الرأي

خطأ الزاوي أم خطأ الراوي؟

محمد بوالروايح
  • 5442
  • 33

كتب الروائي “أمين الزاوي” عمودا بجريدة “ليبرتي Liberté” في عدد يوم الخميس 16 أوت 2018 تحت عنوان: “البداوة الإسلامية، الجزائر العاصمة وخرافها”، ورد عليه بعض معارضيه بكتابات نارية بسبب ما وصفوه بتهكم الزاوي بالشعائر الإسلامية واتهامها بما سماه “البداوة الإسلامية”. وقد تريثت في الكتابة في هذا الموضوع حتى أستجمع كل عناصره، فعدت إلى ما كتبه الزاوي وجزأته إلى أجزاء لأن التجزيء يعين في كثير من الأحيان على الوقوف على بعض الجزئيات التي يغفل عنها المعارضون أو يتغافلون عنها، لأن غايتهم بداية ونهاية هي اصطياد أخطاء الخصم والإيقاع به بأي طريقة ولو بالتقول عليه أو تأويل كلامه على غير مراده.
ما أعرفه عن “أمين الزاوي” من حيث المعطى العام- بعيدا عن مسلكه الأيديولوجي- أنه روائي لا يقول كلاما كيفما اتفق بل يحقق ويدقق ويربأ بنفسه أن يقدم للقارئ رواية معتلة على خلاف كثير من الروائيين المتوهمين الذين يهذون ويهرفون بما لا يعرفون. أعود بعد هذه المقدمة إلى ما كتبه “الزاوي” في ” ليبرتي” لأحلله ولأبين في النهاية وبكل موضوعية، هل هو خطأ “الزاوي” أم خطأ “الراوي”؟ يقول “أمين الزاوي”: (من فضلكم، أوقفوا هذه البداوة الإسلامية التي تهدد مدننا، قطعان الغنم التي تغزو الشوارع. وللتذكير، فإنه قبل بضعة أسابيع، عقد مؤتمر دولي في الجزائر العاصمة وكان موضوعه: “المدن الذكية”!! واو، الأغنام تغزو شوارع المدينة الذكية!) إذا كان “أمين الزاوي” يقصد بالبداوة الإسلامية الأضاحي في حد ذاتها التي هي من شعائر الإسلام، فهو مخطئ بيقين لأن هذا الكلام فيه استخفاف واستهزاء بالشعائر الإسلامية التي أمرنا نحن المسلمين بتعظيمها لقوله تعالى: “ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب”. أما إذا كان “أمين الزاوي” يقصد بالبداوة الإسلامية تعامل المسلمين مع الأضاحي ومظاهر الاستعراض والرياء والإيذاء، وبخاصة حينما يمعن الصبيان والغلمان في تعذيب الأضاحي ويجوبون بها كل الضواحي مخلفين وراءهم بداوة ظاهرة وقذارة مقززة تشوه وجه المدينة فهو محق بيقين لأن هذه الصورة البدائية تتناقض مع هدي الإسلام في الرفق بالحيوان والنهي عن التحريش بين البهائم، فقد جاء في الموسوعة الفقهية: (ولا خلاف بين الفقهاء في حرمة التحريش بين البهائم، بتحريض بعضها على بعض وتهييجه عليه، لأنه سفه ويؤدي إلى حصول الأذى للحيوان، وربما أدى إلى إتلافه دون غرض مشروع. وجاء في الأثر: “نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التحريش بين البهائم”).
وينتقل “أمين الزاوي” إلى الحديث عن مظهر آخر من مظاهر “البداوة الإسلامية” كما سماها، فيقول: (ومع مظهر الخراف التي تغزو الشوارع الجميلة، فقد انتشرت البداوة الإسلامية على نطاق واسع، لقد مست الجامعيين، أي الدكاترة، وانتقلت عدواها إلى السياسيين، أي قادة أحزاب اليسار واليمين. هل هناك يسار ويمين؟ الكل يمينيون منحرفون أو يساريون، ومست البداوة الإسلامية وزراء ورؤساء حكومات وآخرين. ولأن هذه البداوة قد مست المدينة برمتها، فقد تحولت المدينة إلى دوار وأصبح هذا الأخير كابوسا يهدد المدينة. حراس الأغنام وحراس الحظائر بأيديهم عصي والتهديدات جاهزة على ألسنتهم. في خضم هذه البداوة الإسلامية، تجد الجميع يجري وراء أغنامه: الوزير، الوالي، رئيس الحكومة، قادة الأحزاب، الأستاذ الجامعي، الشاعر، طبيب الأسنان، المؤذن، المخرج، المصور، الموسيقي، رئيس الجوق، عاملة النظافة، الكل يجري وراء خرافه.. من فضلكم أوقفوا هذه البداوة في مدننا الجزائرية الجميلة).
