الرأي

خُرافة.. اسمها مرشح الشباب

محمد سليم قلالة
  • 2034
  • 8

إعادة الاعتبار لكل جيل لا تتم إلا من خلال إعادة الاعتبار للقيم التي ينبغي أن تكون عوامل مشتركة بين الأجيال. عندما تنهار هذه القيم القادرة على ربط اللُّحمة بين الجميع، يبدأ كل ينتصر لجيله أو لنفسه أو فئته. شباب ينتصر لنفسه وينادي الرئاسة لي واللعنة على غيري، وشيوخ ينتصرون لأنفسهم ولا يريدون التنازل عن مواقعهم، ولا يترددون في القول: وهل من مانع أن نكون نحن مرشحي الشباب!!

طرح أمامي أحد الشباب بالأمس هذا الموضوع، وذكّرني بأن الشعار الذي يرفعه الشباب اليوم: نحن أولى بالسلطة وبالقيادة لأننا شباب، هو صورة أخرى لذلك الشعار الذي رفعه جيل الثورة قبلهم: “نحن أحق بالسلطة لأننا حررنا البلاد”، بغض النظر عن حقيقة كل واحد منهم، بل هو صورة أخرى لذلك الشعار الذي رفعه أنصار الإسلام هو الحل، بأنهم الأولى بقيادة الدولة لأن الجزائر مسلمة وينبغي ألا تُقاد إلا بمن يرفع هذا الشعار. أي أن هذا الخطاب في كل الحالات هو خطاب فئوي غير مؤسس على قاعدة صحيحة ومن ثم لا يمكنه الصمود. وأستنتج من ذلك أن خطاب بعض المرشحين اليوم الذين يرفعون شعار “مرشح الشباب”، لن يحقق الغاية التي يريد، لأنه إذا أراد وعاء انتخابيا فالشباب عازفون عن التصويت، وإذا أراد السياسة فذلك لن يحقق له المبتغى.

شدَّ اهتمامي هذا التشخيص، وأحسست بأنه يلامس حقيقة الواقع الذي نعيش، وأردت أن انطلق منه ليس لتعميقه أو تفنيده إنما لأساهم مع هذا الشاب ومعكم جميعا في بلورة حل لهذه المشكلة، لعلّنا نتقدم خطوة في صياغة رؤية لأجل الجزائر. وخطوة اليوم حاسمة لأنها تتعلق بدور جيل المستقبل في العملية السياسية، وكيف ينبغي أن يكون، وما هي الإستراتيجية التي ينبغي أن يتّبعها ليكون بحق جيل الدولة الجزائرية المستقبلية القوية، وليس جيل الدولة الجزائرية الضعيفة أو المفكّكة أو منهكة القوى.

قلت لمحدّثي: إننا لا يمكن أن نتجاوز معضلة صراع الأجيال هذه إلا من خلال مخرج واحد: وهو مخرج القيم التي ينبغي أن تحكم إطار الحركة السياسية في المجتمع الجزائري. وأول قيمة ينبغي أن نعيد لها الاعتبار لتساهم في هذا الحل المستقبلي هي الكفاءة.

أما ثاني قيمة فهي الأخلاق.

لو اتفق الجزائريون مرة أخرى على تحكيم الكفاءة والأخلاق فيما اختلفوا فيه لحلّت كل إشكالية صراع الأجيال، ولأصبح الحديث عن مرشح الشباب أو مرشح الشيوخ أو مرشح الثوريين أو مرشح الإسلاميين من قبيل الخرافة.

لن يكون هناك حديث عن تحقيق تفضيل بين الناس على أساس السن، أو البيولوجيا أو التاريخ أو الدين أو العرق أو الانتماء الجهوي، إنما سيكون التفضيل على أساس من يستطيع أن يفعل ماذا وكيف، وبأكثر كفاءة في إطار القيم الأخلاقية للمجتمع. وينتهي الأمر.

المفاضلة بين المرشحين للرئاسيات أو المرشحين لإدارة الوزارات، أو المرشحين لإدارة الهيئات العمومية من أبسطها إلى أعلاها، بل وحتى مرشحي إدارة الفريق الوطني لكرة القدم، الذي هو رمز الشباب ينبغي أن تكون على هذا الأساس ولا أساس غيره. ينبغي أن نرفض مرشحا شابا أو شيخا أو كهلا إذا ما كان عديم الكفاءة والأخلاق، وينبغي أن نؤيّد أيّا منهما على هذا الأساس ولا أساس غيره.

