الجزائر
عززها التنافس السياسي الشرس والفايسبوك

حملات تشويه السمعة تشحن أحاديث المقاهي والأماكن العمومية

وهيبة سليماني
  • 3576
  • 5
ح.م

أصبحت المقاهي والساحات العمومية، وصفحات التواصل الاجتماعي” فايسبوك”، في الآونة الأخيرة مشحونة بحملات تشويه السمعة، والإشاعات الكاذبة، ودون مسؤولية وشعور بتأنيب الضمير، يجري الحديث عن رجال السياسة أو الشخصيات المعروفة إعلاميا، وعن بعض المعارف والجيران، وعن النساء، بتلفيق الأكاذيب والمعلومات المغلوطة تحت وطأة الحقد أو الغيرة أو تصفية الحسابات أو المنافسة الشرسة..

واشتدت حملة “تشويه السمعة”، وبلغت ذروتها هذه الأيام ضد كل من يتعلق اسمه بالسياسة أو بالمسؤولية في مؤسسات عمومية تابعة للدولة، وهذا تزامنا مع حالة الفوضى على الصعيد السياسي، واقتراب الانتخابات الرئاسية، حيث أدى الحقد على رموز النظام الذي انتفض ضده الشعب الجزائري يوم 22 فيفري الماضي، إلى تلفيق التهم والادعاءات الكاذبة ضد كل شخصية سياسية كان تعمل لصالحه، وانتشرت عدوى هذه الحملة إلى الشوارع والمقاهي والأماكن العمومية، وعلى صفحات التواصل الاجتماعي، حتى ضد المواطنين البسطاء.

وحذر في هذا السياق، حقوقيون من نتائج المنافسات غير الشريفة في المجال السياسي، وتأثيرها على سلوك الفرد الجزائري، وقال هؤلاء إن سياسة اللاعقاب وتجاهل القضاء لقضايا تتعلق بـ”تشويه السمعة”، ستترك آثارها البليغة في المجتمع الجزائري لما لها من جوانب نفسية واجتماعية واقتصادية وأخلاقية.

وقالت الباحثة في علم الاجتماع، الدكتورة ثريا التيجاني، إن التنافس السياسي غير الشريف الحاصل في الجزائر والحرب ضد المترشحين للرئاسيات، عزز ظاهرة تشويه السمعة في ظل تواجد منصات التواصل الاجتماعي كا”لفايسبوك” و”التويتر” و”اليوتوب”، وتدني المستوى الأخلاقي في الأسرة، وهو ما يتطلب جدية في العقاب القضائي، وتفعيل وسائل الردع.

وترى أن الإهمال واللامبالاة من طرف الجهات المسؤولة، مس بأشخاص خاصة من ذوي الفئات الضعيفة مثل المرأة، حيث أصبح التدخل في الحريات الشخصية غير محترم رغم وجود قوانين لحمايتها، موضحة أن كلمة واحد خاطئة ومغلوطة يتم نشرها لتشويه سمعة شخص ما قد تتطور وتترك آثارها في حياة هذا الضحية، سواء من الناحية النفسية أم الاجتماعية، أم الصحية والوظيفية والاقتصادية.

وتأسفت الباحثة في علم الاجتماع بجامعة الجزائر، الدكتورة ثريا التيجاني، من غياب دور الأسرة التربوي، والدور الجماعي الإيجابي في الشارع، حيث أصبحت مثل هذه الأمور لا تحرك ضمائر الناس، وينظرون إليها على أنها مسألة فردية، بل ويتفرجون ويضحكون حسبها، على الذي يشوه سمعة الآخرين، كموقف تشجيعي، بدل أن يضعوه في خانة المسيء.

وحملت التيجاني المنافسات الشرسة غير الشريفة في المجال السياسي، والاقتصادي، وفي المدارس ومؤسسات العمل بين الموظفين، نصيبا في انتشار ظاهرة تشويه السمعة في المجتمع الجزائري، حيث إنها صراع سلبي، ترك أثره في سلوك الفرد.

غياب المصداقية عند المسؤولين أدى إلى النزعة الذاتية الانتقامية

من جهته، أكد مسعود بن حليمة، مختص في علم النفس، أن غياب المصداقية عند كبار المسؤولين في الحكم، من بينهم رموز النظام القديم، خلف شعورا نفسيا بالحقد وحب المصلحة الذاتية، وتغليبها على المصلحة العمومية، وبالتالي ظهر ما يمسى بـ”حرب تشويه السمعة”، فمهما كانت كفاءة الشخص ومستواه التعليمي، يمكن أن “يقزم” بكلمة أو كلمات تتعلق بسمعته، وتطلق عليه الإشاعة والادعاءات الكاذبة، حتى يحرم من امتيازات أو مناصب يستحقها.

وقال بن حليمة إن الجزائريين في ظل حالة الفوضى، والإحباط النفسي، والخوف من المستقبل، أصبحوا يؤلفون الروايات وينسجون القصص الخيالية والكاذبة عن أشخاص يحقدون عليهم أو يغيرون منهم أو ينافسونهم في الحياة، ودخلت المنافسات الشرسة حرب الإشاعات والأكاذيب ضد الأشخاص، وبلغت ذروتها مؤخرا.

وأشار إلى أن الهجمة الشرسة الموجودة حاليا، ضد مسؤولين، يرمزون إلى الفساد، وإلى النظام القديم، هي حملة غير ديمقراطية، لأن هؤلاء كانوا مأمورين، ويعملون في ظل هذا النظام وحسب قوانينه.

ويعتبر الفايسبوك وسيلة ساعدت في الترويج للأكاذيب والإشاعات وتشويه سمعة الآخرين، لاسيما في ظل غياب الردع، وسياسة اللاعقاب، حيث يؤكد بن حليمة أن العنف اللفظي ضد المرأة انتشر في الشارع الجزائري من خلال تشويه سمعتها، باعتبارها أنثى يفكر في جسدها دون الأخذ بعين الاعتبار لقدراتها العقلية وشهاداتها ومستواها التعليمي والفكري.

تشويه السمعة.. إهانة يعاقب عليها القانون

وأكد الحقوقي، الأستاذ لخلف شريف، أن القانون الجزائري صارم في قضايا تشويه السمعة خاصة التي يملك المتضرر منها، أدلة، وهي إهانة أو ادعاء كاذب تنص مواد على عقوبتها بالحبس النافذ وغرامة مالية نافذة، مشيرا إلى أن نسبة القضايا المتعلقة بالإساءة إلى الأشخاص بالسب والشتم والإهانة، أصبحت تملأ المحاكم في الآونة الأخيرة.

وأوضح أن أغلب حملات تشويه السمعة لا يعرف مصدرها ومن وراءها، وهو الأمر الذي أدى إلى عدم لجوء ضحاياها إلى العدالة، لكن على الجهات الأمنية حسبه، والقضائية أن تلعب دورها من خلال إيجاد آليات حديثة، من شأنها تحديد الفاعلين ومن يقفون وراء حملات تشويه السمعة، خاصة عندما يكون ضحاياها نساء.

مقالات ذات صلة