-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة

حفيظ دراجي
  • 9859
  • 14
رحلة  الألف  ميل  تبدأ  بخطوة

في كل مرة نُقبل فيها على مشروع جديد في أي مجال من مجالات الحياة، تتعالى الأصوات المتشائمة والرافضة للتغيير؛ تشكك في فوائد المشروع وتعمل على عرقلته والتقليل من شأنه، كما يتحالف أصحاب المصالح الذين يرون في كل تجديد تهديدًا للمكاسب والمواقع التي تحصلوا عليها على مر السنين، لأنهم لا يقدرون على التأقلم ولا يملكون الكفاءة لذلك ولا القدرة على مسايرة الواقع الجديد، ويخسرون الكثير من المزايا والفوائد التي تعودوا عليها ..

  •  الأمر نفسُه ينطبق على الاحتراف في كرة القدم الذي دخلناه بالكلمة وببطوننا -كما يقال بالعامية- تحت ضغط الفيفا والفاف والدولة، ولم نكن نملك الخيار في الدخول من عدمه، لأننا كنا سنتخلف عن الركب ونخرج تماما من دائرة الامتياز التي نسعى إليها ويطمح إليها الجيل الجديد  من  أبناء  الجزائر الذين  سئموا  الوضع  الذي  آلت  إليه  الكرة  الجزائرية .
     ورغم مرور بضعة أسابيع على دخولنا هذا العالم على الورق فقط، تعالت بعض الأصوات وتحالفت متشائمة ومتشفية؛ تربط هذا بذاك وتوهم الرأي العام بأننا بمجرد الإعلان عن دخول عالم الاحتراف يتحسن مستوى البطولة والمنتخب، وتنزل علينا أموال الدولة والمساهمين من السماء، ويرتفع مستوى التحكيم، ويزول العنف من ملاعبنا، وتتغير ذهنية المدرب واللاعب والرئيس والمناصر والإعلامي. وهناك أطراف أخرى تربط خطواتنا الأولى نحو الاحتراف بنتائج المنتخب وأدائه، والمستوى المتواضع للدوري الجزائري، والمشاكل التي تتخبط فيها الأندية، وتتهرب من مسؤولياتها  في  كل  ما  تعاني  منه  الكرة  الجزائرية  منذ  سنوات،  وتعطينا  الانطباع  بأن  ما  كنا  فيه  من هواية  وفوضى  أفضل  وأحسن  مما  نحن  مقبلون  عليه !
     إن فهمنا الخاطئ لمعنى الاحتراف ودخولنا بمسيرين ومدربين ولاعبين هواة في التفكير والتدبير والتسيير، واعتقادنا بأن النتائج تظهر بعد أسابيع، ينمّ عن جهل فادح بأبجديات نجاح أي مشروع مهما كان نوعه، ويعكس تفكيرنا التعيس وعدم قدرتنا على التجاوب والتأقلم مع متطلبات المرحلة الجديدة. والأدهى والأمرّ أننا نتعامل مع الاحتراف في الكرة من زاوية مادية بحتة، بعيدًا عن الأخلاق والمبادئ والكفاءة في التخطيط والتسيير والممارسة، فكل شيء يُحسب بالفوائد والربح والخسارة، والكل ينتظر العشرة ملايير سنتيم التي تساعد بها الدولة النوادي التي تستجيب لدفتر الشروط، والكل ينتظر مداخيل الإشهار وحقوق البث التلفزيوني.. ولكن لا أحد يفكر اليوم في الاستثمار. والغريب في الأمر، أن الكثير من المسيرين والمدربين واللاعبين لم يكلفوا أنفسهم عناء الاطلاع على دفتر الشروط لمعرفة الحقوق والواجبات والمتطلبات،  وحتى  معنى  الاحتراف  في  كرة القدم .
     للأسف لا نعرف أن الاحتراف ينهي عهد “الشكارة« التي كان يتداولها رؤساء النوادي فيما بينهم ومع اللاعبين، ويمنح الدولة سلطة مراقبة أموال النوادي باعتبارها شركات هي أيضا، ويقنن العلاقات بين اللاعبين والنوادي وبين النوادي فيما بينها ومع الرابطة المشرفة على دوري المحترفين .
     لا ندرك أن الاحتراف بدفتر شروطه يقصي عديد المدربين الذين لا يملكون شهادات التدريب ويفسح المجال لجيل جديد من التقنيين، وأن الاحتراف بشروطه يسد الطريق أمام رؤساء النوادي المغامرين الذين يتداولون الملايير من أموال بيع وشراء اللاعبين، ويمزجون حساباتهم الخاصة بحسابات النوادي التي يرأسونها، وأن الاحتراف يفرض هيكلة النوادي بكيفية مختلفة عن ما ألفناه، ويفرض التعامل بالعقود والوثائق والقوانين المنصوص عليها في دفتر الشروط، كما يحدد المسؤوليات ولا يشتتها، ويحدد الحقوق والواجبات لكل الفاعلين في اللعبة على كل المستويات .
     ما نقرأه ونسمعه من بعض الفنيين في تقييمهم لتجربة عمرها أسابيع، لم نسمعه منهم بشأن الأمور الفنية والتقنية وهوية اللعب الجزائرية على مستوى المنتخبات والنوادي، ولم نسمع منهم نقاشا حول توجهات الكرة الحديثة وطرق وخطط اللعب، ولم نسمعهم يتحدثون عن خصائص اللاعب الجزائري وقدراته النفسية والفنية على التأقلم مع أساليب اللعب الحالية. أما ما نسمعه من بعض المسيرين في تقييمهم لهذه التجربة الوليدة فهو الجهل بعينه، وهو الخوف من الشفافية ومن سلطة القوانين والكفاءات الفنية والطبية والقانونية والإدارية التي صارت تتشكل منها النوادي،  والخوف من  التغيير  ومن  تضييع  المكاسب  والمناصب  التي  استفاد  منها  الكثيرون .
     صحيح أننا تنقصنا النقاشات والحوارات وتبادل الأفكار ونكتفي بالكلام مع أنفسنا فقط، وكل واحد منا يعتقد بأنه على صواب، فلم تظهر على السطح أفكار وآراء يمكن الاستفادة منها.. ولكن هذا لا يمنعنا من أن نبدأ التأسيس لثقافة النقاش والحوار وتبادل الآراء بمساهمة الجميع،  لأن  بلدا  بحجم الجزائر  وبالكفاءات  التي  يتوفر  عليها،  لا  يمكن  أن  يخلو  من  الأفكار  ولا  من  الرجال  النزهاء  الأكفاء .
     ما يحدث في الجزائر من تردد وتخوف من الاحتراف أمر طبيعي، وهو نفس ما شهدته بدايات الاحتراف في أكبر البلدان الأوروبية التي سبقتنا، حيث كان الجدل أعمق والتردد أكثر ومقاومة التغيير أكبر وعلى مدى سنوات، قبل أن يستقر بها الحال على ما هي عليه اليوم. وعليه، سيكون مسار التغيير ومفعوله وتأثيره على سلوكياتنا مثل مسار ومفعول وتأثير الديمقراطية والحرية عندما نمارسهما في بداية عهدنا بهما. كما أنه من السابق لأوانه الحديث عن الإيجابيات والسلبيات في التطبيق لا من حيث المبدأ، لأننا لا نملك خيارا آخر غير الاحتراف إذا أردنا أن  نزرع  بذرة  تحصدها الأجيال  القادمة ..
     
