-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

خيرُ الخطائين

خيرُ الخطائين

طالبت أكثر من مرة بوقفة نقد ذاتي نراجع فيها أنفسنا بالنسبة للكثير من المواقف التي اتخذناها في مراحل مختلفة من المراحل التي عرفها الوطن العربي وعانينا منها الكثير.

وأسعدني أن قرأت في “رأي اليوم” سطورا للدكتور رامي عزيز تؤكد أنني لم أكن بعيدا عن إدراك المتطلبات الحيوية لنجاح المسيرة العربية نحو استرجاع الحقوق المستلبة.

يقول الدكتور رامي في مقاله، الذي يجب أن يكون دليل عمل لكل الوطنيين، بأن السنوات الأخيرة شهدت سقوطا متزايدا في فخ التطبيع مع الكيان الصهيوني، ويعترف، بشجاعة أدبية نموذجيه، بأنه كان ممن وقعوا في ذلك الفخ، الذي ينطلق من الحديث عن السلام بمثابة “الطعم الذي يتم من خلاله اصطياد المطبعين، من خلال الترويج بأن التقارب على المستوي الشعبي، سيسهم في سد الفجوة الموجودة، وسيضيق الهوة، ويسمح للشعوب أن تتعرف علي بعضها عن قرب، مما سيؤدي إلي خلق حالة من الحوار التي ستؤدي بدورها  إلي حلحلة الجمود.”

ويقول الدكتور إنه “في عام 2016 وجهت له من وزارة خارجية الكيان الصهيوني، لزيارة  الكيان ضمن وفد مكون من 6 أشخاص، والتقى مع دبلوماسيين وأعضاء بالكنيست، صحافيين وأكاديميين ونشطاء في المجال العام، وكانت ملاحظته الرئيسية هناك هي محاولتهم تجنب الحديث عن الفلسطينيين ومعاناتهم، ليس هذا فحسب، بل التهرب من الحديث عن أي أمور تخص القضية الفلسطينية ومستقبل عملية السلام مع الفلسطينيين، وكان الأمر كله يركز علي تسريب صورة  إيجابية لنا عن الكيان الصهيوني.”

ويواصل الدكتور رامي، والذي سمحت لنفسي بأن أنقل كلماته بدون استئذان وبعد استشارة عمّنا عبد البري عطوان، قائلا:

“بعد أن يضمن الصهاينة توريط المطبعين في فخ التطبيع، من خلال صناعة عداوة بينهم وبين مجتمعاتهم، يبدأ الحديث عن السلام يختفي شيئا فشيئا حتى يتلاشى تماماً، ولا تستمع منهم إلا أحاديث مليئة بالكراهية للفلسطينيين والعرب والمسلمين، والآخر بشكل عام، وسيل من الافتراءات وادعاء المظلومية والنواح، كوسيلة لترهيب كل من يحاول كشف ممارساتهم غير الأخلاقية وغير القانونية، مستخدمين في ذلك العديد من الاستراتيجيات والوسائل، وأسهل تلك الاستراتيجيات والوسائل، كيل الاتهامات لمن يختلف معهم أو يفضح ممارساتهم بأنه “معادي للسامية”، والتمادي في خلط الأوراق وتزييف الحقائق، بادعائهم أن انتقاد الكيان الصهيوني أو الصهيونية، جزء لا يتجزأ من “معاداة السامية”،  واختراعهم لمصطلحات مثل (معاداة إسرائيل) و (معاداة الصهيونية) وتسويقها في الأوساط البحثية والأكاديمية الغربية لمحاولة شرعنتها، ودمجها لتصبح جزء لا يتجزأ من (اختلاق تهمة) معاداة السامية، حتى تكتسب في وقت لاحق القوة القانونية من خلال إصدار التشريعات التي تعاملها معاملة معاداة السامية، لتكون أداة فاعلة لإخراس منتقدي الكيان الصهيوني والصهيونية، إلي الأبد بقوة القانون”.

