الرأي

حياد المدرسة يبعدها عن وجهتها الصحيحة

عبد القادر فضيل
  • 1524
  • 23
ح.م

الخطأ الفكري والسياسي والتربوي الذي ظهر في مشروع تعديل الدستور، والذي قرأناه في النصوص، وهو الخطأ الذي لم ينتبه إليه المراجعون الذين عكفوا على إجراءات التعديل، وهو ما يتعلق بمضمون المادة 68 من الدستور التي تنص على الحق في التربية والتعليم، والتي تشرح الحقوق الأساسية المرتبطة بالمبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري.

والنص الذي يتحدث عن الحق في التربية مبدأ أساسي ركز عليه الدستور، ولكن الصيغة التي قدم بها جعلته بعيدا عن روح الدستور وعن أهدافه، لأنه طُرح طرحا غريبا ليس له أساس، فالنقطة المتفرِّعة عن المادة 68 هي التي تبيّن مدلول هذه الصيغة وتشرحها ونصها هو: تسهر الدولة على ضمان حياد المؤسسات التربوية وعلى الحفاظ على طابعها البيداغوجي والعلمي، ولكن الخطأ نلمسه في الجزء الأول من النص، فهو الذي يطالب الدولة أن تضمن حياد المؤسسات التربوية بحيث يجعلها غير مرتبطة بسياسة الأمة، وفكرة الحياد المنصوص عليها في بداية الفقرة هي فكرة غير مقبولة لأنها تُبقي المدرسة بلا وجهة تربوية، وهي التي اعتبرناها خطأ، ومع الأسف أن ممثل اللجنة الذي ناقش الفكرة في حصة تلفزيونية يعتبر حياد المؤسسات جانبا أساسيا في التعامل مع المدرسة، ونحن اعتبرناه خطأ، لأنه يجعل المؤسسة التعليمية محايدة لسياسة الأمة وغير مرتبطة بقيمها، وهي لذلك تطلب من الدولة أن تضمن حياد المؤسسات التربوية، والحياد يعني جعل المؤسسة غير مسايرة لسياسة الأمة وغير مرتبطة بها، وغير ملتزمة بما تفكر فيه، وغير متفاعلة مع ما هو أساسي في سلوكها الوطني، لأنها تصبح غير ملتزمة بالقيم التي تؤمن بها، وهذا الحياد يناقض توجُّهات الأمة ويخالف السياسة الوطنية، وهنا نتساءل ما الغاية التي تجنيها التربية من هذا الحياد؟ لا نجد الجواب، لأنه لا توجد غاية محددة، ولكنه يفسح المجال لقبول المناهج المتحرِّرة والاتجاهات المسايرة للتفتح وحرية الرأي، فالحياد يفرض الحجر على المبادرات المدرسية.

إن مضمون هذه الفقرة هو الخطأ الذي كنا ننتظر تصحيحه، لأنه إشكالٌ فكري سياسي وتربوي لا يقبله الوطنيون المؤمنون بمبادئ الوطن، فالمطلوب من المؤسسات التربوية -حسب هذا النص- أن تكون المدرسة مغايرة في سلوكها الفكري والسياسي، لما تسير عليه الأمة وبعيدة عن القيم التي يؤمن بها الوطن، وهذه النتيجة لا يقبلها أحد، لأن ما تسير عليه الأمة هو ما يجب أن يتبنَّاه النظام التربوي وتدعو إليه سياسة التعليم، فالحياد يجعل المدرسة تقبل أي برنامج تعليمي يتلاءم معها. وما يجب قوله هنا هو أن المدرسة وسيلة الأمة في بناء ذاتها ووجهتها السياسية في تحديد مبادئها وأفكارها، لا يجوز الحجر على مبادراتها لأن حيادها يعني عدم انحيازها إلى هوية الوطن ومبادئه ومقوماته.

