-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

خيبة ” الاستثمار .. بلا تنمية “!

محمد عباس
  • 2618
  • 0
خيبة  ” الاستثمار .. بلا  تنمية “!

مرت 48 سنة على استعادة الشعب الجزائري سيادته والبلاد استقلالها. وهي فترة كافية للوقوف وقفة مكاشفة، لتقدير النجاح والإخفاق في مسيرة الاستقلال، ما أنجزنا وما لم ننجز، وعلاقة منجزاتنا بصفة خاصة، بأحلام شهدائنا والآمال المشروعة لشعبنا وطلائعه.لقد كانت استعادة استقلالنا وحريتنا نصرا مبينا، لكن من المتعارف عليه أن الحفاظ على النصر أهم من تحقيقه .. لأن ثمار هذا النصر لا تيْنَع وتنتج إلا بالرعاية المستمرة واليقظة الدائمة .ويعني الحفاظ على النصر في السياق الجزائري، أن تحافظ النخبة الحاكمة على تعبئة الكتلة الفاعلة في الشعب، لخوض معركة بناء الاستقلال بنفس النجاعة والحماس الذي ساد معركة التحرر الوطني. بل أكثر من ذلك، لأن معركة بناء الاستقلال من معارك “الجهاد الأكبر”. وهي لذلك أشد وأعتى من معارك ” الجهاد الأصغر “.

ترى  هل  استطاعت  النخبة  الحاكمة  إبان  معركة  التحرر  الوطني  أن  تحافظ  على  تعبئة  الكتلة  الفاعلة  في  الشعب  غداة  الاستقلال  وأن  تصعّد  هذه التعبئة  بما  يتناسب  مع  معركة  ” الجهاد  الأكبر ” ؟

من  المؤسف  أن  نجيب  بالنفي  على  ضوء  حقيقيتين :

**  أن  اختلاف  النخبة  الحاكمة  إبان  الثورة  حول  مسألة  السلطة  واستعداد  جناح  من  هذه  النخبة  لحسم  الخلاف  بحد  السلاح،  أصاب  شرائح  واسعة من  الشعب  بخيبة  أمل  مبكرة .

* أن الجناح الفائز بالسلطة في صائفة 1962 أخلّ بأحد مبادئ فاتح نوفمبر 1954، وهو أن تحرير الجزائر مسؤولية تقع على عاتق كل فرد من أبناء شعبها.. وإذا كان الجهاد الأصغر يستوجب مثل هذه الوحدة في المسؤولية، فأحرى وأولى أن يكون ذلك – أو أقوى – في الجهاد الأكبر. أي  الجزائر  التي  يحررها  الجميع،  ينبغي  كذلك  أن  يشارك  الجميع  في  بنائها .

لا ينبغي أن ننكر محاولات الرئيسين أحمد بن بلة وهواري بومدين في بعث حماس الشعب من جديد، وتجاوز صدمة فجر الاستقلال. لكن ما حدث بعد ذلك يؤكد أن الجرح أعمق بكثير، لاسيما بعد أن عزز الخيبة الأصلية بخيبة الحلقة المفرغة التي تتخبط فيها البلاد منذ نحو ثلاثة عقود من  الزمن .

لقد  انتاب  فئات  واسعة  من  الشعب  منذ  مطلع  الثمانينيات  شعور  عميق،  بأن  النخب  الحاكمة  لم  توفق  في  بناء  الاستقلال  على  أسس  متينة،  بما يضمن  الحفاظ  على  انتصار  1962  وتثمينه . من  هذه  الأسس  الصلبة :

1 – فسح  المجال  لبناء  اقتصاد  وطني  منتج،  يضمن  حدا  مقبولا  من  الحياة  الكريمة  لعامة  الجزائريين  في  وطنهم .

وما نلاحظ في هذا الصدد، أن الرئيس الراحل هواري بومدين وظف ريوع الثروات الباطنية ـ التي استعاد السيطرة عليها بعد تأميمها ـ بتقشف كبير في التنمية الاجتماعية والاقتصادية، بهدف تحويل هذه الريوع من ثروة زائلة إلى ثروة متجددة.

لكن ما حدث بعده أن نسبة متزايدة من هذه الريوع – الزائلة – بدأت توزع على أساس “مبدإ” جديد: مبدأ “الأقربون أولى بالمعروف”! وما يشاع اليوم عن رجالات عهد الرئيس بن جديد “أنهم أسسوا للخلط بين العام والخاص”!

وقد  تفاقمت  الظاهرة  في  السنوات  الأخيرة،  بعد  أن  ساد  الانطباع  بخصوص  النفقات  العمومية،  ” أن  هناك  استثمارا  بلا  تنمية “! أي  ” جعجعة  بلا طحين ” حسب  المثل  العربي  القديم !

أموال  باهظة  تنفق  منذ  2001 .. لكن  لا  أثر  لذلك  في  مستوى  المعيشة،  ونوعية  الحياة  التي  تسير  على  وتيرة  ” من  سيّئ  إلى  أسوإ “!

وكان المفروض أن نستقبل الذكرى الـ48 للاستقلال في جو من التفاؤل والاطمئنان بناءً على المبالغ الضخمة التي تقرر إنفاقها في إطار “مخطط 2010 – 2014″، لكن الملاحظ أن التشاؤم هو سيّد الموقف، حتى في أوساط وخبراء الاقتصاد الذين يخشون أن توزّع بدورها حسب مبدإ “الأقربون  أولى  بالمعروف “!.

2- الدعامة الأساسية الثانية لبناء الاستقلال – الذي يحافظ على النصر ويثمّنه – تكمن في فسح المجال لبروز ثقافة وطنية أصيلة متفتحة، تحمي النخب من الضياع و”التيه الحضاري”، بدءاً “بالنخبة” الحاكمة ذاتها!

والملاحظة  أن  حال  ثقافتنا  لا  تختلف  كثيرا  عن  حال  اقتصادنا،  إن  لم  تكن  أسوأ !

ويمكن  أن  نلخص  الإشكالية  التي  نطرحها  بمناسبة  الذكرى  48  للاستقلال  في  بيتين  للمتنبي :

الرأي  قبل  شجاعة  الشجعان

              هو  الأول  وهي  المحل  الثاني

فإذا  هما  اجتمعا  بنفس  حرة

              بلغت  من  العَلْياءِ  كل  مكان ..

 

والمؤسف  أن  حال  نخبنا  الحاكمة  اليوم  أبعد  ما  تكون  عن  الرأي  السديد ! وعن  سلوكات  النفوس  الحرة  القادرة  على  الحفاظ  على  النصر  وتثمينه !. !.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!