ديمقراطية المرزوقي!
في تونس، يقولون بأن الرئيس الأول ما بعد الثورة محمد منصف المرزوقي مُقبل على تقديم استقالته، بسبب صراع بينه وبين حكومة النهضة الإسلامية، ليس فقط لأن هذه الأخيرة سلمت آخر وزراء القذافي للسلطة الانتقالية الجديدة في ليبيا، ولكن لأن هنالك العديد من الخلافات ما بين المرزوقي الذي يؤمن بفكر يساري حقوقي ديمقراطي، والنهضة التي تعتقد بأن مجيء الطبيب والمعارض السابق لسدّة الحكم، كان بفضل نجاحها الكاسح في الانتخابات الأولى ما بعد الدكتاتورية!
السيّء في كل هذا، هو عجلة البعض للحكم على الثورة التونسية بالفشل في إنتاج ديمقراطية تشاركية، انبثقت بصعوبة بعد ليل طويل من الاستبداد، وكأن الديمقراطية تعني في نظر هؤلاء التوافق التام والانسجام الكامل ما بين السلطات، وكذا غياب المعارضة من الداخل، رغم أن هذه المظاهر تشكّل في حقيقة الأمر، مقدّمة لتكرار الاستبداد وليس القضاء عليه!
آخرون قالوا بمنطق غريب “رحم الله أيام بن علي”، فقد كان يجمع السلطات كلّها بيده، تماما مثلما يريد بعض أنصار النظام الاستبدادي الدموي في سوريا أن يوهموا الناس، متسائلين بخبث: أليست سنوات الاستقرار الأمني في ظل حكم الأسد الأب، ثم الإبن، أفضل بكثير من الديمقراطية التي أزهقت الأرواح وهدمت البيوت وأحرقت المدن وهجرّت العائلات!
رجاء، لا تدعوهم يخدعونكم، هؤلاء الذين يقولون مثل هذا الكلام البغيض وينقلون مثل هذا التصور القاصر، وينشرون بين الناس هذا الفكر الملوث، فهم بغيضون، قصّر عن الفهم، وملوّثون بالعبودية!
منذ متى كان يسمح رئيس عربي بشتمه على الفايسبوك دون أن يتحرك؟ المرزوقي فعلها وترك عدة أشخاص يصفونه بالزقزوقي تهكما وسخرية وطعنا، لكنه لم يحرّك جيشه ولا شرطته ولا مخابراته من أجل سحل الناس وتمريغ كرامتهم في الوحل، وهتك عرض نسائهم، لأنهم فكروا بالسخرية من الرئيس في سرّهم، وليس في الواقع حتّى!
منذ متى كان يخرج مسؤول كبير ويعترض على قرارات الرؤساء العرب وهم جالسون على كراسيهم، بل حتى بعد أن يموتوا ويشبعوا موتا؟ المرزوقي فعلها براحة ضمير ورحابة صدر، حين شجّع مدير بنك في نظامه على الخروج أمام الصحافيين وقوله للرأي العام: لن أنفذ أوامر الرئيس التونسي لكونه لا يمتلك صلاحيات منعي وأمري!
البعض سيقول: لكن مثل هذه السلوكات تمهد للفوضى، وكأن زمن الاستبداد لم يكن منتجا للفوضى بشحمها ولحمها، لكننا لم نكن نتجرأ على تسميتها وإدانة المتورطين فيها!
الرئيس التونسي بوسعه أن يقيل مدير البنك الذي تجرأ على مكانته، وهو ما فعله فعلا في الأيام القليلة الماضية، كما أنه يقدر على مقاضاة الناشط الفايسبوكي الذي أهانه، ولكنه سيقاضيه كمواطن عادي، وهو ما لم يفعله، حتى لا يقولوا بأن الرئيس يضغط على القضاء من أجل الحكم لصالحه!
القصة التي روّجها البعض قبل فترة، عن قيام عدد من التونسيين بتقبيل يد الرئيس الجديد، جعل البعض لها شنة ورنة، ونشروا الصور في كل المواقع للقول أن الثورة لم تنه زمن الاستعباد، ولكن هؤلاء لم يسألوا أنفسهم: هل أمر الرئيس هؤلاء بتقبيل يده، أم أنه الشعور بالمهانة التي تربّى عليها عدد كبير من العرب وليس التونسيون فقط، شعور جعل من الموهومين بطبائع الاستعباد أكبر حزب سياسي في البلاد العربية، حيث لا إحساس حقيقي بالحرية إلا بعد الموت، أما الآن، فقد بتنا متأكدين أنه يمكننا الشعور بذلك الإحساس الجميل، ونحن على قيد الحياة!