-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

خروج من النفق نحو الأفق

عمار يزلي
  • 2287
  • 0
خروج من النفق نحو الأفق

أربع سنوات تمر على خروج القاطرة من نفق مظلم خانق، امتد لمسافة تتجاوز 10 كيلومترات، بعد ما كانت نفس القاطرة قد قطعت نحو 20 كيلومترا على طريق غير معبد ومحفوف بالمخاطر الناجمة عن قطعها لمسافة أخرى لنحو 10 كيلومترات لا تقل خطورة ولا خوفا ولا أمنا: في المجموع، ثلاثون سنة من عدم اليقين في مستقبل بلد كان رهين قوى داخلية وخارجية تريد أن تبقيه طعما سائغا في فم القوى “الاستثمارية” المحلية المرتبطة بنيويا بالمؤسسة الاستعمارية قديما وحديثا.

تمر اليوم أربع سنوات على خروج قطار الوطن المتكالب عليه من قبل، داخليا وخارجيا، المنهوش من كل الجهات والأعضاء من قبل طغمة مالية جديدة نهبت وتشبعت بالمال العامّ عبر صفقات مشبوهة وعبر تضخيم الفواتير والفساد الإداري والسياسي والمالي، عمدت لسنوات من الفراغ السياسي على مستوى عال، إلى التربح والتشبع بالمال العام وتشكل قوى مالية سياسية صارت هي الآمر والناهي والخصم والحكم، مما أوصل البلاد إلى حالة كان يمكن أن يعلن فيها عن تصفير ميزانية الدولة والذهاب حتما إلى المديونية الخارجية أو إعلان الإفلاس.

سنة من الحراك الوطني، تمكنت القوى الوطنية فيه من حسم معركة ربح المستقبل ضمن القواعد الدستورية والحل الدستوري وانتخب رئيس للجمهورية في 12 من ديسمبر من نفس السنة 2019، وتنفس الناس المخلصون الصعداء، كون القطار قد خرج أخيرا من النفق المعتم.

غير أنه ما إن أعلن رئيس الجمهورية المنتخب هذه المرة ديمقراطيا وشعبيا، حقيقة، لا تدخّل ولا تزوير ولا تضييق ولا استبعاد، حتى جاء الوباء العالمي الذي أغلق تقريبا العالم كله في تجربة فريدة من نوعها، ما زال العالم إلى الآن يعاني من تبعاتها: الغلق الاقتصادي والاجتماعي داخليا وعالميا، وما انجرّ عنه من ارتفاع فاتورة ضحايا كوفيد 19 البشرية والاقتصادية، وتمكنت السلطة الجديدة المنتخبة مع المؤسسة العسكرية والصحية من السيطرة على الأوضاع والخروج من الأزمة بكل ثقة وقوة رغم تكبد البلد خسائر غير قليلة من الضحايا وفي الاقتصاد والمال العامّ.

تمكن القطار من المرور عبر الجسر العابر للجبال والوديان الوعرة، وخرج إلى الطريق المعبَّد وسائقه ومسيِّروه والمسافرون على متنه باتجاه الموجهة المأمولة بعنوان “الجزائر الجديدة” من الخروج آمنين، رغم الصعاب، بفضل حكمة التسيير والاستبصار والثقة بالنفس والإصرار على القطيعة مع الماضي الذي أوصلنا إلى هذا الوضع. تساءل عندئذ الجميع من المخلصين والواقعيين والموضوعيين: كيف كان سيكون وضعُنا اليوم، رغم الصعاب التي لا تزال تلاحقنا بفعل التغيير والإصلاح والعمليات الجراحية التي تجرى كل حين وباستمرار على الجسد المريض سنوات طويلة؟ كيف كنا سنكون في ظل بقاء الأوليغارشية المالية العفنة التي مصت الدم الوطني وهرّبت أمواله إلى الخارج وكانت ستأتي على آخر دولار في الخزينة العمومية بحلول سنة أو أقل إن استمرت في التحكم في زمام الأمور في بلد من دون ربان ولا سائق؟ الجواب كان واضحا: كنا سنكون ألعن حالا من أي حال اليوم. كنا سنكون قد دخلنا مصيدة الديون وعدنا إلى بداية التسعينيات مع صندوق النقد الدولي ولكن أيضا ضمن حالة الغليان الشعبي والفوضى “الخلاقة” التي تعتمدها الدول العظمى، لإسقاط كل أمل في التحرر من التبعية والاستقلال والسيادة على الثروات الباطنية والمؤسسات الوطنية.

أربع سنوات، من توجه جديد، بذهنية تريد أن تكون جديدة رغم العراقيل والفرامل، لكن السرعة التي بدأنا نسير بها مؤخرا، تؤكد أن سنة 2024، ستكون الأسرع والأقوى وتتطلب المواصلة بنفس الجهد والوتيرة وبنفس القيادة الرصينة الوطنية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!