الرأي

خليها تفوح!

جمال لعلامي
  • 1406
  • 1

إلى أن يثبت العكس، لم تتمكن وزارة التجارة ومعها وزارة الفلاحة، ومعهما اتحادات التجار والفلاحين وحماية المستهلكين، من وقف “لهفة” الزبائن، و”لهيف” التجار، وهذا إن دلّ فإنما يدلّ على الفوضى التي مازالت تسيطر على أسواقنا، وتصوّروا كيف تشتعل النار في الأسعار، عكس الكثير من البلدان العربية الإسلامية وحتى الغربية، التي تستقبل رمضان بتخفيض الأسعار وترويج تخفيضات غريبة!
الظاهر أن القضية لم تعد مرتبطة بالبحث عن الربح، عن طريق الجشع، وإنما الأمر للأسف له علاقة مباشرة بتغيرات أخلاقية يعرفها المجتمع الجزائري منذ عدّة سنوات، وإلاّ ما الذي يفسّر تكاثر الغشّ والتدليس وحتى الجرائم والعياذ بالله في شهر الرحمة والتوبة والغفران؟
الخطير في الموضوع أن أفراد وجماعات لم تعد تتأثر لا بالعقاب ولا بخطب الأئمة ولا بنصائح “كبار الدوار” ولا بما ينشر في الإعلام، ولذلك تكاد تتحوّل السرقة إلى ممارسة يومية ووظيفة لمن لا وظيفة له، وهو ما يجعل من الأسواق فضاءات “قانونية” لإدخال الأيدي في الجيوب عن طريق سجّلات تجارية، لا تختلف كثيرا للأسف عن ممارسات “الطراباندو”!
الظاهرة التي تتكرر كل عام، يقرؤها ذلك الخضار الذي “ينهب” بائع ملابس العيس، والجزار الذي “يسرق” بائع “الزلابية” و”الشاربات”، والعكس بالعكس صحيح، فهذا يسرق ذاك، من باب “الشطارة”، وهو ما ضاعف عدد الضحايا وأيضا الانتهازيين في شهر الصيام والقيام!
لو كانت “الحاجة” أو “العوز” هي سبب السرقة، لربما تفهمها الضحايا أنفسهم، وصفحوا عن المتهم والمتورط، لكن أن يتحوّل النهب إلى ممارسة يومية وجزءا من الأعمال التجارية بالنسبة للبعض، من المحترفين والمبتدئين في النشاط التجاري، فإن الموضوع يتطلب وقفة شجاعة، من المختصين والأئمة وعلماء النفس، قبل الشرطة والقضاء، لوقف النزيف وفهم هذا التطوّر السلبي الذي يمزق أحشاء المجتمع!
عندما يصبح رمضان بالنسبة لهؤلاء وأولئك فرصة لـ “البروفيتاج” ولو اقتضى الأمر “تحليل” السرقة وتبريرها، فهنا لم تعد الحكاية متعلقة أساسا بما يسمى في كلّ البلدان، “قانون العرض والطلب”، ولا بمبدأ “خليها تصدّي” و”خليها تفسد” و”خليها تفوح”، وإنما هناك ذهنيات غير طبيعية اجتاحت الكثير من شرائح وفئات الجزائريين، فعمّت السرقة والغشّ و”قتل” الناس بالسلع الفاسدة عبر الأسواق والأرصفة، والمصيبة أن “المجرم” صائم ومتزاحم على الصفوف الأولى خلال التراويح!

مقالات ذات صلة