-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ربطة الشمال ورباط الجنوب

عمار يزلي
  • 2339
  • 0
ربطة الشمال ورباط الجنوب

التذكر مؤخرا ـ بعد خراب بيت الجنوب ـ بأنه عندنا جنوب تجنبناه لمدة 60 سنة، وجبنا منه جبايات الجزائر كلها وريع الريح والنفط والغاز..قبل “الصخر” (ما بقي في الجنوب إلا حجارو)، تذكر متأخر، وقد يكون أكثر تأخرا لو استمررنا في تأخير التأخر وقدمنا المتقدم وهربنا إلى الأمام عن طريق تلويح بتقسيم ولائي لا ينفع بقدر ما يضر بمنفعة الناس، إن هو هو أصبح مجرد ذر للرماد في الأعين وإسكات لأهل الجنوب كما فعل مع أشياعهم من أهل الشمال، بإسكاتهم بمهدئات المورفين الاجتماعي من سكنات عدل وإحسان في المرتبات!

الجنوب الجزائري، كان ولا يزال تاريخيا ومنذ الأمد الطويل “الأهقار” التي تبنى عليه أحجار حضارة الشمال، التي “تتسلى” به حفن قليلة لا تعرف حتى كيف “تسطلى”! على أحجارة الحارقة القادمة من الطاسيلي أهقار والطاسيلي ناجر، وتديكلت وقورارة وواحات بشار في الغرب والشرق، والتي كانت دوما تمثل حجر الزاوية في استقرار الشمال وسكانه وحضارته! حتى ماسينسا، الذي عمل لصالح الرومان (مع ذلك نمدح ماسينسا ونذم سيفاقس الذي دافع عن نوميديا وعن الاستقلال وحارب الرومان واتحد مع قرطاجة، لولا غدر وشماتة ماسينسا الذي فضل أن يكون خادما للغرب وروما المحتلة، على أن يلعب دور المحرر والمتحالف مع قرطاجة الوريث الشرعي للتزاوج الطوعي بين الفينقيين والأمازيغ. معادلة تاريخية لا نرى معها اليوم سوى هذا الامتداد الذي وضعنا في التعاون مع الغرب اليوم تحت مختلف الذرائع وأساسه “محاربة الإرهاب”، في خانة الدفاع عن مصالح الغرب ضد مصالحنا. حتى ماسينسا كان قد أذعن لطلب الرومان، بل لأوامرهم له بوجوب ربط هؤلاء السكان بالأرض (سكان الجنوب وخاصة الفيصل الصنهاجي الذي اختار تجارة الجنوب البعيد مع السودان على حساب الاستقرار في الشمال مع بني قرابتهم الصنهاجيين، الذين هم “الطوارق”). عمل لم ينتظر ماسينسا طويلا قبل الشروع في تطبيقه، لكن كل هذا كان لصالح الرومان، وليس لصالح الجزائر! فربط هؤلاء الطوارق بالأرض ودفعهم للاستقرار، إنما كان بهدف التخلص من شغبهم الدائم والمزمن وللأعمال العدائية التي كانوا يقومون بها (المقاومة المسلحة ضد العدو المستعمر التوسعي)، ضد جنوب الرومان وقوافلهم التجارية والعسكرية.

مع ذلك، بقي سكان الجنوب وإلى اليوم يتعاطون مع التجارة مع بلاد السودان ـ التجارة شمال جنوب ـ لأنه لا مجال لهم غير هذا المجال. التجارة لا تصبح تهريبا إلا إذا دخلت قطاع الممنوعات من سلاح ومخدرات، لكن أن تمنع عن أهل الحدود في الجنوب ممارسة “التجارة” المشروعة، فهو عمل عدائي كما يبدو لهم (وهذا سر ما بدأت بعض الجماعات المسلحة في الجنوب تدعو له والمتمثلة في إطلاق سراح “المهربين”) ففي نظر هؤلاء، أنهم ليسوا مهربين ولا حتى مخلين بالأمن ولا دخل لهم لا في السياسة ولا في الأمن! منذ التاريخ القديم، يقول ابن خلدون أن أهل الجنوب معروفون بالتجارة وقطع الطرق إن أرغموا على ذلك. فقد يتحولون إلى قطاع طرق إن هم شعروا بأن أمنهم الغذائي والحاتي معرض للخطر، ومستعدون للقيام بمغامرات يائسة أحيانا من أجل افتكاك ما يرونها حقوقا مغتصبة!

