الجزائر
صراخ وإغماءات.. وأولياء يُعنّفون أبناءهم بسبب النتائج الكارثية

خميس أسود في المدارس

كريمة خلاص
  • 8819
  • 26
ح.م
من يتحمل المسؤولية؟!

لم تمر نهاية الفصل الأول من الدراسة بردا وسلاما على كثير من الأولياء الذين صدموا بالنتائج الكارثية لأبنائهم وتميزت الأجواء العامة لاستلام الأولياء كشوف أبنائهم ولقائهم مع الأساتذة يوم أمس في المؤسسات الدراسية بالنقاشات الحادة والأسئلة الاستفسارية عن سبب تقهقر الأبناء إلى هذا المستوى. ولم تتمالك كثير من الأمهات أنفسهن وأطلقن العنان لدموعهن ومنهن من بلغت حالتها أبعد من ذلك فأصيبت بالإغماء وانخفاض ضغطها لأن أبناءها أخفقوا، ليتحول الأولياء في البيوت إلى “وحوش مفترسة” بمختلف أنواع العنف اللفظي والجسدي الذي ترك آثارا جسمية ونفسية عميقة لدى براءة، ذنبها الوحيد أن أهلها يرونها مجرّد “نقطة”.

ما إن طلع صباح الخميس حتى توالت أفواج الأولياء في غدو ورواح نحو مختلف المؤسسات التعليمة.. وأول ما تلمحه وأنت تمر بجوار تلك المؤسسات على اختلاف أطوارها هو تجمعات رجالية ونسوية هنا وهناك في شكل حلقات يشتكي فيها كل همّه وتعجبه من النتائج الهزيلة التي حققها أبناؤهم رغم المراجعة الجيدة التي وقفوا عليها أثناء الاختبارات والفروض.

ملاسنات واتهامات بين الأساتذة والأولياء

وصبّ كثير من الأولياء جام غضبهم على إصلاحات المناهج الجديدة التي أخلطت عقول أبنائهم وجعلت منهم محل تجارب قطاع التربية باعتراف المسولة الأولى عن فشلها وعدم تحقيقها الهدف المأمول، حيث تبادل كل من الأساتذة والأولياء اللوم بينهم وحمّل كل طرف المسؤولية للآخر في تراجع المستوى العام لأبنائهم، فالأولياء اتهموا بعض الأساتذة بالتقصير في شرح الدروس وتبسيطها للتلاميذ وعدم تقديمهم الجهد المطلوب خلال الدرس.

واتهم آخرون بعض المعلمين بالتلاعب بالعلامات لاسيما مادتي التربية الفنية والموسيقى والتربية البدنية لتقديم البعض على حساب البعض الآخر.

من جهتهم، لم يفوت الأساتذة الفرصة لإطلاق النار على التلاميذ والأولياء واصفين إياهم بأنهم كسالى ويرفضون متابعة الشرح خلال القسم، واعتبر بعض المعلمين الأولياء مستقيلين من أدوارهم في مجال المتابعة المنزلية للسير اليومي للدروس واكتفوا بتوجيه أبنائهم نحو دروس خصوصية يدفعون أقساطها دون تحقيقها للإضافة أو التقدم بالتلميذ.

آباء يبدعون في فنون العقاب والشتم

عجّت قواميس بعض الأولياء، يوم الخميس، بمختلف مفردات ومصطلحات الشتائم لأبنائهم الذين تحصلوا على علامات تقل عن المعدل المطلوب، فلم يتركوا صفة سيئة لحيوان إلا ونعتوهم بها ولم يتركوا وسيلة عقاب إلا وتوعدوهم بها.. فقد حولت النقاط الأولياء إلى وحوش مفترسة تفتك بالبراءة بعدما كانوا الحضن الدافئ لهم وبر الأمان الذي يقترض أن يشجعهم ويأخذ بأيديهم نحو التقدم وتدارك ما فات.
واعترفت بعض الأمهات بأنها ضربت أبناءها بالعصي الخشبية إلى أن كسرت عليهم، بينما لجأ آباء آخرون إلى الحزام الجلدي تاركين أثارا على جسد فلذات أكبادهم فتسببوا لهم في انكسار نفسي عميق.
ومن “الوحوش الآدمية” من توعد بربط ابنه إلى عمود البيت دون أكل وشرب إلى أن يعي حجم خطئه على حد قولهم.
وتداول البعض بينهم سياسات عقابية أخرى كالحرمان من أخذ قسط الراحة وإغراق أبنائهم بالأعمال المنزلية الدراسية مع حرمانهم من الهواتف النقالة وقطع الإنترنت في البيت وغيرها من أنواع العقاب الأخرى التي تحرم كل شيء يحبه الطفل ويعشقه وطالت حتى الأكلات المفضلة لهم.

