من خلالها معالم المدرسة الفكرية التي ينتمي إليها. من الصعب تحديد كتاب بعينه لمعرفة هذه الحقيقة بحكم أن حسن حنفي من أكثر المفكرين تأليفا في موضوعات كثيرة، كتب عن النقل والعقل وعن العقيدة والثورة وخصص حيزا من كتبه للحالة المصرية كما في كتابه “الدين والثورة في مصر” الذي اتخذ منه بعض النقاد دليلا على انتماء حسن حنفي إلى التيار الإسلامي اليساري.

إن أفضل كتاب للحكم على الاتجاه الفكري لحسن حنفي هو كتابه: “اليمين واليسار في الفكر الديني”، الذي يرفض فيه التيار اليميني ويصفه بأنه “سالبٌ للحرية الإنسانية” و”متعصب للحاكم ضد المحكوم ولرجال السلطة ضد عموم الشعب”، وينتصر للتيار اليساري ويصفه بأنه “المخرج من اللاعدالة في توزيع الحقوق وتقسيم وتقييم الأدوار”، يقول في هذا الصدد: “… هذا هو موقف اليسار؛ فالنظم السياسية التي تتبنى هذه النظرة تكون نظما إنسانية تقوم على الاعتراف بالإنسان كقيمة لا فرق في ذلك بين حاكم ومحكوم، أو رئيس أو مرؤوس، أو غني أو فقير، أو رجل وامرأة، فكل إنسان له ذاتيته وليس فقط الحاكم، أو الرئيس أو المدير، وغيرهم الدهماء والغوغاء التي يكون لها الخبز الأسود ولغيرها الأبيض”.

لقد بالغ حسن حنفي في إطراء التيار اليساري وهذا خطأ كبير، أما خطأه الأكبر الذي ينزع عنه أي انتساب عملي لتيار الباحثين الإسلاميين فهو تبنيه للفكرة اليسارية، وهي فكرة غربية ومحاولة تطبيقها وإسقاطها على الفكر الإسلامي، ولا يشفع له في ذلك بعض الاستدلالات التي يسوقها في ثنايا كتابه: “اليمين واليسار في الفكر الديني” للاستدلال بها على كون الفكرة الإسلامية فكرة مرجعية، يؤمن بهذا نظريا ولكن يطبق العكس عمليا.

تتجلى الوجهة الفكرية لحسن حنفي في كتابه “التراث والتجديد: موقفنا من التراث القديم”، إذ يرى أن “التراث هو نقطة البداية كمسئولية ثقافية وقومية، والتجديد هو إعادة تفسير التراث طبقا لحاجات العصر؛ فالقديم يسبق الجديد، والأصالة أساس المعاصرة، والوسيلة تؤدي إلى الغاية. التراث هو الوسيلة، والتجديد هو الغاية، وهي المساهمة في تطوير الواقع وحل مشكلاته، والقضاء على أسباب معوقاته، وفتح مغاليقه التي تمنع أي محاولة لتطويره”.

من الواضح مما سلف أن حسن حنفي من أنصار التراث، إذ يدعو إلى إعادة تفسير التراث طبقا لحاجيات العصر، وهذا خطأ شائع ومتداول يخفي جهلا أو تجاهلا للطبيعة التطورية وللقوة الإنشائية التي يحملها التراث الإسلامي والتي تسمح بامتداده واستمراره وصلاحيته لكل عصر.
مما يجب التنبيه إليه في نهاية هذا المقال هو أن حسن حنفي قد قدّم تصوّرا معتدلا وعادلا في حق التراث الإسلامي من خلال ما سماه “إعادة تفسير التراث”، وقد جاء تصوُّره للتراث مخالفا لما فعله بعض المفكرين المسلمين من الدعوة إلى إعادة تأهيل أو تشكيل أو صياغة التراث كما في طروحات محمد أركون وغيره وفي هذا إنكار ظاهر للقوة الإنشائية للتراث التي سبقت الإشارة إليها.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • د.محمد مراح

    1 -- من المهم جدا توضيح مسألتين عميقتين في مشروع حسن حنفي ، هما : إخفات البعد الغيبي الإيماني في الإسلام، وجذب بساط الإسلام {مصادر ا وعقيدة وشريعة، وعلوما وحضارة } من أرضه المعرفية والقيمية والحضارية الطبيعية إلى نبت طبيعي مادي بشري بكل ما يفيده هذا من تجربة بشرية في الحضارة الإنسانية، تخضع للمعاير الموضوعية المادية التي تخضع لها أي تجربة غيرها .