-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

رحلة إبراهيم ريتشموند من المسيحية إلى الإسلام

محمد بوالروايح
  • 1768
  • 0
رحلة إبراهيم ريتشموند من المسيحية إلى الإسلام

إبراهيم ريتشموند كان قبل إسلامه قسا مسيحيا جنوب إفريقي جاب إفريقيا والعالم مكرزا بالإنجيل الذي كان يراه طوق النجاة للتخلص من أدران الحياة وأدخول الملكوت وقد بذل وأتباعه جهودا مضنية في التبشير بالمسيحية وكان له تأثير سحري على سامعيه الذين ازداد عددهم وكثر سوادهم وأصبحوا علامة فارقة بين شركائهم في العمل الكنسي.
ظل إبراهيم ريتشموند على هذه الحال حتى رأى رؤيا، غيرت حياته ونقلته من المسيحية إلى رحاب الإسلام، وملخص رؤياه كما يرويها هو بنفسه أنه سمع صوتا في المنام يناديه: “أخبر رجالك أن يرتدوا الثوب الأبيض” وتكررت معه هذه الرؤيا فباح بأسرارها إلى مقرّبيه فعقدوا مجلسا انتهى باعتناقهم الإسلام.
لقد تحولت رؤيا “الثوب الأبيض “التي رآها إبراهيم ريتشموند إلى حقيقة ورأينا الرجل محرما لابسا البياض مسفر الوجه طلق المحيا، يتنقل بين عرصات جبل عرفة، صورة رائعة لرجل شرح الله صدره للإسلام بعد عقدين أو أكثر من التيهان والتشبّث بوهم كبير اسمه “المسيح المخلّص” وبمعتقدات يحسبها الظمآن ماء حتى إذا جاءها لم يجدها شيئا.
إن الإسلام نور رباني يقذفه الله سبحانه وتعالى في قلوب من شاء من عباده ممن يجدون من أنفسهم إقبالا على الحق وقبولا لداعي الفطرة كما قال الله سبحانه وتعالى: “فمن يُرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يُرد أن يُضِلّه يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعّد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون” (الأنعام 125). لقد ضل وزل كثير من الظاهرية الجدد في تأويل هذه الآية إذ ظنوا أن مسألة الإيمان والكفر أمر قدري محض بيد الله الذي يجعل من يشاء مؤمنا ويجعل من يشاء كافرا، وهذا التأويل بعيد كل البعد عن المعنى الحقيقي للآية التي تتحدث عن الإيمان والكفر في ظل ما يسميه علماء النفس “ثنائية التقدير الرباني والاستعداد النفسي”؛ فالنفس التي لها قابلية للإيمان تجدها نفسا مقبلة على الله فإذا صادفت ما يقرّ بداخلها اعتنقته وتمسكت به واهتدت إليه، وعلى العكس من ذلك فإن النفس التي لها قابلية للكفر تجدها نفسا متعصِّبة لباطلها لا تبرحه وليس لها استعدادٌ لقبول الحق ولو كان أبلج.
لقد قرأت سيرة إبراهيم ريتشموند قبل إسلامه فوقفت على سر هذه النهاية التي يدركها كل من أصغى قلبه لأي نداء يدله على الحق، وهذا ما حدث لريتشموند إذ لم تكن الرؤيا التي رآها إلا تثبيتا إلهيا لقلب أذعن للحق واستجاب لداعي الفطرة، فمن أقبل الله أقبل الله عليه.
إن قصة ريتشموند ورحلته من التثليث إلى التوحيد تذكّرنا بقصة قسيسين مسيحيين شغلهم البحث عن الحقيقة فبذلوا لها كل الأسباب حتى اهتدوا إليها، وتحضرني في هذا المقام قصة القس المستشار محمد مجدي مرجان صاحب كتاب “الله واحد أم ثالوث؟” وكتاب “المسيح إنسانٌ أم إله؟”. لقد شغلت محمد مجدي مرجان أسئلةٌ كثيرة عن الإله الواحد الفرد الصمد الذي يعبده المسلمون والإله الثالوث الذي يعبده المسيحيون، فتملكته حيرة كبيرة فطفق يستقصي الحقيقة كما يروي ذلك بنفسه في مقدمة كتابه: “الله واحد أم ثالوث؟” يقول: “لقد تابعت طويلا كلمات النقول وناقشت كثيرا ذوي العقول، بل لقد أتاحت لي ظروف نشأتي في عائلة تؤمن بإله ثالوثي وتقيم له الابتهالات وتشيد له المعابد ثم إلحاقي تلميذا في مدرسة الثالوث، شماسا في إحدى الكاتدرائيات حيث يتم إعدادي وتوجيهي فأصبح داعيا لله الثالوث، منافحا لنشر طقوسه وتعاليمه… ولقد بذلت جهدا كبيرا في محاولة إقناع عقلي وفكري بظروف ولادتي ونشأتي التي تحتم الإيمان بالله الثالوث بحكم الوراثة والتقليد والانسياق والعادة. ولكنني فشلت في هذا فذهبت أبحث العقائد الأخرى في حياد وتجرد عن كل ظروف البيئة والمولد، تصورت أني ولدت اليوم ولم أعتنق بعد دينا ثم عُرضت عليّ كافة الأديان والعقائد لأبحث فيها عن الحقيقة التي يرتاح إليها عقلي وضميري والتي تسكن فيها روحي وجسدي”. وكانت الحقيقة التي اهتدى إليها محمد مجدي مرجان هي الإسلام، وهي الحقيقة نفسها التي اهتدى إليها ريتشموند وآخرون.
ومن المفيد في هذا المقام أن أعرّج على قضية مهمة لم يهتد إليها كثيرٌ من المسلمين، وهي أن الإعلام المسيحي حاول كعادته التقليل من شأن اعتناق القس ريتشموند الإسلام بأن الأمر لا يتعلق بقناعة عقلية بل بميل قلبي على إثر رؤيا رآها قد تحصل لمسيحيين فتنقلهم من المسيحية إلى الإسلام وقد تحصل لمسلمين فتنقلهم من الإسلام إلى المسيحية. ويؤسفني هنا مجاراة الإعلام العربي والإسلامي للإعلام المسيحي في التركيز على الحادثة وغضّ النظر عن الحدث، فالرؤيا التي رآها ريتشموند لا سبيل لإنكارها لأنها وردت على لسانه، ولكن هناك قبل هذه الرؤيا رحلة كبيرة قضاها ريتشموند في البحث عن الحقيقة التي اهتدى إليها في رحاب الإسلام.
لقد وصف بعض المسيحيين المتعصّبين اعتناق القس ريتشموند الإسلام بـ”اللاحدث” بل لم يكتفوا بذلك وأمعنوا في القول بأن إسلامه لا يضر المسيحية لأنه لا يمثل رقما مهما في المؤسسة الكنسية. إن موقف هؤلاء المسيحيين المتعصبين من إسلام إبراهيم ريتشموند يعيد إلى الأذهان موقف اليهود من إسلام عبد الله بن سلام كما تروي ذلك كتب الحديث: “سأل رسول الله صلى الله عليهسلمذل قوم عبد الله بن سلام: أي رجل ابن سلام فيكم؟ قالوا: حبرُنا وابنُ حبرِنا، وعالمُنا وابنُ عالمِنا قال: أرأيتم إن أسلم تسلمون؟ قالوا: أعاذه الله من ذلك. قال: فخرج عبد الله بن سلام فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله فقالوا: شرُّنا وابنُ شرِّنا، وجاهلُنا وابنُ جاهِلنا. فقال عبد الله بن سلام: ألم أخبرك يا رسول الله أنهم قومٌ بُهت”. (رواه أحمد وصحّحه الحاكم).

