الرأي

دفع مستحقات الحماية لبيت المال الأمريكي

أرشيف

نسى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قواعد الأمن القومي وأبعاده التي رسمها الاستراتيجيون الأمريكيون منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وتجاوزها، منقلبا على شرائعها.

لا مبادئ في السياسة، لاسيما سياسة البيت الأبيض، القائمة على جملة قواعد، تكشف عن مساوئ نظام رأسمالي، يستبدل آلياته وفقا للمتغيرات، وضمانا لتحقيق مصالحه الكبرى، دون مراعاة تجنب الأخطاء التي لا تُغتفر بحق الشعوب.

لكن قواعد الأمن القومي الأمريكي، العابر للقارات، لم تشهد تغييرات جذرية منذ إرسائها، فهي قائمة على انتشار القوة وإحياء مناطق النفوذ ببسط القواعد العسكرية في أراضي دولٍ مستقلة، باعتبارها قوة عظمى، لا يستقيم حضورها إلا بدعم وحماية حلفائها.

يبدو أن مستشاري ترامب ينتمون إلى جيل جديد، برز في عصر اتصالي، تضحى فيه العلاقات الدولية، وقد فقدت توازناتها في ظل قواعد افتراضية، يتحكم بها من يملك وسائلها.

فما كان للرئيس ترامب أن يطرح وينادي بمبدإ الحصول على المقابل المادي من حلفائه، باعتباره الحامي لهم من عدو حقيقي أو وهمي، لولا تنظيرات رأسمالية خاطئة، تتناقض حتى مع قواعد القوة العظمى وضمان بقائها.

انتشار القواعد الأمريكية في دول أوروبا وآسيا وإفريقيا، ليس دفاعا عن أمنها، أو ضمانا لبقاء أنظمتها، أو دعما لتنميتها؛ فالعديد من الأنظمة سقطت أمام أنظار القوات الأمريكية التي لا تبعد معسكراتها سوى أمتار من القصور الرئاسية، ودول تهاوت دون أن يحرِّك البيت الأبيض ساكنا دفاعا عن استقرارها.

الولايات المتحدة الأمريكية لم تدافع إلا عن بقائها قوة عظمى، عبر قواعدها التي تشغل الأرض والبحار، دون ثمنٍ تدفعه، ولو فقدت هذه القواعد عظمتها، وانحسرت في قارة تحيط بها البحار والمحيطات، التي تطلق عواصفها المدمرة في مختلف المواسم.

تريد واشنطن – ترامب من حلفائها، والدول الحاضنة لقواعدها رغما عنها، أن تدفع ثمنا لاستمرار بقائها قوة عظمى تتحاشى الصين الاصطدام بها، وتعرقل بروز روسيا كقوة مناوئة.

ورفع شعار “ادفع مقابل الحماية” الذي لا يكفُّ ترامب عن ترديده في كل مناسبة، لا يقتصر على دول نامية لا حول لها ولا قوة، هو دعوة تعني دولا عظمى أيضا مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا وأوروبا مجتمعة، ومست حتى الدول الأعضاء في حلف الناتو.

ورفع ذلك الشعار بلسان ترامب في أعلى منبر الأمم المتحدة، جاء بمثابة إخطار أخير لدول العالم التي يلتقي زعماؤُها الآن في نيويورك، وما عليهم إلا إعداد العدة لدفع مستحقات الحماية حسب فاتورة يحررها البيت الأبيض.

مقالات ذات صلة