لا يمكننا بعد هذا الكلام القاسي والهجوم الكاسح على الكل من “أمين الزاوي” أن نلتمس له الأعذار، لقد وجه الرجل سهامه إلى كل شرائح المجتمع الجزائري من القمة إلى القاعدة، ولجأ إلى التعميم الذي لا يستثني أحدا ولا يجعل فينا رجلا متحضرا متمدنا يتوفر فيه الحد الأدنى من علامات التحضر وأمارات التمدن. وإن تعجب فعجب قول “أمين الزاوي” بعد أن رمى الكل بالبداوة الإسلامية ولم يظلم منهم أحدا: “من فضلكم، أوقفوا هذه البداوة في مدننا الجزائرية الجميلة”. يا أمين الزاوي، من يوقف هذه البداوة وقد استوى الكل في نظرك أمامها، قادة الحكمة وقادة الحكم، عامل النظافة وحامل الثقافة؟
ويواصل “أمين الزاوي” هجومه على “البداوة الإسلامية”!!، فيقول: (في الواقع كل مدننا الجميلة تماما مثل اللغة الفرنسية، هي غنيمة حرب وتدار وتوزع بشكل سيئ، أنا لا أحب كلمة “غنيمة” لأنها ترمز إلى القصص الفظيعة للغارات الإسلامية، حيث كانت المرأة مركز هذه الغنائم).
إن تمجيد “أمين الزاوي” للمدن الجميلة وتمجيده للغة الفرنسية يقابله رفض لما سماه “الغارات الإسلامية” التي كرست في المجتمع الإسلامي فكرة “غنائم الحرب” ومن هذه الغنائم المرأة، التي يقول عنها بصريح العبارة إنها وفق منطق الغزو الإسلامي غنيمة حرب. من حق “أمين الزاوي” بمقتضى مبدإ الحرية الفكرية تبني أي فكرة، ولكن ليس من حقه مطلقا أن يحكم على جزء مهم من التاريخ الإسلامي بهذا الحكم المجحف المنافي للموضوعية، وبخاصة حينما يقول عن المرأة إنها غنيمة “الغارات الإسلامية”، وهذا رغم اعتراف كثير من الغربيين بأن نظرة الإسلام إلى المرأة أعدل بكثير من نظرة كثير من الفلسفات الوضعية إليها. إلى هذا الحد يمكن أن نجزم بأن ثورة “أمين الزاوي” على ما سماه “البداوة الإسلامية” ليست إلا غطاء لثورته على الحضارة الإسلامية التي تمثل الفتوحات الإسلامية جزءا لا يتجزأ منها.
ويختتم “أمين الزاوي” مقاله عن “البداوة الإسلامية”!! بمقولة تجعل العرب المعاصرين عنوانا للتخلف تماما مثل أسلافهم الغابرين، حيث يقول: “هؤلاء العرب الذين وصفهم ابن خلدون أمس بأنهم مدمرون للحضارة وحراس الفوضى هم آباء الإسلاميين البدو الذين يصلون في المسارح ويتبعون أغنامهم في شوارع الجزائر. من الجزائر إلى وهران إلى عنابة! فإذا استيقظتم في يوم من الأيام ونظرتم من نوافذ بيوتكم، ورأيتم قطعان الجمال التي تسير في شوارع الجزائر العاصمة، فلا تتفاجؤوا، هذا اليوم ليس ببعيد!). بعد كل هذا أقول: ما نشر بجريدة “ليبرتي” يؤكد خطأ الزاوي وليس خطأ الراوي، مع حرصي على عدم تبرئة ساحة من ينتقدون غيرهم من خلفية ومن غير روية ولا موضوعية فيروون عنهم فيفترون ويكتبون فيكذبون.

مقالات ذات صلة