-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ديمقراطية‭ ‬المرزوقي‭!‬

قادة بن عمار
  • 6773
  • 12
ديمقراطية‭ ‬المرزوقي‭!‬

في تونس، يقولون بأن الرئيس الأول ما بعد الثورة محمد منصف المرزوقي مُقبل على تقديم استقالته، بسبب صراع بينه وبين حكومة النهضة الإسلامية، ليس فقط لأن هذه الأخيرة سلمت آخر وزراء القذافي للسلطة الانتقالية الجديدة في ليبيا، ولكن لأن هنالك العديد من الخلافات ما بين‭ ‬المرزوقي‭ ‬الذي‭ ‬يؤمن‭ ‬بفكر‭ ‬يساري‭ ‬حقوقي‭ ‬ديمقراطي،‭ ‬والنهضة‭ ‬التي‭ ‬تعتقد‭ ‬بأن‭ ‬مجيء‭ ‬الطبيب‭ ‬والمعارض‭ ‬السابق‭ ‬لسدّة‭ ‬الحكم،‭ ‬كان‭ ‬بفضل‭ ‬نجاحها‭ ‬الكاسح‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬الأولى‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الدكتاتورية‭!‬

السيّء في كل هذا، هو عجلة البعض للحكم على الثورة التونسية بالفشل في إنتاج ديمقراطية تشاركية، انبثقت بصعوبة بعد ليل طويل من الاستبداد، وكأن الديمقراطية تعني في نظر هؤلاء التوافق التام والانسجام الكامل ما بين السلطات، وكذا غياب المعارضة من الداخل، رغم أن هذه‭ ‬المظاهر‭ ‬تشكّل‭ ‬في‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر،‭ ‬مقدّمة‭ ‬لتكرار‭ ‬الاستبداد‭ ‬وليس‭ ‬القضاء‭ ‬عليه‭!‬

آخرون قالوا بمنطق غريب “رحم الله أيام بن علي”، فقد كان يجمع السلطات كلّها بيده، تماما مثلما يريد بعض أنصار النظام الاستبدادي الدموي في سوريا أن يوهموا الناس، متسائلين بخبث: أليست سنوات الاستقرار الأمني في ظل حكم الأسد الأب، ثم الإبن، أفضل بكثير من الديمقراطية‭ ‬التي‭ ‬أزهقت‭ ‬الأرواح‭ ‬وهدمت‭ ‬البيوت‭ ‬وأحرقت‭ ‬المدن‭ ‬وهجرّت‭ ‬العائلات‭!‬

رجاء،‭ ‬لا‭ ‬تدعوهم‭ ‬يخدعونكم،‭ ‬هؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬يقولون‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬البغيض‭ ‬وينقلون‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬التصور‭ ‬القاصر،‭ ‬وينشرون‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬هذا‭ ‬الفكر‭ ‬الملوث،‭ ‬فهم‭ ‬بغيضون،‭ ‬قصّر‭ ‬عن‭ ‬الفهم،‭ ‬وملوّثون‭ ‬بالعبودية‭!‬

منذ متى كان يسمح رئيس عربي بشتمه على الفايسبوك دون أن يتحرك؟ المرزوقي فعلها وترك عدة أشخاص يصفونه بالزقزوقي تهكما وسخرية وطعنا، لكنه لم يحرّك جيشه ولا شرطته ولا مخابراته من أجل سحل الناس وتمريغ كرامتهم في الوحل، وهتك عرض نسائهم، لأنهم فكروا بالسخرية من الرئيس‭ ‬في‭ ‬سرّهم،‭ ‬وليس‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬حتّى‭!‬

منذ متى كان يخرج مسؤول كبير ويعترض على قرارات الرؤساء العرب وهم جالسون على كراسيهم، بل حتى بعد أن يموتوا ويشبعوا موتا؟ المرزوقي فعلها براحة ضمير ورحابة صدر، حين شجّع مدير بنك في نظامه على الخروج أمام الصحافيين وقوله للرأي العام: لن أنفذ أوامر الرئيس التونسي‭ ‬لكونه‭ ‬لا‭ ‬يمتلك‭ ‬صلاحيات‭ ‬منعي‭ ‬وأمري‭!‬

البعض‭ ‬سيقول‭: ‬لكن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬السلوكات‭ ‬تمهد‭ ‬للفوضى،‭ ‬وكأن‭ ‬زمن‭ ‬الاستبداد‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬منتجا‭ ‬للفوضى‭ ‬بشحمها‭ ‬ولحمها،‭ ‬لكننا‭ ‬لم‭ ‬نكن‭ ‬نتجرأ‭ ‬على‭ ‬تسميتها‭ ‬وإدانة‭ ‬المتورطين‭ ‬فيها‭!‬

الرئيس التونسي بوسعه أن يقيل مدير البنك الذي تجرأ على مكانته، وهو ما فعله فعلا في الأيام القليلة الماضية، كما أنه يقدر على مقاضاة الناشط الفايسبوكي الذي أهانه، ولكنه سيقاضيه كمواطن عادي، وهو ما لم يفعله، حتى لا يقولوا بأن الرئيس يضغط على القضاء من أجل الحكم‭ ‬لصالحه‭!‬

