جواهر
دعمن الثورة بقوافل الشهداء ومجاهدات ثائرات في الجبال والمدن

خنساوات الثورة.. شجاعة استثنائية وصمود أسطوري

صالح سعودي
  • 11212
  • 0
الشروق

تحتفظ ذاكرة الثورة التحريرية بصور مشرفة حول مساهمة المرأة الأوراسية مع أخيها الرجل في البطولة والتضحية من اجل الوطن، حيث أن العديد من جميلات الجزائر كانت أصولهن من منطقة الأوراس، على غرار مريم بوعتورة التي استشهدت في قسنطينة، وزيزة مسيكة التي نالت الشهادة في القل، والكلام ينطبق على فضيلة سعدان، والمجاهدة فاطمة لوصيف التي اختارت حياة الجبل قبل وأثناء الثورة رفقة زوجها الشهيد الصادق شبشوب ضمن مجموعة متمردي الشرف، وكذا المجاهدة بوذن أم السعد التي فتكت بضابط فرنسي دفاعا عن الشرف، دون أن ننسى نماذج لأمهات مجاهدات ضحين بالنفس والنفيس، وقدمن شهداء بالجملة من أجل تحرير الجزائر، على غرار خنساء الأوراس مريم عجرود، ومثيلتها حسوني مهنية، وأخريات كثيرات يصعب حصرهن في هذا الإطار.

مريم بوعتورة.. الأوراسية التي حطمت كبرياء المستعمر

شهدت الثورة التحريرية بطلات ثائرات في الأرياف والجبال والمدن، ومناضلات ومسبلات وحاملات للسلاح، حيث يصف الكثير الشهيدة مريم بوعتورة بالمرأة التي حطمت كبرياء فرنسا، حيث نشأت في بيت عريق بمدينة نقاوس بمنطقة الأوراس، بين 8 إخوة وأخوات، وعندما بلغت ربيعها العاشر (من مواليد 1938)، انتقلت رفقة عائلتها إلى مدينة سطيف، هربا من مضايقات العدو الفرنسي، بعد أن ثبت تورط بعض من أفراد العائلة والأقارب، في انتفاضة 8 ماي 1945، والتحقت البطلة مريم بوعتورة بالثورة سنة 1956 على مستوى الولاية الثانية، وساهمت في عدة عمليات فدائية، وأبانت عن شجاعة نادرة، وكانت آخر هذه العمليات الفدائية تلك التي نفذتها إلى جانب الشهيد حملاوي ضد المؤسسات والمنشآت العسكرية ومراكز الشرطة لقتل الخونة. وتم اكتشافهما بعد الوشاية بهما، حيث لجأ الإثنان إلى أحد المنازل الذي حوصر من طرف الجيش الفرنسي، قبل أن يقدم على نسفه بالديناميت، لتسقط المجاهدة مريم بوعتورة شهيدة الوطن يوم 08 جوان 1960  .

زيزة مسيكة.. تخلت عن الجامعة واختارت الجبل لخدمة الثورة

وغير بعيد عن مدينة نقاوس، فإن مدينة مروانة أنجبت بطلة من طراز خاص، ويتعلق الأمر بالشهيدة زيزة مسيكة (اسمها الحقيقي زيزة سكينة) التي عرفت بأعمالها البطولية خلال ثورة التحرير، حيث سقطت في ميدان الشرف يوم 29 أوت 1959، حين قامت بعملية استشهادية، وهي من مواليد 28 جانفي 1934 بمروانة باتنة، وتابعت دراستها الابتدائية في باتنة، ثم تنقلت إلى سطيف لمزاولة التعليم المتوسط، لتعود إلى باتنة لمواصلة دراستها الثانوية، حيث تحصلت على شهادة البكالوريا في عام 1953. وغادرت الجزائر متجهة نحو جامعة مونبلييه بفرنسا لمتابعة الدراسات العليا رفقة أخيها إلى غاية 1955، ثم عادت إلى أرض الوطن، وبالتحديد إلى مدينة باتنة، وقبل وقت قصير من الإضراب الطلابي في عام 1956، وقد غادرت باتنة إلى سطيف مع زميلتيها مريم بوعتورة وليلى بوشاوي، حيث انضمت إلى صفوف المجاهدين كممرضة برتبة عريف بواد عطية في دوار أولاد جمعة تحت أوامر عمار بعزيز في المنطقة الثالثة، كما عملت مع عزوز حمروش وعبد القادر بوشريط اللذان كانا مسؤولين عن الصحة بالمنطقة الأولى الثانية، تحت أوامر لمين خان من 1956 إلى 1958، والدكتور محمد تومي بين 1958 و1962 على التوالي.

وفي السياق ذاته، تحتفظ ذاكرة الثورة التحريرية ببطولات الشهيدة مريم سعدان، ابنة وادي الماء بمروانة، وشقيقتها فضيلة سعدان، حيث استشهدتا بعد مسيرة مميزة في التضحية ونكران الذات.