العربية والرياضيات والفرنسية والتاريخ والجغرافية هنا أخفق أطفالنا…

أجمع كثير من الأساتذة والأولياء على أن إخفاقات أبنائهم كانت في مواد أساسية هي الرياضيات واللغة والتاريخ والجغرافيا وبدرجة رابعة اللغة الأجنبية الفرنسية. وانتقد هؤلاء نظام الوضعيات الإدماجية التي اعتمدت، و4 نقاط من 10 و8 من 20.. وهو ما اعتبروه “إجراما” في حق التلاميذ الذين يتراجعون إلى الحضيض بمجرد خروجهم عن النص أو عدم معالجتهم الجيدة للسند.

مختصون: الترهيب والرعب يفقد الطفل توازنه النفسي والبدني والعقلي

وحذّر كثير من المختصين النفسانيين من الأساليب العقابية الهدامة وآثارها على المتمدرسين. وفي السياق، أوضح الدكتور أحمد قوراية، أستاذ علم النفس بجامعة الجزائر، أن “استعمال العقاب والترهيب النفسي من قبل الآباء ينعكس سلبا على التحصيل العلمي للتلاميذ ويؤثر على النمو النفسي لشخصيتهم مستقبلا ويولد في نفوسهم النفور عن ذلك الشيء وإن تكرر العقاب سيولد لديهم الكره النفسي وسيعمل على إحجام التلاميذ عن إخراج وإبراز قدراتهم العقلية وتوظيفها لأنهم في هذه المرحلة يحتاجون إلى كتساب العلم بالرأفة النفسية الإيجابية والعقاب بالرعب والعنف يفقد الطفل توازنه النفسي والعقلي والبدني والنمو النفسي لديه، ويكسبه في ما بعد الخوف المرضي، وهنا المصيبة التي تؤثر في حالته النفسية.

فيصعب عليه لاحقا الحفظ والإصغاء والفهم والعمل داخل القسم لأن التعلم بات في تصوره الذهني العدو اللدود ويجب عليه الابتعاد عنه قدر المستطاع”.

ونصح قوراية بضرورة “غرس التوازن النفسي في الأبناء ومرافقة الطفل في التحصيل الدراسي وتخصيص جزء من اللعب والترفيه له لأن اللعب يعتبر علاجا نفسيا يدعم التحصيل التعليمي وكذا فتح حوار معه واستدعاء بعض النماذج لحكايات ناجحة لبعض من كانوا أطفالا وأصبحوا متعلمين بل حققوا نجاحا كبيرا مثل حياة محمد بن شنب الطفل الفقير تحت رحمة الاستدمار الفرنسي ومع ذلك حقق نجاحا رائعا لكي يبذل الطفل الجهد الذاتي في التعلم الذي يفوق جهد الوالدين”.

تحذيرات من هروب وانتحار الأطفال

ومن جهتها، أكدت المختصة النفسية تينهينان: “كم طفلا انتحر خوفا من بطش أهل لا يرحمون وكم من مئات ينتحرون داخليا دون أن يحس بهم أحد.. كم من طفل انكسر ودمعة سالت دون أن يمسحها أحد.. أيتام لكن بوالدين، أم قاسية وأب عنه مشغول”.

ونصحت الآباء والأمهات الذين صرخوا وضربوا وأغمي عليهم لأنهم راجعوا لأبنائهم وحفظوهم وسهروا لأجلهم الليالي وتعبوا فانتظروا المكافأة نقطة، بأن يخمدوا الوحش الذي خرج منهم من أجل نقطة وأن تخشع قلوبهم ويحضنوا أبناءهم وأن يخبروهم بأن النقطة تتغير وأنهم يحبونهم وأنّه سينجح المرة المقبلة “فالابن إنسان وليس نقطة”.

خالد أحمد: لا تقتلوا أطفالكم بالتهديد والوعيد

دعا رئيس المنظمة الوطنية لأولياء التلاميذ، السيد خالد أحمد، الأولياء إلى ضرورة التعقل في التعامل مع نتائج أطفالهم الضعيفة والابتعاد عن جميع وسائل التهديد والوعيد والعقاب، التي من شأنها أن تترك آثارا سلبية على نفسية التلاميذ المرهفة وقد تنجر عنها حوادث كارثية، فكم من أطفال أقدموا على الهروب والانتحار خوفا من أوليائهم.

وأرجع خالد أحمد تراجع مستوى التلاميذ خاصة في المتوسط إلى الإصلاحات التي أخلطت حسابات التلاميذ من خلال برامج كثيفة وجديدة بالإضافة إلى نقص تكوين الأساتذة والتحاق الكثير منهم متأخرين بشهرين عن الدخول المدرسي، كما ساهمت مشاكل الاكتظاظ وغياب الإطعام والنقل المدرسي على مستوى التلاميذ في المناطق النائية والذين يتعبون كثيرا ويقطعون مسافات طويلة للوصول إلى المدرسة..

مقالات ذات صلة