-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

دخلاء يعبثون بالمهنة!

دخلاء يعبثون بالمهنة!

من أغرب الأمور التي تحدُث في الجزائر، أن كلّ المهن والحِرف تتطلّب حدا أدنى من التّكوين والتّخصّص لمن يريد أن يشقّ طريقه فيها، إلا مهنة الصحافة والإعلام التي فُتحت خلال السنوات الأخيرة على الدخلاء فعبثوا بها وأوصلوها إلى وضع لا تُحسد عليه، ولعل ثورة الطنين “The buzz” هي التي أتت على آخر ما تبقى من مصداقية الصحافة والإعلام، إذ لم يعد الأمر يتعلق بصحة الأخبار ونوعية المحتوى الإعلامي المقدَّم للجمهور بقدر ما هو عدد المشاهدات، ومدى الرواج المحقق في مواقع التواصل الاجتماعي.

قبل أيام انتشر إعلانٌ على مواقع التواصل الاجتماعي لشخص يسمي نفسه “كنيطا” يعرض “تكوينا سريعا” في التّنشيط والتقديم التلفزيوني، يتعلم فيها المشاركون أساسيات وفنيات التقديم التلفزيوني وتقديم الحصص والبرامج التلفزيونية وتقديم “نشارات” الأخبار حسب ما جاء في الإعلان، وقبلها إعلان آخر يعرض فيه صاحبه “دورة سريعة” ليصبح المستفيد منها صحفيا “شاملا” يجيد تحرير كل الأنواع الصحفية في ظرف قصير ومقابل 5000 دينار جزائري فقط.

وفي الواقع، فإن هذا التّحايل منتشرٌ بكثرة في الجزائر وأحيانا يتورّط فيه صحفيون لديهم بعض التجربة، لكنهم يوهمون الشّباب بأنّ الحضور في ندوة من يوم أو يومين يمكن أن يصنع منهم صحفيين، والأكثر من ذلك يعرضون عليهم تربُّصا تطبيقيا في إحدى القنوات التلفزيونية وهو ليس تربُّصا وإنما الهدف هو حضورهم الشكلي في ديكور الحصص الاجتماعية!

وكل ذلك تحايلٌ ينبغي أن تتحرّك الجهاتُ الوصيّة لوقفه، لأن الإيقاع بطلبة الجامعات وبعض الشّباب الحالمين بدخول عالم الصحافة والإعلام سهل، خاصة أن الظاهرة انتشرت محليا في كل الولايات تقريبا؛ إذ يكفي تصميم إعلان ونشره في مواقع التواصل الاجتماعي ليتم الإيقاع بالعشرات.

ظاهرة أخرى لا تقلُّ خطورة هي قيام بعض الجامعات عبر الوطن باستضافة الدّخلاء على الصّحافة، ليعرضوا تجاربهم على طلبة الجامعات رغم عدم وجود علاقة تربطهم بالصّحافة سوى الظهور في حصص تلفزيونية تعتمد الابتذال، وتصوّروا نوعية الطالب الذي سيتأثر بهذه النماذج التي صنعها الطنين.

لقد وصل الأمر بإحدى الجامعات إلى استضافة “صانع محتوى” وهي تسمية غريبة تُطلق على كل من يحقق الانتشار في مواقع التواصل الاجتماعي، ولو بالمحتوى الفارغ، وليس غريبا أن يتم استضافة هؤلاء ليكونوا هم نماذج وأمثلة يدرسها الباحثون ويحللون هذه الظاهرة الجديدة، أمّا أن يتم استضافته ليعلّم الطلبة كيفية صنع المحتوى في مواقع التواصل الاجتماعي فهي فعلا كارثة حقيقية. وقد تراجعت الجامعة وألغت هذا النشاط الغريب على أمل أن تأخذ باقي الجامعات العبرة وتتوقف عن استضافة دخلاء الصّحافة وتقديمهم للطلبة باعتبارهم نماذج ناجحة لها تجربة تستحق الاهتمام والتكريم أحيانا.

لا بد من إعادة الاعتبار لمهنة الصحافة من خلال ضبط المهنة وتنظيمها وإرساء قواعد واضحة لكيفيات الانضمام إليها، ولدينا في بعض الدول أمثلة حية؛ ففي مصر مثلا لا تُمنح صفة الصّحفي إلا لمن مارس المهنة سنوات عديدة باعتباره متربِّصا وبعد خضوعه لدورات تكوينية على مستوى عال، يقدم ملفه إلى نقابة الصحفيين التي تعود لها صلاحية منح الاعتماد لمن تتوفر فيه الشروط ليكون صحفيًّا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!