فاطمة لوصيف حملت السلاح قبل الثورة بـ7 سنوات

وتحتفظ منطقة الأوراس بنموذج استثنائي، ويتعلق الأمر بالمجاهدة فاطمة لوصيف التي حملت السلاح وصعدت إلى الجبل قبل 7 سنوات عن موعد اندلاع الثورة التحريرية، وكانت أفضل سند لزوجها الشهيد البطل الصادق شبشوب (الملقب بـ: قوزير)، حيث كانت منضوية تحت لواء مجموعة متمردي الشرف، وكانت من الرعيل الأول للثورة رفقة زوجها شبشوب، بعد ما أبلت البلاء الحسن في منطقة الأوراس قبل أن تتحول إلى الولاية السادسة (الصحراء) تحت إشراف سي الحواس، ثم العقيد شعباني، حيث برزت في عدة معارك مشهود لها، في مقدمة ذلك معركة بوكحيل الشهيرة بجبال الجلفة. وإذا كان زوجها الصادق شبشوب قد استشهد نهاية شهر أكتوبر 1961 بنواحي نقاوس، حين قام بزيارة رفاقه في السلاح بمنطقة الأوراس قادما من الولاية السادسة (الصحراء)، فإن المجاهدة فاطمة لوصيف عاشت فترة هامة من الاستقلال، وتوفاها الأجل مطلع الألفية الحالية.

كما يمكن إدراج اسم المجاهدة الراحلة عثامنة عمرية (المدعوة زينب) من منطقة إشمول بباتنة، التي تعد خريجة عائلة ثورية، فوالدها امحند عثامنة كان مجاهدا، والكلام نفسه ينطبق على شقيقها محمد عثامنة.

مريم عجرود.. نموذج لأبرز خنساوات الأوراس والجزائر

وسجل تاريخ الثورة التحريرية نساء بطلات يمكن وصفهن بخنساوات الأوراس والجزائر، وتعد المجاهدة مريم عجرود في نظر سكان منطقة خنشلة، ملهمة الأبناء على الجهاد ومستقبلة خبر استشهادهم بالزغاريد، حيث تعتبر من مواليد 1891 بمنطقة طويلة أعمارة ببلدية المحمل ولاية خنشلة، تزوجت من المرحوم لمبارك عجرود (وهو من أبناء عمومتها)، وذلك عام 1906، وأثمر زواجهما 9 أبناء وهم النوي وعبد القادر والحاج والسقني ومحمد وثلجة وعلي وشهلة وأصغرهم هو صالح، وأن تربيهم على حب الأرض، وبعد وفاة زوجها عام 1936، تحملت السيدة مريم عجرود مسؤولية تربية أبنائها السبعة لتفجع في أكبرهم النوي سنة 1942 بموته في ألمانيا أثناء الحرب العالمية الثانية، خلال أدائه الخدمة العسكرية مع الجيش الفرنسي، ونظرا لمواسم القحط والجفاف وانتشار الفقر في تلك السنوات، فقد انتقلت السيدة مريم عجرود إلى ضواحي هيليوبوليس بقالمة، واستقرت هناك من عام 1944 حتى عام 1951 تاريخ عودتها إلى مسقط رأسها، ورغم أمية السيدة مريم عجرود إلا أنها كانت مؤمنة بوجوب كفاح المستعمر، فشجعت أبناءها الستة على الالتحاق بالثورة وخدمتها بكل غال ونفيس، وخلال السنوات الثلاث الأولى من عمر الثورة توالت عليها أخبار استشهاد أربعة من أبنائها، وهم الشهيد عجرود الحاج (من مواليد العام 1920) الذي يعد من الرعيل الأول الملتحقين بالثورة، حيث استشهد عام 1957 في معركة جمري بمنطقة طامزة، ثم الشهيد عجرود السقني (من مواليد عام 1924)، وكان من الملبين الأوائل لنداء الوطن، واستشهد عام 1956 بجبال منطقة حمام دباغ بولاية قالمة، وفي عام 1955 استشهد ابنها عجرود محمد (من مواليد عام 1927) في معركة الجرف الشهيرة، ثم الشهيد عجرود علي (من مواليد عام 1929) الذي استشهد على يد القوات الاستعمارية عام 1956 بمنطقة حمام لكنيف.

حسوني مهنية.. زوجها و5 من أبنائها التحقوا بقوافل الشهداء

من جانب آخر، تحتفظ ذاكرة الثورة الجزائرية بخنساء أخرى رفضت الانكسار أمام العدو، ومنحت الجزائر أبطالا رزقوا الشهادة، ويتعلق الأمر بالمجاهدة حسوني مهنية (من مواليد 1904 بنواحي بسكرة)، حيث استشهد زوجها حسوني إبراهيم عام 1955 بلقصر أولاد أيوب عن عمر يناهز 54 سنة، قبل أن يلحقه 5 من أبنائها، ويتعلق الأمر بحسوني عمار (من مواليد 1935) بنواحي الدروع بشتمة بين أريس وبسكرة، وفي عام 1960 رزق حسوني محمد إبراهيم الشهادة بجبل أحمر خدو في ربيع الـ19 سنة من العمر، واستشهد البطل حسوني إبراهيم (من مواليد 1931) عام 1961 ببوكحيل (نواحي الجلفة)، علما أن هذا الأخير كان قبل الثورة ضمن مجموعة الخارجين عن القانون، ويعد من الرعيل الأول للثورة، وفي نفس العام استشهد حسوني عبد الله (من مواليد 1933)، بمنطقة لحبال قرب منطقة مشونش بين أريس وبسكرة، وكذا حسوني محمد (من مواليد 1942) الذي سقط في ميدان الشرف قبل عام عن نيل الاستقلال.

مقالات ذات صلة