الرأي

“دين البداوة” الذي أفسد المتعة على دعاة المدنية

حبيب راشدين
  • 3505
  • 22
أرشيف
أمين الزاوي

أكاد أتفق ـ من باب الجدل ـ مع الزميل بوعقبة وهو يرافع لصالح أمين الزاوي الذي زعم أن ممارسة الجزائريين لدين البداوة يميل به إلى تفضيل العيش في جزائر كافرة، وقد استعان الزميل سعد بوعقبة بمواقف قال إنها مماثلة صدرت عن المصلح جمال الدين الأفغاني الذي يكون قد “وجد في بلاد الكفار إسلاما ولم يجد المسلمين، فعاد إلى بلاد العرب فوجد المسلمين ولم يجد الإسلام” مع اختلاف الظرف والمعنى المقصود في كلام الأفغاني، الذي إنما أدان سلوك المسلمين ولم يلبس على الإسلام، فيما اتخذ أمين الزاوي من سلوك البداوة عند بعض المسلمين مطية ليكيل التهم للإسلام كـ “مصدر للبداوة” التي تشفع له تفضيل طلب الكفر لبلده على إسلام يأسرها في دائرة البداوة والقذارة.
إلى هنا ينتهي التوافق مع بوعقبة، لأن ما صدر عن أمين الزاوي لم يكن بدافع الغيرة على نظافة العاصمة من مخلفات طقوس عيد الأضحى بل هي فرصة لـ “رمي الرضيع مع ماء الاستحمام” كما يقول مثل من لغة فولتير التي بات أمين الزاوي يوظفها للتحامل مع نظرائه العلمانيين على ما يصفونه بـ “دين البداوة” كما أفتى لهم عزمي بشارة من قبل، وهو يكيل الاتهام للإسلام كمصدر مولد للفكر الداعشي، وقد أضاف إليه الزميل بوعقبة توصيفا آخر لـ “مسلمي الكوليرا الدينية.”
ولأن الاسلام بات مستضعفا تلوكه ألسن الجناة من أبنائه قبل الحاقدين عليه من خصومه، والمسلم مدان حتى بعد أن تثبت براءته، فقد كثرت السكاكين حول الثور الجريح، ولا يبدوا أنها تعلمت من دروس التاريخ، وقد تعتقد أنها تبتكر العجلة، وهي في الواقع تقتات على فتات حملات الصليبية والاستشراق التي سبقتهم إلى ابتكار معظم الصور النمطية السلبية حول الاسلام والمسلمين، ولن يرقى أمين الزاوي وعزمي بشارة، ولا حمالة حطب الحملة المسعورة على متون الحديث في المشرق والمغرب، وقد بات يتبعهم الغاوون من أدعياء الإسلام السياسي، وهم يزايدون على الخالق حيال واجب إنصاف الأنثى واسترضاء الخنثى في الميراث والعمل والقوامة.
ثم ما بالنا نلتفت إلى هذا الفكر العلماني المعتوه، إذا كان أصحاب العمائم وحملة شعار “الاسلام هو الحل” قد تقاسموا الأدوار، بين سلفية تحرض المسلمين على “تنزيه ولاة الأمر” حتى لو رأيناهم يزنون ويقارعون الخمر على المباشر، كما وعضنا شيخ التيار المدخلي عبد العزيز الريس من جهة أن “إصلاح المنكر لا يكون بمكنر آخر” وأن عقيدة أهل السنة ـ كما يزعم ـ تمنعنا من إنكار الحفلات الغنائية “فلا نقول إن الله سيعاقب من أتى بها لأن الحاكم هو من أتى بها” أو نعيب على كاتب علماني مثل الزاوي، مجاهرا بعدائه للإسلام قبل التحامل على المسلمين، إذا كان شيخ الإخوان من الدوحة لم يعد يرى وجود داع شرعي يوجب الحج لمن استطاع إليه سبيلا، وشيخ الإخوان في تونس لا يرى بأسا في إصدار قانون يستدرك على الله أحكام الميراث.
ولا غرابة إن شهدنا في بحر سنين قليلة قادمة قيام مجمع مسكوني بين شيوخ الإلحاد العلماني والخلف الطالح لشيوخ السلاطين، ودعاة الاجتهاد في تحليل المحرم وتحريم المباح بداعي تحرير الإسلام من صبغة البداوة التي باتت تفسد على أمين الزاوي جمال ونظافة العاصمة، ولا تطاوع القرضاوي في بناء إمارة الإسلام ولو على الحجارة وجماجم المسلمين، وقد تمنع الغنوشي من بناء أول دولة إسلامية “تحرر المرأة من ظلم الشريعة”.

مقالات ذات صلة