ويستنتج الدكتور رامي قائلا: “أثبت أتباع إستراتيجية التسلل الهادئ أنها لن تفلح، والخروج من فخ التطبيع هو بمثابة الولادة الجديدة، ولادة سيكون مخاضها صعب، ولكن ثمنها حياة جديدة، بعيداً عن دعم كيان لا يحترم الإنسانية ولا القانون.”

وكان من أروع ما خرجت به من مقال “رأي اليوم” هو تعليقات القراء التي تثبت تفاهة قيادات سياسية عربية تلهث وراء التطبيع مع الكيان الصهيوني وتستهين بمقدرة المواطن العربي على رؤية الحقائق التي تثبت عنصرية إسرائيل وفضح الأكاذيب التي تدعي أن التحالف معها يُمكّن من استرجاع الحقوق العربية.

وما يثير السخرية هو أن الصهاينة أنفسهم يعترفون بأن الشعب العربي يرفضهم، وهو ما بدا واضحا من تصريحات العناصر التي سُمح لها بزيارة قطر بمناسبة كأس العالم، الذي كان صفعة للشمال الذي يستهين بقدرات الجنوب، والعرب بوجه خاص.

وما أريد أن أصل إليه اليوم هو أن علينا أن نعيد النظر في المواقف العربية التي اتخذت عبر العقود الماضية كنتيجة منطقية حتمية للزيارة التي قام بها الرئيس المصري الراحل أنور السادات للقدس المحتلة في 1977، وأول تلك المواقف خدعة “المبادرة العربية” التي رفضها الكيان الصهيوني لكن القيادات العربية تشبثت بها في ذلة لم يعرفها تاريخ العلاقات الدولية، برغم أن كثيرين من بين القيادات العربية من يعرفون أن فكرتها الأصلية جاءت عن طريق الصحفي الأمريكي الصهيوني “فريدمان”.

ومن تلك المواقف خدعة حلّ الدولتين، الذي وصلتُ اليوم إلى اليقين بأنها مغالطة سياسية ومناقصة نضالية وخدمة لأعداء الوطن العربي، خصوصا بالنظر إلى الوضعية المأساوية في الضفة الغربية، التي أصبح الوجود الفلسطيني فيها، نتيجة للتوسع الاستيطاني الإسرائيلي الذي يتمتع بدعم الشمال وتهاون الجنوب، مجرد أرخبيل من الجزر السكانية المتباعدة.

وأنا اليوم أنادي بالتراجع نحو المواقف التي كنا ننادي بها في الستينيات، وأعتز بالقول أننا كنا، في الجزائر، نعرف الأوضاع حق المعرفة.

وأتذكر سطورا كنت كتبتها، كافتتاحية لمجلة “الجيش”، في فبراير 1968 قلت فيها:

إننا نؤمن بأن القضية.. فلسطينية أولا.. وعربية ثانيا.. وكل محاولة تعكس هذا الترتيب سينظر إليها كمحاولة لسلب الشعب الفلسطيني حقه في تقرير مصيره ولغرض الوصاية عليه، وبالتالي.. كعودة إلى الدائرة التي أصابتنا بالدوار، وأوقعتنا لقمة سائغة في يد العدو.

ومعنى هذا.. أن على الطلائع الثورية من أبناء فلسطين أن تشق طريقها، وألا تهتم إلا بما تمليه عليها احتياجات النضال ومتطلبات الثار.

ومعنى هذا أيضا.. أن على قوات الفدائيين الفلسطينيين أن تعمل، وأن تضرب بقوة، وأن تضع العالم كله، ونحن قبله، أمام الأمر الواقع، ولتبرز القضية على حقيقتها . صراعا بين شعب طرد من أرضه، وغزاة أجانب سلبوا هذه الأرض.. فقط.. لا غير.

نريد أن نسمع من أبناء فلسطين لحنا واحدا لا نشاز فيه.. وعلى الذين لا يحبون سماع هذا اللحن أن يسدوا آذانهم وأن يبتعدوا عن الطريق قبل أن تسحقهم عجلة التاريخ (وأذكر اليوم بأن هناك واقعا جديدا تعرفه الأرض الفلسطينية بفضل شباب رائع لا يعترف لا بمدريد ولا بأوسلو ولا حتى بنوفمبر 1947).

