الرأي

دقلة نور والسردين!

ح.م

يعرف كل سكان الكرة الأرضية بأن الصحراء الجزائرية هي الأكبر شساعة والأغنى في العالم، وهي وحدها من يمكنها أن تنتج دقلة نور بنفس الجودة واللذة، ويعرف كل سكان العالم بأن الشاطئ العرضي من جنوب البحر الأبيض المتوسط هو الأطول في الكرة الأرضية بأكثر من ألف كيلومتر، وصرنا نشك بأن الجزائري وحده من لا يعلم، وإلا كيف يعجز عن توفير التمر بسعر معقول مثل حال الموز على الأقل وهو المسافر من جنوب القارة الأمريكية، والسمك أيضا بسعر يوازي، على الأقل، سعر السمك في بلاد المجر التي لا تمتلك منفذا على البحر وتحيط بها اليابسة من كل مكان؟!

صار الجزائريُّ المغبون، وهو أيضا من تسبب في هذا الغبن، عندما يحمل قفته ويتوجَّه إلى السوق يمنع نفسه عن شراء مادتين غذائيتين هما التمر والسمك، لأن كيلوغرامات منها تعني تبخير مرتبه الشهري، ونكاد نحمد الله على أن الجزائر لا تُنتج الكافيار ولا تزرع الكيوي وإلا لبلغ سعرُهما الملايين وربما لبيع بالدولار الأمريكي أو النقود الذهبية.

لا يمكن أن نفتخر بدقلة نور ذات المذاق المميز والجزائريون لا يأكلونها، فهم يسمعون عنها ويعرفون موطنها وكأنها مثل عروس البحر التي لا أحد يراها، ولا يمكن أن نفتخر بهذا الشاطئ الممتد على مساحة تزيد عن الألف كيلومتر ونحن لا نكاد نتمتع بطبق سردين، ولن نتحدث عن الجمبري ورفاقه من الأسماء التي لا نسينا أسماءها أو ربما لم نعرفها أبدا، لأنها لا تدخل أسواقنا، وإذا دخلت فلأجل مشاهدتها بالعين المجردة، بحاسة النظر دون حاستي اللمس والذوق.

هناك أمورٌ تحدث في الجزائر، من المفروض أن تجرّنا إلى أقرب مرآة لأجل أن نسأل أنفسنا ونجيب بصراحة، عن سبب عجزنا، فعندما نعلم بأن فرنسا هي المُصدّر الرئيسي رقم واحد في العالم للتمور، فعلينا أن نسأل ونجيب بسرعة عن تمكنها من هذا الترتيب وعن موقفنا تجاه الأمر، لأن فرنسا لا تمتلك نخلة واحدة على أرضها ومع ذلك يشبع شعبُها تمرا ويُصدِّره إلى الخارج وأحيانا يشتريه السياح في باريس ومن بينهم الجزائريون، وعندما نعلم بأن بلدا أوروبيا مثل المجر المغلق الأطراف باليابسة والذي لا يطلُّ على أي شاطئ، يكتفي ذاتيا من الأسماك التي يربِّيها في الأنهار والأحواض والسدود ويصدِّر الفائض، فعلينا أن نكسر المرآة من الحسرة، ونعيد ترتيب أنفسنا، لأن التمزق والشتات والتبعثر بلغت مداها.

هناك بلدانٌ حرمها الله من نعمة النفط فثارت نحو بدائل جديدة، وهناك أمصار لا تصلح لزراعة القمح فانتقلت إلى غذاء بديل، بينما في الجزائر ينعم علينا الله بأكبر صحراء في العالم لنبتة النخيل ولا نتمكن من أكل دقلة نور كما نأكل الموز أو البندق القادم من آخر الدنيا، وينعم علينا بشاطئ عملاق في حجم امتداد قارة ولا نتمتع بطبق من السردين مثل كل الشعوب.

مقالات ذات صلة