-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

رجال واقفون !

جمال لعلامي
  • 963
  • 2
رجال واقفون !
ح.م

الجزائريون الذين عاشوا وعايشوا سنوات “المأساة الوطنية” خلال التسعينيات، يعرفون جيّدا فئة أو فئات من المجتمع كرّمها الله والوطن والتاريخ بنيشان “رجال واقفون”، حيث تصدّوا للإرهاب الأعمى، وظلوا مرابطين بالجبال والشعاب والوديان والمناطق المهجورة، في الليل والنهار، بينما كان عامة الناس في بيوتهم، وإن كانوا هم كذلك يواجهون الخطر بصدور عارية!

اليوم، التاريخ يُعيد نفسه، لكن في ظروف أخرى، وأسباب مغايرة: أطباء، ممرضون، طواقم طبية، صيادلة، جنود وضباط، رجال شرطة ودرك ومختلف أجهزة الأمن الداخلي والخارجي، صحافيون، مسؤولون في قطاعات حساسة، عناصر الحماية المدنية، تجار، مصنّعون، متطوّعون، وغيرهم، جميعهم من “الرجال الواقفون”!

ليس الأمر هنا مرتبطا بالجمع المذكر السالم، والرجولة، اليوم مثل الأمس، وحتى غدا، تعني كذلك نساء واقفات، لا تخشى الموت، تساعد أخاها الرجل في مجابهة الأزمات والمحن، وبالتالي فإن تاء التأنيث يصبح محلها من الإعراب في الظروف الاستثنائية والطارئة بالفحولة المرفوعة وعلامة رفعها الضمة الظاهرة على آخرها وهي غير قابلة للتصريف!

مثلما رفعت جزائريات فحلات، سلاح الكلاشينكوف والسيمينوف، في وجه الإرهابيين، خلال التسعينيات، ومنهنّ من استشهدن، ومنهن من نجون وما بدلن تبديلا، فإن المرأة الجزائرية اليوم ترفع سلاح الطب والتمريض، في المستشفيات وقاعات العلاج.. ترفع سلاح التطوّع في الشوارع.. ترفع سلاح تأمين البلد واستقرارها في الجيش والشرطة والدرك.. وترفع سلاح حراسة أبنائها ورعاية شؤون المجتمع انطلاقا من البيوت!

تحية تقدير واحترام إلى كلّ هؤلاء، الذين يُخاطرون بأنفسهم من أجل غيرهم، حتى تستمرّ الحياة، ويُنجي الله جزائر الشهداء من هذا الوباء والبلاء ويُخرجها سالمة معافاة من الابتلاء.. إن هؤلاء هم بواسل الأمة وفخرها، يستحقون كل الثناء والمساعدة، فهم الأيادي الآمنة، والشموع التي “تحرق نفسها”ّ لإضاءة غيرها، فعلى الجميع، الآن وبعد أن يرفع رب العالمين عنا الغمّة، بإذنه، أن يشكروهم، وطبعا من لا يشكر الناس لا يشكر الله!

لقد أثبتت هذه الأزمة المرّة، أن للجزائر ذخرا نافعا، وأبناء لا ينكرون ولا يجحدون.. متضامنون متعاونون ومضحّون في العسر والضيق، فذاك الشبل من ذاك الأسد، ولا داعي هنا للعودة إلى الوراء وإلى التاريخ، القديم والحديث، للتفتيش عن البطولات الخالدة التي كتبها الأوّلون بأحرف من ذهب ودماء، من أجل أن تحيا الجزائر وتستمرّ بقدرة القاهر القهّار!

“رجال واقفون”، إلى الأبد، إن شاء الله، فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا، وكلّ ذلك، سيخلده التاريخ، وعلى الأجيال أن لا تنسى وتتناسى، حتى لا تتكرّر المآسي والعياذ بالله، وحتى يحفظ الجميع الدرس، ويتكلوا على خالق الكون في أيّ خطوة تكون مباركة وطوق نجاة!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • ابن الجبل

    "...تحيا الجزائر وتستمر بقدرة القاهر القهار !" والله حقا، الجزائر تعيش بقدرة قادر .. قالها أكثر من واحد !. بحيث أننا لا نعمل ولا نكد ولا ننتج ، أي أننا شعب مستهلك وفقط ... والأزمة الحالية ، مازالت في بدايتها ،أظهرت مدى عجزنا عن مواجهة الكوارث والويلات . فمتى نبقى نعلق مصيرنا بالله وأيدينا مكتوفة ؟!.

  • عميروش

    إنّكم بهذا المقال تعترفون بأنّ توفيق على حق في التسعينيات لأنّه هو الآمر والناهي في كل صغيرة وكبيرة في تلك الآونة.. وبذلك تكون السّلطة الحالية قد ظلمت هذا الشخص.. لأنّه هو الذي أسّس "المجلس الانتقالي" وهو الذي أنشأ جماعة "الباتريوت" و"الحرس البلدي" وهو الذي وزّع الأدوار في مكافحة الإرهاب..