وكنت قلت قبل ذلك، وفي نفس التاريخ منذ نحو 54 سنة، وبمبادرة شخصية قرأها الرئيس هواري بومدين في نفس الوقت مع بقية قراء المجلة، وظن بعض الرفاق أن سطوري كانت بتوجيهات منه:

الكفاح العربي الفلسطيني طوال العشرين سنة الماضية كان، في معظمه، حالة حمل كاذب أنتجت عند الوضع.. غازات ومياها متعفنة بدلا من الوليد الذي زُرع فينا وهمُ وجوده.

ومن هنا اختلطت المرارة بالدهشة وقسوة المفاجأة بعناصر السخرية.

وكان السبب هو عدم وجود “كيان فلسطيني” مستقل وفعال وغير خاضع إلا لمتطلبات النضال الفلسطيني واحتياجات معركة العودة، كيان لا يكون مجرد ورقة رابحة للمضاربات السياسية أو لاستجداء تصفيق الجماهير.

ولأن الكيان الوطني لا يكون كيانا بمعنى الكلمة إلا إذا ارتكز على إرادة شعب حيّ .. على تصميمه وعزمه وقدرته وعلى طلائع نضالية تمثل هذا الشعب وتتحدث باسمه، فإن ما حدث قبل الخامس يونيو 1967 (الأسبوع الأسود) كان مخالفا للطبيعة وللمنطق والمعقول.

ولقد سكتنا طويلا .. ورغبنا عن الحديث ..

لأننا كنا نربأ عن نشر ملابسنا المتسخة على واجهات الشرفات الصحفية تحت تأثير السخافة التي صدقناها .. ” الخشية من أن يرى العدو ثغراتنا “..وأقول “سخافة” .. لأن أحداث ( الأسبوع الأسود ) أثبتت أن عدونا كان يعرف عنا، دائما، أكثر مما كنا نعرف، غالبا، عن أنفسنا، وهذا هو سر انتصاره.

ولأننا ، في نفس الوقت ، لم نسمح لأنفسنا بالقيام بدور المعلم أو المرشد أو الناصح الأمين.

اكتفينا بالتلميح تارة .. وبالامتعاض مرة أخرى وصبرنا .. حتى مل الصبر منا ..

وعدتُ لنفس الموضوع وعلى نفس المنبر في نوفمبر من نفس العام، بما يؤكد أن كل مناضل جزائري كان يتابع الأمور عن كثب، وقلت:

كنت قلت أن القضية فلسطينية أولا .. بمعنى أن أبناء فلسطين هم الذين يجب أن يقوموا بالدور الرئيسي، ومعهم، وضمن إطارهم وتحت لوائهم، فدائيون من أبناء الأمة العربية.

بعد أن يضمن الصهاينة توريط المطبعين في فخ التطبيع، من خلال صناعة عداوة بينهم وبين مجتمعاتهم، يبدأ الحديث عن السلام يختفي شيئا فشيئا حتى يتلاشى تماماً، ولا تستمع منهم إلا أحاديث مليئة بالكراهية للفلسطينيين والعرب والمسلمين، والآخر بشكل عام، وسيل من الافتراءات وادعاء المظلومية والنواح، كوسيلة لترهيب كل من يحاول كشف ممارساتهم غير الأخلاقية وغير القانونية.

ويكون الهدف هو تحطيم إسرائيل كدولة .. هدف نؤمن به ونعلنه ولا نخجل منه .. ونقدم في الوقت نفسه للعالم أجمع نوايانا تجاه اليهود ( ولا أقول .. الصهاينة )

يجب أن تتحول حياة الصهيوني في إسرائيل إلى جحيم يقلب ميزان الهجرة، فيوقف في مراحله التالية الهجرة من إسرائيل ( وأرجو أن يلاحظ استعمالي لتعبير .. الصهيوني ) ويكون شعار هذه الفترة .. لا بقاء لدولة عنصرية تؤمن بالتوسع والغزو، ويكون البديل الذي نقدمه للعالم ولأنفسنا.. إقامة دولة فلسطينية تجمع المسلمين والمسيحيين واليهود داخل إطار المحبة والإخاء وتشكل لهذا العالم أرضا مقدسة وواحة سلام ومرفأ أمان.