الرئيس المقبل ينبغي ألا يكون مرشح الشباب أو الكهول أو الشيوخ، إنما مرشح الكفاءة بما ترمز إليه من علم ومقدرة عقلية وبدنية، ومرشح الأخلاق بما ترمز إليه من عودة إلى قيمنا الدينية وتراثنا التاريخي، الذي يحدد بوضوح معالم حركتنا السياسية والاجتماعية بل وحركتنا في الواقع ككل. هذا كل ما في الأمر وتبدأ المعضلة في الحل.

تصوروا معي أن رئيسا مثل هذا سيفوز بغض النظر عمن يكون، وتصوروا معي أنه سيقوم بتطبيق معيار القيمتين على كل مسؤول في الدولة بتزكية تامة، وبدعم كلي من الشعب الذي انتخبه. ألن يصلح شأن الأمة في القريب العاجل؟ بكل تأكيد سيحدث ذلك لأن الآلاف سيسقطهم غربال الكفاءة والأخلاق، لن يصمد سوى القليل من الناس شبابا وكهولا على السواء. وعندها يبدأ الإصلاح الحقيقي: لن تُسأل عن سنّك أو لونك أو منطقتك أو مدى ولائك لفلان أو فلان إنما عن كفاءتك وأخلاقك. وعندما تمتلك العنصرين معا لن تتمكن من جعل قيم ثانوية أخرى تطغى عليك، لن تقبل بإسناد الأمر لعشيرتك أو الأقربين منك أو أبناء جيلك سواء أكنت من هذا الجيل أو ذلك، إنما ستسنده لمن توفر فيه المقياسان اللذان على أساسهما انطلقت.

وهكذا نخرج من خطاب صراع الأجيال الذي يُفرغ كل جيل من محتواه، ويدفعه عن وعي أو عن غير وعي باتجاه تغليب رابطة على أخرى، سواء أكانت بيولوجية تاريخية أو دينية أو جهوية أو غيرها، وننتقل إلى خطاب يدفع بالناس وبوعي تام نحو البحث في عمق الروابط التي ينبغي أن تسود بين أفراد المجتمع في عنصري الكفاءة التي هي أول نتاج للعلم، والأخلاق التي هي أعمق نتاج للدين.

وهكذا يتبين لنا أن الطريق الذي ينبغي أن نسلكه واضحا إلا إذا عميت الأبصار، وافتقدنا الرؤية الحقيقية الاستشرافية لأجل بلادنا.

إن بلادنا تتوفر على مخزون هائل من ذوي الكفاءات والأخلاق موزعة على كافة الأجيال، وما علينا إلا أن نُمكِّن لهذا المخزون من أن يعمّ خيره على الجميع، لسنا في حاجة أن يحكمنا مخزون منتهي الصلاحية، عديم الكفاءة من الكهول أو الشيوخ، كما أننا لسنا في حاجة إلى أن يحكمنا مخزون منتهي الصلاحية عديم الكفاءة والأخلاق من الشباب. نحن في حاجة إلى قيم تحكمنا قبل الأسماء والأشخاص والانتماءات لهذا الجيل أو ذاك، قيم نضعها قبل حكمة الفلاسفة وشجاعة الجنود، لسنا في حاجة لمرشح شباب أو مرشح كهول وشيوخ، كفانا رفعا لمثل هذه الشعارات، ومجتمعنا ينبغي ألا يبقى مُقسّما هذا التقسيم المبني على الفروقات التي تصنعها البيولوجيا، لأنه علينا اليوم قبل الغد، أن نواجه الحقيقة التي فشلنا في مواجهتها منذ عقود من الزمن، حقيقة مرة تقول أننا للأسف في غالب الأحيان يحكمنا شيوخا يزيدهم الشيب عيبا، يساعدهم شباب يزيدهم الطمع كسلا، شباب قبلوا أن يكون هؤلاء الشيوخ أسيادهم لأنهم طمعوا ذات يوم أن يصبحوا مثلهم، من غير كفاءة ولا عمل ولا أخلاق، في مثل البحبوحة التي هم فيها يعيشون، وهللوا لفلان أو فلان: أنت مرشحنا، أنت مرشح الشباب، بل أنت الشباب ونحن الشيوخ.

هؤلاء هم الذين ينبغي للمرشح القادم أن يبعدهم عن طريقه إذا كان ذا رأي وبصيرة، وامتلك رؤية لجزائر الغد يسيرها العلم لا الجهل، وتحكمها عفّة الأخلاق لا شهوات البطون والفُروج.

مقالات ذات صلة