الشروق العربي
مأساة امرأة بلا أب فاطمة آث منصور عمروش

خنساء القبائلية التي اعتقنت المسيحية وتركت 7 معلقات بربرية

فاروق كداش
  • 6473
  • 20
ح.م

 هي كاتبة شاعرة وأم كاتبين، تلخصت آلام وأوجاع التراجيديا في يومياتها، هي الرضيعة التي وأدتها التقاليد ورفضتها الأعراف، والأم الثكلى التي تضاهي الخنساء في حزنها…إنها الشاعرة الكاتبة فاطمة آث منصور عمروش… امرأة بألف حياة.

 ولدت الشاعرة القبائلية، فاطمة آيت منصور عمروش، عام 1882، في مدينة تيزي هيبل، لم تعرف والدها، أما والدتها، فقد سبق لها أن تزوجت ومات زوجها وترك لها يتيمين… بعدها أحبت رجلا وحملت منه وكان مصيرها سيكون الموت لولا تدخل المحكمة الفرنسية لحمايتها… فقاطعها أهل القرية حتى إنها ليلة ولادة فاطمة قطعت أمها حبلها السري بأسنانها، وكتب في هذا الصدد الكاتب كاتب ياسين عنها قائلا: “كانت أمها تستميت في حمايتها من ظلم العائلة ونظرة القرية التي كانت ترى فيها كائنا ملعونا”.

وبدل أن تترعرع في قريتها بعادات وتقاليد أهلها، اضطرت أمها إلى تركها في دير الراهبات البيض، غير أنها أخرجتها من هناك، بعد أن كانت الراهبات يسئن معاملتها، وأمام قهر الحياة أجبرت على تركها في ميتم “تادرت أوفلى” عام 1886، الذي أصبح في ما بعد مدرسة، وهناك درست فاطمة وتعلمت الأدب الفرنسي، مدة عشر سنوات. بعد عودتها إلى قريتها كانت أمها تأمل في أن تتزوج مثل قريناتها، لكنها رفضت الفكرة جملة وتفصيلا.. وبعد وفاة والدتها حدثت القطيعة بينها وبين مسقط رأسها…وبدأت في العمل في مستشفى المسيحيين بمنطقة آيت منڤلات… ولما كانت شابة وحيدة منبوذة، وجدت نفسها تعتنق المسيحية، تحت ضغط المبشرين الكاثوليك.

تزوجت فاطمة عمروش في 24 أوت 1899، من رجل قبائلي من إغيل اعلي، اعتنق هو الآخر المسيحية تحت وطأة التبشير .. وعمّدت في نفس التاريخ، باسم مارغريت.. بعدها، استقرت في تونس، حيث عاشت تقريبا أربعين سنة مع زوجها وأولادها الثمانية.

كان ثقل الحنين كبيرا بالنسبة إلى هذه المرأة، التي أجبرت على كل شيء، فراحت تسرد حياتها من خلال الأغاني والأشعار البربرية التي ترجمتها إلى الفرنسية سنة 1930، بمساعدة ابنتها الكاتبة المغنية المعروفة، طاوس، وابنها الكاتب جان عمروش.

في عام 1940، تفقد فاطمةآيت منصور ثلاثة من أولادها، محند صغير وبول ونويل، ‪ولحق بهم رابعهم هنري سنة 1958، فرثتهم بخمس قصائد شعرية، وأهدت ابنتها الطاوس قصيدتين خالدتين .

بعد هذه الفاجعة، تعود الشاعرة إلى تيزي هيبال، عام 1953، ولكن الهجرة نادتها مرة ثانية بعد ثلاث سنوات، وهذه المرة حطت الرحال في فرنسا…

بدأت السيدة فاطمة آيت منصور في كتابة مذكراتها في الستينيات، روت فيها مآسيها وآلامها وأحلامها وثوراتها الداخلية وانتفاضاتها ضد جلاديها… توفيت في 9 جويلية سنة 1967، في مستشفى سانت بريس في مقاطعة بروتاني، عن عمر يناهز الخامسة والثمانين… بعد وفاتها بسنة، نشرت مذكراتها تحت عنوان قصة حياتي في دار نشر ماسبيرو…

مذكرات خنساء القبائل

تركت فاطمة آث عمروش روائع شعرية كثيرة، بعناوين ملهمة، مثل ‪”لا تكن متسرعا… أنا مثل الصقر… طائر الخطاف يا إلهي”… كانت ضحية السياسة التبشيرية لفرنسا، التي كان ظاهرها حضارة وتربية وباطنها خراب وتدمير للإسلام. ووجدت فرنسا الانتهازية في شخصها طعما سائغا وأرضا خصبة لزرع أفكارها المسمومة، بعد أن رفضها المجتمع القبائلي المسلم، فاحتضنتها الكنيسة وأعطتها قبلة الخلاص الواهم… والدليل ما كتبته في مذكراتها: “أما في ما يخص الدين، فلم أكن واثقة منه كثيرا. ولكن أؤمن بالله كثيرا… لما أكد لنا الآباء البيض أنهم هم وحدهم الذين يذهبون إلى السماء، لم أعتقد ذلك. لأنني فكرت في أمي، في تعبها، في صيامها لثلاثة أشهر، في حمل الماء إلى المسجد الذي فرضته على نفسها، فقلت: هل من الممكن ألا تذهب أمي إلى الجنة؟

مقالات ذات صلة