ويحضرني هنا أمر طريف حدث عندما نادى العقيد معمر القذافي في واحدة من خطبه باعتماد الدعوة لدولة واحدة تُسمى “إسراطين”، حيث نشرت مقالا ذكّرت فيه بما كنت كتبته.

ويبدو أن العقيد الراحل، كما فهمت، أحس بأن مناضلا جزائريا ضئيلا يحاول أن يتسلق على كتف شعاره، فكلف سفيره عبد المولى الغضبان بأن يعرف مني أين ومتى نشرت تلك الفكرة، وهو ما حدث بالفعل.

الكفاح العربي الفلسطيني طوال العشرين سنة الماضية كان، في معظمه، حالة حمل كاذب أنتجت عند الوضع.. غازات ومياها متعفنة بدلا من الوليد الذي زُرع فينا وهمُ وجوده.

ومن هنا اختلطت المرارة بالدهشة وقسوة المفاجأة بعناصر السخرية.

وأعود للسياق فأقول إنني واصلت الحديث قائلا، منذ أكثر من نصف قرن:

لقد كان من أسباب خسارتنا أن العالم كله كان مع إسرائيل.. بيده أو بلسانه أو بقلبه أو بها معا، فليس في مصلحة أي من القوى العالمية أن تتكون على أرض الشرق الأوسط قوة عربية متكاملة، وليس من مصلحة هذه القوى، ولكل هدفه الخاص، أن يستتب السلام وتخسر مصانع الأسلحة عشرات المليارات.

ومن مصلحتنا اليوم أن نعطي لشعوب العالم أجمع (للشعوب) “أغنية عاطفية” من نوع .. “فلسطين أرض السلام؟ حيث لا سلام ولا حروب ولا خصام، حيث تتعانق الأديان.. ويجد كل خائف ومشرد أرض الأمان”.

وكان السبب هو عدم وجود “كيان فلسطيني” مستقل وفعال وغير خاضع إلا لمتطلبات النضال الفلسطيني واحتياجات معركة العودة، كيان لا يكون مجرد ورقة رابحة للمضاربات السياسية أو لاستجداء تصفيق الجماهير.

وهو ما لا يمكن أن يتحقق، تقول الأغنية، إلا بإزالة الكيان الذي يزرع التعصب ويؤمن بالتوسع، ويشكل بوجوده بؤرة إثارة مستمرة للحقد والكره.. أي بإنهاء وجود دولة إسرائيل. (انتهى الاقتباس)

لقد كان من أسباب خسارتنا أن العالم كله كان مع إسرائيل.. بيده أو بلسانه أو بقلبه أو بها معا، فليس في مصلحة أي من القوى العالمية أن تتكون على أرض الشرق الأوسط قوة عربية متكاملة، وليس من مصلحة هذه القوى، ولكل هدفه الخاص، أن يستتب السلام وتخسر مصانع الأسلحة عشرات المليارات.

وهنا أعود إلى قضية الدولتين، التي تناولها الديبلوماسي المتميز الدكتور عبد الله الأشعل، لأقول بأن هذا المطلب الهلامي يجب أن يصبح (CADUC) باستعمال الكلمة التي اكتُشِفت على طريق التراجع عن مبدأ “من النهر إلى البحر”.

وهكذا يجب ابتداء من اليوم، في نظري، أن نرفع شعار “دولة واحدة لا دولتين”، ويمكن أن يضيف البعض.. وليعُد الأشكيناز من حيث جاءوا.. بل وقد يقول.. والسابرا والسفارديم جزء منا…

ولا أظن أن المزايدة هنا أمر مذموم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!