الرأي

خطاب الانتقام.. وخطاب الاتزان

محمد سليم قلالة
  • 2785
  • 11

عندما يَعجز البعض عن التعبير بالتّلميح بلجأون إلى الجهر بالتصريح وأحيانا حتى إلى التجريح، عندما ينتقدون مرحلة يُعلّقون مآسيها على شخص واحد، وعندما يُشيدون بها أيضا يَنسبون كل محاسنها إليه، مرة بحقد كبير وأخرى بتملق غير محدود. لا مجال لمحاولة قول الحقيقة الموضوعية التي لا تفريط فيها ولا إفراط… نادرا ما وجدت من يتكلم، عن من يريد أن يتكلم، باعتدال ووسطية، خاصة عندما يتعلق الأمر بالسياسيين بالرغم من أن الكل يعلم أنه جلّ من لا يخطئ…

أعجبني خطاب أحد المترشحين البارزين للرئاسيات منذ أيام عندما استدرك قائلا: “في السياسة ليس لدينا أعداء إنما منافسون سياسيون”، مؤكدا “أن لا مجال للقدح في الأشخاص أو تحميل المسؤولية لزيد أو عبيد، لأننا جميعا مسؤولون، وعلينا أن ننتقد سياسات ونبحث عن حلول لكي نطور بلدنا ونخرج بها إلى بر الأمان، حيث الأفضل والأحسن”. واكتفى بذلك… واستمر في حديثه… ما الذي سيزيد في هذا الخطاب لو تم ذكر فلان أو فلان، سوى أن يتم الانحراف به نحو غايته الإصلاحية، وبدل أن يخرج الناس بانطباع على منهجية تغيير سياسة يخرجون بانطباع حول كيفية تحطيم شخص. وبدل أن تعُطى الفرصة لأهل الفكر والتحليل يقيّمون الخطاب أو يُفيدون من خلاله، تُعطى لأهل النميمة واللّمز والغمز يمرحون ويلعبون…

ماذا يفيدكم لو أني ذكرت لكم هذا السياسي سوى أن ينحرف العمود عن غايته، وعن تحقيق رسالته، ويُغطي الاسم على الفكرة، والرسم عن المعنى؟ ولكنه بهذه الكيفية سيأخذ كل البعد الذي نريد. سنستفيد من العبرة، وسنعرف الشخص المقصود إن شئنا، لأننا أذكياء بالقدر الكافي، وسنلتزم بالأخلاق في الممارسة السياسية، بل سنلتزم بتعاليم ديننا الحنيف.

ألم يكن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ينصح الناس قائلا: ما بال قوم، أو ما بال أقوام يفعلون كذا أو كذا… دون تشخيص محدد أو تعيين بالاسم، وكان الناس يفهمون ويأخذون العبرة ويلتزمون؟

لقد أصبحنا اليوم في مرحلة نحتاج فيها إلى تغيير الخطاب من خطاب الشحن، والإثارة، والانتقام، والتّشفي، إلى خطاب الهدوء والبحث عن الحلول والتماس الأعذار للآخرين. المرحلة اليوم ليست مرحلة الكتابات الساخنة التي “تُبرِّد القلوب” وتؤجج العواطف، إنما هي مرحلة الكتابات العميقة التي تعيد الاتزان للعقول وتهدئ من روع الناس وتُطَمْئِن النفوس.

لأننا لا نستطيع البناء إلا في ظل السكينة ولا نستطيع العيش آمنين إلا إذا توقفنا عن لعن الظلام وأشعلنا شموعا نهتدي بها بدل ذلك. وقد بدأ بعضنا يسلك هذا الطريق، وتلك مساحة الأمل…

مقالات ذات صلة