  إن إسلام القس ريتشموند يمثل مكسبا كبيرا للدعوة الإسلامية في جنوب إفريقيا التي تلقى عنتا كبيرا من المنصِّرين المسيحيين، فالكنيسة التي يديرها ريتشموند في جنوب إفريقيا تحظى بمكانة متميزة ولها أكثر من مائة ألف من الأتباع كلهم اعتنقوا الإسلام مع قائدهم الروحي ريتشموند في كنيستهم وهذا مكسبٌ كبير للدعوة الإسلامية في جنوب إفريقيا التي تعدّ حسب تقديرات الضالعين في الشأن الكنسي من أهم قلاع المسيحية في القارة السمراء.

من حفظ الله للإسلام أن قيّض له على مر العصور رجالا دخلوا في دين الله أفواجا فتعزّزت الجماعة الإسلامية بهم وقويت شوكتها، فقد ازدادت هيبة المسلمين بإسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وتعززت قواعدهم بإسلام أبي سفيان بن حرب وخالد بن الوليد، وبين الفينة والأخرى، تتعزز الساحة الدعوية الإسلامية بوافدين جدد قضوا شطرا كبيرا من حياتهم ينافحون عن الثالوث فتحولوا إلى منافحين عن التوحيد. إن إسلام القس ريتشموند يمثل مكسبا كبيرا للدعوة الإسلامية في جنوب إفريقيا التي تلقى عنتا كبيرا من المنصِّرين المسيحيين، فالكنيسة التي يديرها ريتشموند في جنوب إفريقيا تحظى بمكانة متميزة ولها أكثر من مائة ألف من الأتباع كلهم اعتنقوا الإسلام مع قائدهم الروحي ريتشموند في كنيستهم وهذا مكسبٌ كبير للدعوة الإسلامية في جنوب إفريقيا التي تعدّ حسب تقديرات الضالعين في الشأن الكنسي من أهم قلاع المسيحية في القارة السمراء.
إن دخول الناس في دين الله أفواجا له أكثر من دلالة، ومن دلالاته أن الإسلام الذي جاء به نبيُّنا محمد صلى الله عليه وسلم هو الدين الحق الذي لا تتعارض تعاليمه مع الحقائق الكونية والمبادئ العقلية ولذلك يجد طريقه إلى قلوب الحائرين الذين ضلت بهم السبل وإلى عقول الباحثين الذين أعياهم البحث عن الحقيقة. ومن دلالاته أيضا أن الله الذي ارتضى لنا الإسلام دينا لن يدعه نهبا للمتربصين بل سيقيِّض له في كل عصر وفي كل مصر من يرفع لواءه ويذود عن حياضه سواء من أهله أو ممن كانوا بالأمس من ألدِّ أعدائه وأظهرِ خصومه.
لقد أحس إبراهيم ريتشموند برهبة كبيرة تسري في كيانه وهو يعتلي جبل النور، وقد كانت ملامحه الملائكية تختزل سنوات من الحرمان النفسي من لذة التوحيد ومتعة الشعور بمعية الله سبحانه وتعالى بعيدا عن الأوهام التي نسجها أو نُسجت له حول إله مزعوم وعبادة باطلة ما أنزل الله بها من سلطان.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!