    derradjih@gmail . com 
     
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
14
  • Youcef-setif

    vraiment je te tire le chapeau monsieu Hafidh.

  • سيدأحمد

    الله يهدينا لما فيه الخير، شكرا لك يا أخي دراجي.

  • وسام

    لا اضن ان الجزائر سوف تتطور الى ان تنتهي من الرشاوي

  • AMANI

    أوافقك إلى حد كبير فيما ذهبت إليه أخي حفيظ .انا فخورة بك كل الفخر أيها الصحافي الصنديد لأنك تسعى جاهدا في سبيل تحسين صورة و مستوى الرياضة الجزائرية و لطالما افتخرت واعتززت بك كرجل جزائري أبي يقف الند للند لكل من سولت له نفسه المساس بجزائرنا الأبية.دمت ذخرا لنا يا من كنت شوكة في حلق الجبابرة.شكرا لك.

  • عزيز

    السلام عليكم ورحمةالله و بركاته انا من ولاية الشلف اريد ان اقول ل امة الله انا اؤيدك في اقتراحك او نصيحتك للسيد حفيظ دراجي واتمنى ان يرى اقتراحك ويعمل فيه وشرا والسلام عليكم دمتم في رعاية الله وحفظه

  • نبيلة

    شكرا لك ياميستروا الصجافة الرياضية الجزائرية ولكل أقكارك الجريئة

  • امة

    اخي الكريم حفيظ بارك الله فيك

  • امينة

    أرجو من السيد حفيظ أن تكون أول حلقة من حصة بكل روح رياضية حول الاحتراف لاني شخصيا لم افهم حقيقة هذة الكلمة فارجوا منك التطرق لمتطلباتها _ابعادها وانعكاساتها ولكم جزيل الشكر

  • فارس

    بسم الله
    سلام اخي حفيظ انا المصالح الشخسية هي التي جعلات الرياضة في الجزئر ان لاتنهض با امكنيتها

  • محمد

    لكي ندخل عالم الاحتراف الحقيقي يجب ان نغير ذهنياتنا ويجب ان نطهر رياضتنا من بعض الدخلاء .المشكل في الفنيين والاداريين وليس فقط في الانصار .هناك اشخاص لا يؤمنون الا بالماديات والمصالح الشخصية ويوما بعد يوم بدات تظهر حقيقتهم .اننا بحاجة

    الى رجال في المكان المناسب رجال مهما حققوا من انجازات فسيبقى مستقبل الرياضة الجزائرية هدفهم ويبقى الاخلاص عنوانهم .

    اننا لازلنا في بداية الاحتراف وكل شيء يبدا من الصفر .يجب الا نكون متشائمين لان التشاؤم لا يخدمنا بل سيحطم ما بنيناه طيلة سنوات علينا ان نتفاؤل و في نفس الوقت علينا ان نتحدى الواقع وعلينا ان نرجع خطوتين الى الوراء اذا اردنا التقدم الى الامام .

  • soumia

    شكرا لك اخي حفيظ على كل المقالات التي كتبتها و شكرا

  • امين

    اوافقكم الراى

  • النرجس

    بسم الله الرحمان الرحيم
    نشكرك اخي علئ هدا الموضوع ونرجو من كل مسؤول في النوادى وخارجه ان يستوعب افكارك و يمشو حدوها قبل ان يفرض عليهم سواء بالقانون او المحيط
    وعموما بلوغ الهدف طريقه صعب بوجود الشريحة السلبية

  • امة الله

    شكرا لك اخى حقيظ على جميع مقالاتك لك منى نصيحة ارجو ان تاخدها بجدية واصل دراساتك العليا ونتمنى ان نراك دكتورا انشاء الله لان الشهرة تزول بسرعة لكن الشهادات العليا تشهد لك حتى بعد مماتك اتمنى ان يساندنى محبو حفيظ فى طلبى هدا بكل الوسئل المتاحة لكم انتظر ردكم ودعمكم عبر الجريدة وفايس بووووووك