-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

حكم طالبان بين الاعتراف والعزلة

حكم طالبان بين الاعتراف والعزلة

وقف المجتمع الدولي مترقبا، دون إعلان موقف رسمي حاسم من استيلاء حركة طالبان على مقاليد الحكم في أفغانستان على نحو مفاجئ خالف كل الحسابات الأمريكية، ووضع أعضاء حلف شمال الأطلسي “الناتو” في حيرة من أمرهم.

اعتراف المجتمع الدولي بحكم طالبان المتمسك بشرائع عقائدية، يعد خرقا للمعايير المدنية التي وضعها في اعتماد مكانة الدول وإعلان الاعتراف بها، ولا تستطيع القوى الكبرى في المجتمع الغربي تحديد موقفها في الظرف الراهن مع غياب المعطيات التي تأخذ بها في اعتماد موقف رسمي.

حكمت حركة طالبان أفغانستان بين “1996-2001” ولم يعترف بحكمها أحد وهي تحتضن تنظيم القاعدة الإرهابي، وسقط حكمها بغزوة لتحالف دولي قادته الولايات المتحدة الأمريكية، بعد اتهامها بالضلوع في تفجيرات 11 سبتمبر 2001، لكنها لم تنه وجودها المحصن في الكهوف وسفوح الجبال، وعادت بتنظيم أقوى عسكريا وإداريا وسياسيا، وأجبرت واشنطن على التفاوض معها حول انسحاب القوى الغازية للأراضي الأفغانية.

يتخوف المجتمع الدولي من عودة طالبان بتطرفها العقائدي، وإلغاء كل أشكال الحياة المدنية، وضرب مبادئ حقوق الإنسان، واحتضان التنظيمات الإرهابية بما يهدد الأمن والسلم العالميين، ويتدارس الآن سبل التعامل مع هذا الواقع الجديد، بإقصائه أو إعادة تأهيله مدنيا.

أولوية دول التحالف في هذه اللحظات، أمريكا وفرنسا وبريطانيا ودول أوروبية أخرى، سلامة جيوشها في عمليات انسحاب غير منظمة، رغم ضمانات أطلقتها حركة طالبان بعدم التعرض للجيوش المنسحبة، وإعلان العفو العام عن موظفي الدولة، والعناصر العاملة مع القوات الأجنبية.

بريطانيا بلسان رئيس وزرائها بوريس جونسون، نأت بنفسها عن اتخاذ موقف منفرد تجاه حكم طالبان، وتركت الأمر لموقف جماعي موحد لمجموعة السبع الكبار “أمريكا، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، كندا، اليابان”.

ألمانيا لم تتخذ موقفا محددا، وهي تلقي باللوم على واشنطن، وتنتقد سوء تقديراتها في قرار انسحابها غير المنسق مع دول التحالف من أفغانستان، وفرنسا المنشغلة بإجلاء رعاياها أعلن رئيسها إيمانويل ماكرون أن: “بلاده ستخرج بمبادرات مع الدول الحليفة مثل بريطانيا وألمانيا وأمريكا لضمان منع تحول أفغانستان مجددا إلى معقل للإرهاب”، أما أمريكا التي تتحمل العبء الأكبر في المشهد، فكان موقفها مخيبا للآمال وهي تبرر انسحابها الفوضوي بلسان الرئيس جو بايدن، ولم تقدم رؤية مستقبلية لما ستؤول إليه الأوضاع.

وحسم مجلس الأمن الدولي المواقف المرتبكة للدول الكبرى، خاضعا لشروط الأمر الواقع الذي فرضته حركة طالبان بالدعوة إلى: “تشكيل حكومة جديدة موحدة وشاملة وتمثيلية كاملة ومتساوية لا تخلو من الحضور النسائي من خلال مفاوضات شاملة”.

دعوة مجلس الأمن الدولي هذه، هي محاولة لاحتواء تداعيات المشهد المعقد في أفغانستان، وفرض نوع من الشروط على حركة طالبان للاعتراف بنظام حكم جديد، يلتزم بالمعايير الدولية.

بين هذا وذاك، يقف حكم حركة طالبان على حافة هاوية العزلة، قبل سقوطه من جديد إذا ما رفض الاستجابة لمطالب المجتمع الدولي باعتماد نظام سياسي مدني بعيدا عن كل أشكال العنف والتطرف الديني غير المتلائم مع نظم حياة معاصرة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!