وقبل أن أستمر في طرح الإشكالات التي تفرضها فكرة الحياد يجب توضيح علاقة التربية بالسياسة، فالسياسة هي أساس التربية ووجهٌ من وجوهها، إذ لا يمكن أن تتناول التربية جوانب حياتية في المجتمع لا تتصل بالسياسة وبالأفكار الملخصة للسياسة التي تتبعها الأمة، لأنَّ الموضوعات التي تعالجها التربية وفق إرادة المجتمع هي موضوعاتٌ سياسية في الأساس والسياسة التي أقصدها هي ما يعيش في أعماق الأمة من قيم وأفكار لها ارتباط بالفكر السياسي أو بالأمور التي تعالج شؤون سياسة البلد واتجاهاته وما تفكر فيه الأمة وتؤمن به وتطرحه ضمن آرائها المحددة لشؤون الحياة، هذا هو المضمون الذي يعالجه النظام التربوي، إذ لا يمكن أن يقدِّم النظام التربوي للمتعلمين أمورا بعيدة عما تفكر فيه الأمة، وإذا كان هذا هو مدلول السياسة فلا يمكن أن يكون برنامج المؤسسة محايدا، فالحياد يفرض عليها أن تقدم أفكارا لا ترتبط بحقيقة الأمة وهذا ما يجعل المؤسسة غير ملتزمة بروح هذه السياسة، وهذا يفرض أن تكون اتجاهات المدرسة في جانب وما يقدَّم للمتعلمين في جانب آخر، والناس الذين يطالبون بإبعاد السياسة عن المدرسة أو إبعاد المدرسة عن السياسة أمثال أعضاء لجنة مراجعة الدستور، هؤلاء يقصدون السياسة التي تترجم أفكار الحزب واتجاهاته الإيديولوجية، (أظن هذا) ولكن الأفكار التي تنشرها الأحزاب أو تفكر فيها بعض الاتجاهات لا تُعبِّر كلها عما يلائم ما يعيش في أعماق الأمة، أما السياسة التي هي جانب من التربية والتي تعبِّر عن قيم الأمة وثوابتها ومبادئ تفكيرها ووجهتها الحضارية التي تحرِّك اهتمامات الأمة، لا يمكن أن تكون المدرسة بعيدة عنها أو محايدة لها، وإلا تصبح المدرسة غير وطنية وغير منتمية إلى الوطن، وهذا ما ينبغي تصحيحُه.

وتصحيحُه يجب أن ننطلق فيه من الحقيقة التي ينبغي أن لا يجهلها المسؤولون في الدولة، وهذه الحقيقة هي: أن التربية سياسة أمة وليست سياسة قطاع، ومسؤولية دولة وليست مسؤولية وزير، والعمل بهذه الحقيقة يفرض على المسؤولين أن يراجعوا تفكيرهم، ويفكروا في السياسة التي يجب أن تحدَّد للعمل بها، السياسة التي لا يجوز أن تبتعد عنها المدرسة وهذه السياسة لا يحددها الوزير، ولا الحكومة، ولا البرلمان، ولا لجان الوزارة، إنما تحددها هيأة عليا تابعة للدولة، هيأة يسند إليها التفكير في الجانب السياسي للتربية والذي يوجِّه الفعل التربوي، ويحدد السياسة التي ينبغي أن تسلكها الوزارة، هذا هو المطلوب، وهذه الهيأة يجب أن يُحدثها القانون في شكل مجلس أعلى للتربية يكون بجانب الوزارة ويحدد لها السياسة التي يجب أن تُتبع، وما نعيشه اليوم هو أن الدولة تخلت عن جانب من مسؤوليتها في هذا المجال، وتركت الأمر للمسؤولين الذين يسيّرون شؤون الوزارة، هم الذين يقرِّرون ما يلائم أفكارهم وقناعاتهم، حتى ولو كان الذي قرروه ليس محل اتفاق، وهذا من الأخطاء التي أصبح العمل جاريا بها منذ سنوات، منذ غياب الهيأة التي كانت مكلفة بالتوجيه التربوي.

مقالات ذات صلة