الرأي

رجلُ القَدر

“رجلُ القدر”، ذلك هو العنوانُ الذي اختاره الأستاذ عبد العزيز بوباكير لكتابه عن عبد العزيز بوتفليقة، وحصيلتِه التي تجني الجزائرُ الآن حصادَها المرّ، الذي قد يُنتج –لا قدّر الله- الأشدَّ مرارة، لأنّ أحد أهل الذّكر في السياسية “حدّد” الفترة اللازمة للتخلّص من الآثار السيّئة لبوتفليقة ورهطه بـ”خمسين سنة”، لأن بوتفليقة كان من أوّل أمره –كما يقول عارفوه- من المؤمنين بمقولة الشاعر: “إذا متُّ ضمآناً فلا نزل القَطَر”، ولأنّه لم يحفظ من الضمائر إلا ضمير “أنا”، ونحن نعلم من هو أوّلُ من استعمل هذا الضمير.

لستُ أدري إن كان الأستاذ بوباكير قد تأمّل هذا العنوان الغامض، وتدبّر فيما يتركه في عقول قارئيه قبل قراءته؟

كان يمكن للأستاذ بوباكير أن يختار عنوانا مباشرا لا يحتمل تأويلا، فيُريح القارئ، ولكنه -فيما بدا لي- أراد وضعَ علامة استفهام كبيرة حول عشريتين عاشهما بوتفليقة هو “بطل” مسرحية جرت حوادثُها في الجزائر؛ بل كان بوتفليقة هو كلّ شيء فيهما، فهو مؤلّفُ المسرحية، وهو مُخرجُها، وبطلها، ومهندسُ ديكورها، وواضعُ موسيقاها، ومنتخِبُ ممثليها وممثلاتها.

قد يكون الأستاذ بوباكير أراد بذلك “الغموض” فتحَ بابٍ للتخلّص من بطش “رجل القدَر” ورهطه لو قُدِّر أن تجري الريحُ بما لا تشتهي سفينتُه، أو يعترضها “قراصنة” رجلِ القدر، ويؤوِّلون كلامه بأنه إلى الثلب والقدْح أقربُ منه إلى المدح، فيصيبه ما أصاب قبله محمد بن تشيكو، الذي قضى في السجن بضع سنين، لأنه حام حول “حِمى” رجل القدر، الذي ضاقت عن جهاده الجزائرُ الواسعة فنقل “جهادَه” إلى مالي، حيث لا وجود لأيّ فرنسيٍّ بينها وبين الجزائر، وكان الأولى له أن يجاهد في فرنسا لـ”زُرقة” عينيه، ونصاعة لونه فلا يحتاج إلى  “camouflage”.

علّمنا أساتذتُنا وعلماؤُنا أنّ الإيمان بالقدَر هو أحدُ أركان الإيمان، التي لا يصحّ إيمانُ امرئ –ذكراً أو أنثى- إلا بهذه القواعد كلّها، وهي سِتٌّ كاملةٌ، وعلّمونا أنّ لهذا القدَر وجهين؛ فقد يكون خيرا، وقد يكون شرا، عياذاً بالله، فإن كان خيرا فهو من فضل الله -عزّ وجلّ- على من فعله، وإن كان شرا فهو من جناه المرءُ على نفسه، واكتسبته يداه، وأمر به قرينُ الفاعل، لأنّ الله –عزّ وجلّ- لا يأمر بالفحشاء والمنكر، ولا يرضاه للناس، لأنّ ذلك يناقض عدله.

إنني من المؤمنين بأنّ القدَر الذي جسّده بوتفليقة كان شرا على الجزائر شعبا، وثروة، وتاريخا، وقِيَما، واجتماعا… لقد منّى بوتفليقة نفسَه بأن يرث “يرث” بومدين، وأن يكون بمثابة “هارون”مع “موسى” عليهما السلام، وأوهَم سي “المالي” أنّ تلك وصيّةُ بومدين، خاصّة بعدما سمعه الجزائريون يتلو ذلك الخطابَ التأبينيَّ “التمثيلي”. لم يُرد “الرّفاق” أن يحققوا لمهندس رحلة “موسكو- باريس- الجزائر”ما تمنّى، وعهِدوا بالأمر إلى شخصٍ ظنّوه “نيّة”؛ فلمّا استوى على “العرش” صار “حيّة” تلقّفت مكرَهم وخططهم.

يئس الجميعُ من العودة إلى المسرح إلا “سي المالي”، فلمّا “تعفّن” الوضع، انتبه “الخلّاطون” إليه، وكان هناك في الخليج فأتوا به في تبادل منافع.. وبرغم إفشال “الفرسان” لـ”العرس” فقد تمسّك “سي المالي” بإتمام “المسرحية” مشترِطا نِسبة “النجاح”، وبدأ العبثُ بالجزائر شعبا، وثروةً، وتاريخا، وقِيَما، حتى قرّر الشعبُ الجبّار أن يُنهي المهزلة، وبدأت روائح عهد بوتفليقة الكريهة تنتشر.

مقالات ذات صلة