الجزائر
طالت مثقفين وكتاب وسياسيين ومشايخ وجماعات

حملات تكفير تستهدف الجزائريين

وهيبة سليماني
  • 6293
  • 24
أرشيف

تشهد في الآونة الأخيرة، مواقع التواصل الاجتماعي تصعيدا خطيرا لحملات التكفير ضد الكتاب والمفكرين والشخصيات السياسية والدينية في الجزائر، ويأتي هذا تزامنا مع انتشار الفتاوى العشوائية عبر الفضائيات و”اليوتوب”، ومع بوادر عودة لفكر متطرف لا يتقبل الآخر، ما يدعو حسب المختصين إلى سنّ قوانين جديدة لمواجهة الحملات التكفيرية العشوائية التي تعتبر، حسبهم، قنبلة موقوتة في المجتمع ومصدرا لزرع الفتنة والصراع.
وفي ظل هذا الاعتداء الخطير والذي يحد من حريات الأشخاص، ويمس كرامتهم ويعرضهم لخطر التهديد والقتل، دعت مجموعة من الحقوقيين في اتصال مع الشروق، إلى ضرورة تعديل قانوني جديد يدرج مادة صريحة تدين أي شخص يكفّر آخر، سواء عبر وسائل الاتصال وشبكات التواصل الاجتماعي، أو في المحيط الاجتماعي….
وأوضح الحقوقيون، أن القانون الجزائري، يضمن الحريات والحقوق الشخصية للأشخاص، ويعاقب الاعتداءات بالقذف، وأن تكفير الآخر يدرج ضمن السب والشتم، غير أن الوضع، حسبهم، اليوم تغيّر، وأصبح التكفير قذفا خطيرا يعرض الأشخاص إلى الاغتيالات الهمجية من مجموعات متطرفة لا تفقه في الكثير من الأحيان، الدين، ولا تمتلك ثقافة تقبّل الآخر، وهو ما يجعل عواقب التكفير أخطر بكثير من ما يترتب عن القذف.

رواج تكفير الآخر قنبلة موقوتة

وفي هذا الإطار أكد المحامي، زكريا بن لحرش، عضو الرابطة الوطنية لحقوق الإنسان، أن تكفير الآخر عرف انتشارا واسعا عبر وسائل التواصل الاجتماعي في الجزائر، في الآونة الأخيرة، من دون أن تلتفت له مصالح الأمن المختصة في الجريمة الإلكترونية، وقال إن هذا التكفير يطال فئة المثقفين من الكتاب والمفكرين الجزائريين، ومن أشخاص ليسوا في مستواهم الثقافي، وهو همجية وتعد على الحقوق وفتح أبواب المخاطر على هؤلاء المكفرين وعائلاتهم.
ويرى المتحدث أن هذه الحملات الواسعة ضد الكتاب والمثقفين والسياسيين والأئمة، عبر التواصل الاجتماعي، يترتب عليها ممارسات غير قانونية، واعتداء صريح على الحريات والحقوق والفكر ويفتح الباب على مصراعيه لمزيد من الفتاوى الارتجالية والمزاجية ويؤجج نشاط الجماعات المتطرفة من خلال حجج تكفير الآخر.
وأعاب الحقوقي زكريا بن لحرش، تجاهل هؤلاء الذين يتعرضون للتكفير، لخطورة ذلك، حيث قال إن كلمة واحدة يتم من خلالها تكفير الآخر عبر “الفايسبوك” أو “تويتر” أو أي وسيلة اتصال، هي قنبلة موقوتة قد تعرض هذا الآخر أو عائلته للقتل، داعيا إلى مزيد من الوعي وإلى متابعة هؤلاء الذين يكفرون الأشخاص، قضائيا.

حملات التكفير ستفجر الفتنة في المجتمع

في السياق ذاته، ندّد الأستاذ إبراهيم بهلولي، أستاذ الحقوق بكلية بن عكنون، بحملات تكفير الآخر في الجزائر، والتي يراها أنها تفتح عيونا مغمّضة حول أشخاص ربما لا تكون فيهم صفة الكفر، كما تفتح الفتنة في المجتمع، وعليه يقول “إن التكفير أصبح واقعة ممارسة في المجتمع الجزائري، وبما أن الواقعة الممارسة تسبق الواقعة القانونية، فإننا ملزمون اليوم بسنّ نصوص قانونية تعاقب بشدة من يكفر الآخر”.
وأوضح، بهلولي، أن كل ما يسمى شرف الشخص وسمعته في القانون الجزائري، يكيف على أنه سبّ وشتم أو قذف علني، ولا يوجد نصّ أو مادة صريحة تتحدث عن تكفير الآخر، هذا التكفير الذي يعد بداية لامتداد جرائم الاغتيالات، وزرع الفتنة وتداول الفتاوى الارتجالية.
من جهته، يعتبر الأستاذ محمد الطاهر بوغابة، محام لدى مجلس قضاء العاصمة، أن الصمت تجاه محاولات التكفير، وخاصة التي تشهد انتشارا واسعا عبر الفايسبوك في الجزائر، وتوجه إلى كتاب ومفكرين، ومن طرف أشخاص لا يملكون مستوى ثقافيا يؤهلهم حتى للمناظرة والنقاش مع هؤلاء، بمثابة جهل قانوني يمهد لانتهاكات حقوقية، حيث قال إن القضاة في المحاكم، لا يأخذون تصريحات ضحايا القذف، والسبّ والشتم، الذين يؤكدون أنهم كفروا، محمل الجد، ويعتبرون أن ذلك مجرد كلام عابر لا يضر، في حين ذلك جريمة شنيعة من طرف خصمه.

فتاوى مضادة ضد أصحاب التكفير

بدوره دعا الشيخ جلول حجيمي، رئيس التنسيقية الوطنية لموظفي الشؤون الدينية والأوقاف، أئمة المساجد عبر الوطن، إلى حثّ المصلين عن مخاطر تكفير الآخرين، وقال إن ظاهرة التكفير مسألة صعبة ومعقدة، ينجم عنها عدة عواقب قد تهدّد حياة الأشخاص.
وأكد على ضرورة إصدار فتوى من طرف دار الإفتاء، توضح رأي الدين في مسألة تكفير الآخر، موضحا أن التكفير في الحقيقة لا يجوز من طرف أشخاص ليسوا بعلماء في الشرع، اتهام الآخرين بالكفر حتى في الكبائر، وحتى إذا صرح هذا الآخر أنه الحد.
وقال الشيخ حجيمي، إن الحكمة والموعظة الحسنة، هما الأسلوب المفضل في الإقناع، وهذا الشيء المطلوب اليوم من الأئمة، ومن أي مسلم، بعيدا عن التكفير الذي يعتبر خروجا عن الملة، وفتحا لباب الفتنة.

مقالات ذات صلة