-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

حماس تخسر الحرب وتربح المعركة السياسية

عابد شارف
  • 4531
  • 0
حماس تخسر الحرب وتربح المعركة السياسية

اختارت إسرائيل مرة أخرى منطق القوة في محاولة لتغيير الواقع الميداني لصالحها في منطقة الشرق الأوسط. وتريد إسرائيل أن تحقق كل أهدافها قبل انتخابات فيفري القادم، وقبل استلام الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما زمام السلطة قي بلاده يوم 20 جانفي القادم. ولكن مرة أخرى، اتضح أن الرهان على القوة لن يضمن الأهداف التي سطرت لها إسرائيل، بل أن النتيجة من الممكن أن تكون عكس ما ينتظره القادة الإسرائيليون.

  • وقد كانت إسرائيل تريد ضرب حماس للقضاء عليها أو، على الأقل، الحد من قوتها ونفوذها في الساحة الفلسطينية. ومن المعروف أن قوة حماس ونفوذها يحرجان كذلك الولايات المتحدة وعددا من الدول العربية التي يقال عنها إنها “معتدلة”، والتي كانت تبحث عن وسائل لتجنب الحديث مع الحكومة التي يترأسها إسماعيل هنية. وكانت كل هذه المجموعة من الدول تعتبر أن حماس ضرر يجب القضاء عليه، وبقيت حماس تلعب الدور الذي كان يقوم به ياسر عرفات في آخر أيامه: كان يمنع القوم من الذهاب إلى حل استسلامي.
  • وكانت كل دولة من الدول المعادية لمنظمة حماس تلعب ورقتها الخاصة. كانت إسرائيل تريد القضاء على حماس لفرض شروطها على سلطة فلسطينية تكاد تكون مستسلمة. أما الدول العربية المجاورة، فإنها تبحث لنفسها عن دور لم تستطع أن تلعبه زمان الحرب، كما تبحث عن مساعدات وامتيازات مالية مقابل الخدمة التي تقدمها. إضافة إلى ذلك، فإن تلك البلدان العربية تعتبر أن القضاء على حماس سيؤدي إلى زوال خطر واضح. فقد استثمرت هذه البلدان الكثير من أجل منع الإسلاميين من الوصول إلى السلطة، وهي لا تقبل استيلاء حماس على السلطة حتى ولو كان ذلك في دولة فلسطينية وهمية. ويعتبر هؤلاء أن حماس تشكل خطرا وعاملا يهدد استقرارهم مثلما كانت المنظمات الفلسطينية اليسارية تظهر كتهديد بالنسبة للأردن ومصر وسوريا في السبعينيات. مع الإشارة إلى أن المنظمات الفلسطينية اليسارية كانت ترتكز على نخبة من المناضلين والمثقفين، بينما تمكنت حركة حماس من أن تحصل على وجود شعبي قوي.
  • ومن هذا المنطلق، تكفلت إسرائيل بالعملية العسكرية التي كان يراد منها أن تقضي على حماس. لكن انقلبت الأمور، وأدت العملية في نهاية المطاف إلى نتيجة لم يكن ينتظرها الكثير، حيث تمسك الفلسطينيون بحماس لأنها في رأيهم ترمز إلى المقاومة، عكس منظمة “فتح” التي تبدو متذبذبة، فاشلة، غير قادرة على اتخاذ مبادرات ولا على المواجهة، إن لم تكن متواطئة مع المحتل.
  • وجاءت هذه النتيجة معاكسة لما كانت تهدف إليه إسرائيل لأن العدوان على غزة كان مبنيا على فكرة خاطئة. كان مدبرو العدوان يعتقدون أن الفلسطينيين في غزة مستاؤون من حماس، لأن ظروفهم المعيشية أصبحت لا تطاق، بعد أشهر من الحصار التام. واعتبر أصحاب العدوان أن الفلسطينيين مستعدون لانتفاضة ضد حماس، خاصة إذا تضاعفت المآسي مع حرب جديدة وارتفاع عدد الضحايا. وإذا لم يكن ذلك كافيا، فإنه من الممكن ضرب حماس ليستطيع الفلسطينيون أن يثوروا ضدها إذا أحسوا أنها تحت الضغط وأنها أصبحت ضعيفة. وتم بناء هذه النظرية على فكرة وهمية، وهي أن أهالي غزة كانوا رهائن حماس، وأنهم ينتظرون الفرصة السانحة للتخلص منه.
  • وفشلت الفكرة لأنها تجاهلت الجانب الأساسي للقضية. إن الفلسطينيين لا يثورون لتحسين ظروفهم المعيشية، ولا يتظاهرون لأنهم ضحية أزمة اقتصادية أو مالية، ولا يموتون لأنهم يحتجون ضد فشل حكومة ما. إنهم لا يطالبون بمساعدات اقتصادية أو إنسانية، وانشغالاتهم ليست متعلقة بالخبز أو الدخول الشهري. إنهم يناضلون من أجل استعادة حقوقهم الوطنية، ومن أجل استرجاع أراضيهم المغتصبة، ومن أجل إقامة دولتهم الوطنية.
  • ومن هنا، فإن حماس تظهر بصورة التنظيم الذي يواصل النضال من أجل استعادة الحقوق الوطنية، عكس منظمة “فتح” التي تظهر وكأنها مستعدة لقبول تسوية غير عادلة وبثمن بخص. ومثلما وقع مع “حزب الله” في لبنان، فإن الجانب الديني أصبح ثانويا. ومثلما انضم إلى “حزب الله” مناضلون مسلمون، سواء كانوا شيعة أو سنة، ومسيحيون  ولائيكيون وليبراليون، انضموا إليه تحت لواء المقاومة، فإن حماس تلعب اليوم نفس الدور، وسينضم إليها مناضلون من مختلف القناعات السياسية والدينية والعقائدية، لأنها حافظت على صورة التنظيم النظيف النزيه، الذي لا يتلاعب بالقضية الوطنية. وإذا تضاعفت قوة حماس فسيتم ذلك على حساب “فتح”، مما يخلق اختلالا في التوازن في الصفوف الفلسطينية. فهل سيعرف القادة الحاليون من فتح وحماس كيف يحافظون على الوحدة الوطنية التي تبقى أول سلاح بين أيديهم؟
  • ويبقى سؤال آخر: ألم يكن في حساب القادة الإسرائيليين أن حربهم الأخيرة على غزة ستعطي قوة لحركة حماس، مما سيضاعف عوامل الحرب الأهلية الفلسطينية؟ أليس هذا الهدف الرئيسي الذي يعملون من أجله، في حين يبقى محمود عباس ومحمد دحلان وغيرهما ينتظرون هدية أمريكية -إسرائيلية؟

  

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!