-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

“دولة مائلة، وسعادة زائلة”

“دولة مائلة، وسعادة زائلة”

هذا الحكم “دولة مائلة، وسعادة زائلة” عن إحدى دول عصره، هو لأحد أدباء الجزائر في القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي)، ورغم شهرة هذا الأديب في عصره فهو يكاد يكون مجهولا عند كثير ممن “يتمكتبون ويتمشعرون”، بتعبير هذا الأديب المعروف – المجهول.

أنه الأديب الإمام ركن الدين محمد بن محمد ابن محرز الوهراني، الذي لا نعرف مكان ميلاده، ولا تاريخه، ولا نعرف أنه منسوب إلى مدينة وهران التي هي عاصمة الجانب الغربي من وطننا الغالي الذي أرخصه كبراؤنا، الواسع الذي ضيّقه أراذلنا، الغني الذي أفقره سفهاؤنا، العزيز الذي أذله سماسرتنا.. كما نعرف البلدان التي ساح فيها، وعاش فيها زمانا، والمكان الذي توفاه الله – عز وجل – فيه، وتاريخ هذه الوفاة وهو سنة 575 هـ.

بعد ما نال ما قدر له من علوم اللغة والشريعة في بلده بدأ الضرب في ارض الله، فزار المغرب الأقصى، القريب من منطقته، ولا نعرف كم لبث فيه، ثم شرّق إلى تونس، فصقيلية، فمصر، فالحجاز، فالعراق، فالشام، وهناك عمل إماما في مسجد بلدة تسمى “داريا”، واستقر حتى أتاه اليقين.. وقد عاصر ابن محرز كلا من السلطانين نور الدين زنكي، وصلاح الدين الأيوبي اللذين سجّلا صفحات من المجد للأمة الإسلامية في مواجهة أعدائها من الصليبيين وغيرهم.

وصف بأنه أديب ظريف، يميل إلى الهزل والسخرية، ولم ينج منه لسانا وقلما “كبار علماء دمشق، وفقهاؤها، وأطباؤها، وكتابها”، كما لم يسلم من لسانه وقلمه علماء مصر ورجالها، حتى قيل فيه “ما سلم من شر لسانه أحد ممن عاصره” كما ذكر الصفدي في كتابه “الوافي بالوفيات”. (أنظر: الوهراني ورقعته عن مساجد دمشق. تحقيق: صلاح الدين المنجد. ص 8-9)، وهذا ما جعل من مسّهم بلسانه أو قلمه يقولون على لسان أحدهم المسمى ابن النقاش: “اللهم ألعن الوهراني من الجهات السّت”. (المرجع نفسه، ص 7). و”كان لا يتورع عن السخرية بنفسه”. (المرجع نفسه. ص6).

من آثار الوهراني التي وصلت إلينا كتاب اسمه “منامات الوهراني ومقاماته ورسائله”، وقد حققه الأستاذان ابراهيم شعلان، ومحمد نغش، ونشر في مصر 1968، ونشرته دار الكتاب العربي للطباعة والنشر، وفي سنة 2007 أعادت تصويره وزارتنا للثقافة دون الإشارة إلى طبعة مصر..

كما حقق صلاح الدين المنجد رسالة لابن محرز سماها “الوهراني ورقعته عن مساجد دمشق”، ونشرها المجمع العلمي العربي بدمشق في سنة 1965، وهذه الرسالة مقتطعة من مخطوط لابن محرز الوهراني اسمه “جليس كل ظريف”، ويوجد هذا المخطوط في مكتبة برنستون في الولايات المتحدة الأمريكية. ومما قاله عن أدبه صلاح المنجد أنه “ابتدع فن المنامات الأدبية” (ص6) وأنه “يكاد يكون نسيج وحده في أدبنا العربي”. (ص9).

إذا كان هذا هو حكم ابن محرز على هذه الدولة التي عاصرها، فإنني أراه أكثر انطباقا على دولنا العربية الإسلامية التي تأمر بالمعروف ولا تأتيه، وتنهى عن المنكر وتطبقه، فلا عدل لا في سياستها، ولا في توزيع ثروات بلدانها.. ولا ينتج عن ذلك – وإن طال الزمان – إلا ثورات هذه الشعوب، وتزول حتى “سعادة” هؤلاء الحكام إما بالقتل، أو بالسجن، أو بالهروب. حفظ الله بلداننا من شر هذه الدول المائلة، وأدام علينا السعادة الحقيقية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!