تصورا أنه أمام كل هذا، تضاف إلى أذهانهم  فكرة أن أهل الشمال لا يحتلونهم وفقط، بل ويسلبونهم أرزاقهم أيضا:  النفط الذي يشفط من تحت أقدامهم والغاز الذي يرشف من باطن الأرض التي تؤويهم، يضاف إليه مشروع استنزاف حتى الغاز الساكن في صخورهم! تصوروا كل هذا؟ وهو يعيشون بعيدا عن كل مقومات الشعب الذي استقل عن المستعمر الفرنسي منذ 60 سنة!

كيف لا يمكن فهم مطالبهم، بل كيف يمكن فهم السكوت عن تنمية الجنوب وإلحاقه بركب “حضارة” الشمال على بؤسها! أين القطارات السريعة التي تربط الجنوب الشمال؟ الجنوبي في تمنغست أو في أدرار عندما يسافر إلى الشمال يقول لأخيه يودعه “راني ماشي للانجيري!”، إنه يعد الشمال “لانجيري”، لأنه يرى نفسه أنه أقرب إلى النيجر منه إلى لانجيري!.أين المطارات والطائرات التي لا تتوقف عن الهدير، أين المؤسسات؟ أين الشركات لتشغيل الأيدي العالمة. أين الفلاحة أين تربية ألغنام أين الماء أين الغز والنفط والبنزين والمواد الغذائية والجرائد اليومية والخبر والتهوية والتبريد والتكييف؟ ثم في الأخير، أين تمثيل سكان الجنوب في حكومة الشمال؟

نمت هذه المرة كالعادة، على وقع الأحذية الخشنة التي تتربص لبلادنا من الجنوب بعد أن تعب الأعداء من هجمات الشمال، لأجد نفسي أنا هو بوحمارة الزرهوني الذي تحالف معه الشيخ بوعمامة،  لفترة قصيرة بعد هروبه إلى المغرب بعد اشتداد وطأة الحرب ضد، قبل أن يتفطن إلى أن بوحمارة هذا، إنما كان صنيع الاستعمار من أجل ضرب استقرار المنطقة وخاصة البلد الجار، المغرب الأقصى من أجل الانتقال من الحماية إلى الاحتلال. الأسلحة التي حصل عليها بوحمارة الذي ادعى الشرف (من الحمير؟) ونقلت إليه من ميناء “بورسي”، ستعمل من أجل العمل على تحويل الملك إلى دمية في أيدي المقيم العام بعد أن يصبح دمية في يد زوجاته المفضلة الشركسية!

وجدت نفسي بوحمارة مع الحمير، وقد بدأت في حشد قوة لضرب استقرار البلاد شمالا وجنوبا من أجل إنهاء هذا البلد المتهالك منذ فترة. فالرجل المريض عليه أن يرحل ويترك التركة لمن بعده منا! قلت لجيوشي الباسلة التي تسلحت من مختلف الجهات الداعمة للإرهاب العالمي في المنطقة، قلت لهم: لابد أن يكون الشمال في أيدي أهل الجنوب! ألم تروا ما فعل جنوب اليمن من الزيديين الحوثيين؟ أهم خير منا أم اليمن خير من اليسار؟ لابد من أخذ العاصمة ونواحيها، ليصبح الجنوب في الشمال والشمال في الجنوب.


لم أكن أعرف أني لا أمثل إلا حفنة من المغامرين الأشاوس، اعتقدت أن كل أهل الجنوب معي على الخط في هذه المغامرة اليائسة.

بعد أسبوعين، كنا نعد الرحال لأخذ الشمال على دوي الزحف الشعبي “المصخر” لهذا الغرض تحت تأثير “الحق الذي أريد به باطل”: “الصخر نتعنا وحنا مواليه”!

في أول مفترق طرق، كنا نرفع أيدينا ونسلم كل ما عندنا من سلاح ويقتادونا إلى وادي الناموس وعين مقل ورقان..وتيقنا أن الشمال في الجنوب قبل أن يصل الجنوب إلى الشمال

وأفيق وأنا أقرا كتابا عن بوحمارة الزرهوني.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!