القصة التي روّجها البعض قبل فترة، عن قيام عدد من التونسيين بتقبيل يد الرئيس الجديد، جعل البعض لها شنة ورنة، ونشروا الصور في كل المواقع للقول أن الثورة لم تنه زمن الاستعباد، ولكن هؤلاء لم يسألوا أنفسهم: هل أمر الرئيس هؤلاء بتقبيل يده، أم أنه الشعور بالمهانة التي تربّى عليها عدد كبير من العرب وليس التونسيون فقط، شعور جعل من الموهومين بطبائع الاستعباد أكبر حزب سياسي في البلاد العربية، حيث لا إحساس حقيقي بالحرية إلا بعد الموت، أما الآن، فقد بتنا متأكدين أنه يمكننا الشعور بذلك الإحساس الجميل، ونحن على قيد الحياة‭!‬

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
12
  • ahmedabdelbaki

    بوركت على هذا المقال . لعلنا أن نتعلم الدرس ...أما المعلق رقم 2 فيبدو أنه ضحية يدعو للإشفاق ..إننا ضحايا ديمقراطية واجهة وعملية تزييف الوعي الممنهج ....من سلم البغدادي يدري ماذا يفعل ...السفاح كبير أعوان الهالك لعله أن يلقى جزاءه وبئس الجزاء ..لعلمكم ليس هناك من يدافع عن القذافي في جميع أنحاء العالم العربي إلا أنتم حشركم الله معه .

  • محمد المجاجي

    عصابة النهضة لا علاقة لها بالديمقراطية ، لا يصلحون إلا للاتجار بالمبادئ والبشر، وإلا لما تجرؤوا وفي القرن الواحد والعشرين على بيع عزيز قوم ذل لعملاء الناتو في ليبيا بمائة مليون دولار باعتراف وزير ماليتهم. هؤلاء وحوش كاسرة بلا ضمير و لا دين وإن ادعوا التدين. أذكرك أيها الشاب بأن عباسي مدني زعيم الفيس قال للرئيس الشاذلي "مسمار جحا" على اليتيمة الرسمية ، وليس على الأنترنات الذي يقولون فيه الكثير عن الرئيس بوتفليقة. ما من دولة يسيطر عليها الإخوان المسلمون إلا ودمروها ولنا عبرة في السودان...

  • salm

    السلام عليكم احييك ايها الصحفي على هكذا اراء ومواضيع وبخصوص تسليم المجرم المحمودي فعار على تونس

  • azize alilou

    السلام عليكم وبعد أيها الصحفي الشاب الجزائري شكرا لأنك صدعت بالحق رغم مرارته حتى انني إختلفت معك اخر مرة في تحليلك لكلام طالب الإيراهيمي لكني أعترف لك اليوم يعمق الرؤية والتي لم تتعمق فيها لكن الإيحاء بالمضمون يدل على انك جزائري حر بن حر ونقول للمحسن أحسنت حين يصيب وأسأت حين يخطأ ومن هنا تبدأ ثقافة الحوار والنقاش الراقي اللذي يخدم العقل الجمعي للأمة دون خلفيات شكرا أخي

  • عبد الرحيم

    الازمة التي نعيشها ليست ازمة استبداد فقط و انما الازمة الاشد منها هي ازمة الهوية حينما نعرف هويتنا و نعمل لها ونجتمع عليها فعند ذلك نقول وداعا للاستبداد اما ان نسقط مستبدا مع عدم تغير حال الشعب فاننا لا نسقط الاستبداد في الدول العلمانية التي نتغنى بديموقراطيتها و ان اختلفوا فلهم الخطوط العريضة التي لا يختلفون حولها مثلا اسرائيل صديق و المقاومة الفلسطينية ارهاب و المسيحية محترمة...لكن عندما نختلف حول المسلمات...فليذهب الديكتاتور ليبدا الصراع المذهبي و التطاحن باسم الديمقراطية و لتسقط المثل العليا

  • الناصر بن شهرة

    بارك الله في كتاباتك ياسي قاده كلها صابة...لكن عندما تكتب عن هموم هذا الوطن يكون ذالك في نظرى اصوب و اجمل واعمق تاثيرا ...لانك تاباتك عن ماساة الجزائر بمثابة شهادة حق عند سلاطين جائرة...فهي بذالك اشد وقعا و اعظم اجرا...

  • اكلي

    في الصميم. اصبت و الله يا سي بن عمار.
    شكرا لك و وفق الله اخانا الرئيس المرزوقي الى ما فيه خير اخواننا التونسيين و سعادتهم.

  • البشير بوكثير

    الديمقراطية في تونس تراوح مكانها لأنه من المستحيل المزج بين الماء والزيت.

  • algerien

    بارك الله فيك اخي على هذا المقال الرائع و على حيادك و ميولك للحق
    و الله العضيم ان تجلب الرحمة لوالديك

  • سلام الجزائري

    بارك الله فيك .. هؤلاء الذين الفوا الاستبداد .. فيهم اعراض مرض استكهولم .. وهو الذي يسقط في حب جلاديه .. اصحاب القابلية للاستعمار .. و هم الذين وصفهم الله باتباع الكبراء من القوم لكن الله جازى الفريقين بالخزي و النار المستكبرين الطواغيت واتباعهم المستضعفين الاذلاء لان نفوسهم واحدة

  • بدون اسم

    تسليم البغدادي للوحوش مقابل صفقات مادية مع العلم انه لم يحضى بمحاكمة عادلة تبقى سمة عار في تاريخكم يالتوانسى. خسارة عليكم.

  • وليد الغر

    افضل ما قراته منك ايها الشاب