-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
"الشروق" تنقل يومياتهم في الشهر الفضيل

رعاة الماشية.. صيام واحتساب رغم المشاق

ريبورتاج: الطيب بوداود
  • 294
  • 0
رعاة الماشية.. صيام واحتساب رغم المشاق

يقدم رعاة الأغنام، عبر مناطق المسيلة، خلال شهر رمضان، مشاهد وصورا تحكي رحلات يومية لهؤلاء البسطاء، رحلات محفوفة بالكثير من المتاعب والمعاناة، لكنهم صابرون محتسبون رغم المسافات التي يقطعونها، والتضاريس الوعرة التي تعترض بعضهم هنا وهناك. هذه الصور والمشاهد وقفت “الشروق” على بعضها، والتقت عددا منهم، في رحلاتهم التي يقطعون فيها الفيافي رفقة قطعانهم، بحثا عن الكلإ.

محطتنا الأولى، كانت المرتفعات الشمالية الغربية ببلدية حمام الضلعة، وبالضبط المحاذية للطريق المؤدي إلى مناطق بئر ماضي والقطف، ومنها إلى تارمونت أو بني يلمان وسيدي عيسى، وبالرغم من صعوبة المسلك قررنا التنقل من أجل مقابلة محمد، الذي كان يرعى قطيعا من الأغنام، ويساعده في المهمة كلبان شرسان.

يرفض تصوير قطيعه خوفا من العين!

بعد تردد، راح محمد يسرد لنا يومياته: “أستيقظ فجرا، أتناول السحور، أحضر نفسي، وأتفقد أغنامي قبل إخراجها من الحظيرة، وأباشر كل شيء من دون تأخير، كي أبكر بالماشية ربحا للوقت، كي أستطيع طي المسافة اللازمة، لبلوغ المراعي”، وهذه المراعي حسبه، تقع في المناطق شبه الغابية والمرتفعات القريبة منها، وهي غنية بالكلإ، أين يجد قطيع الأغنام ضالته ومرتعه.
ويضيف محمد أنه خلال رحلته اليومية، يقطع ما لا يقل عن 20 كلم، وسط الشعاب والتلال والتضاريس الوعرة، “كما ترون، نحن صائمون، ورغم ذلك الحمد الله، ونشعر بالراحة ونحن نرافق الأغنام في مرعاها”. ورغم استرسال محمد معنا في الحديث، إلا أنه رفض السماح لنا بتصوير قطيعه، “لأن هذا يجلب العين والحسد!”.

ودعنا محمد، وانطلقنا على غير هدي، بحثا عن رعاة آخرين، وعلى الطريق لمحنا قطيع أغنام وماعز، كان يرعى تحت أنظار شابين، تقربنا منهما، عرفا بنفسيهما، على أنهما علي وعيسى، حدّثانا عن ظروفهما الاجتماعية التي لم تسمح لهما بمتابعة الدراسة. وعن يومياتهما في رمضان، قالا إن رحلتهما تبدأ ساعة بعد موعد الإمساك، فهما يحرصان على التبكير، كي يكون لديهما وقت كاف للعثور على مرعى مناسب، في ظل قلة المواقع التي تتوفر على الكلإ، بعد موجة الجفاف التي ميّزت هذا العام.

وكشف محدثنا أن القطيع ليس ملكهما، بل هو ملك أشخاص عدّة، وهما يرعيان ماشيتهم بمقابل. وأولئك الأشخاص يقطنون في مناطق متباعدة، ويقوم عيسى وعلي بالطواف عليهم، واحدا واحدا، وحين يكتمل القطيع، تبدأ الرحلة المضنية، التي قد لا تنتهي قبل أذان صلاة المغرب، فقد يحدث كما روى لنا بعض من قابلناهم، أن يداهم موعد الإفطار الراعيين وهو في طريق العودة، فيضطر إلى حلب عنزة يفطر على حليبها. ورغم ذلك، يؤكد صاحبانا أنهما يستعذبان مشقة الصوم، فضلا عن غياب البديل، فما من سبيل أمامهما لتأمين لقمة العيش، سوى هذه الحرفة.
ولا تقتصر المشاق التي يلاقيها الراعيان العشرينيان، على الصوم وقطع المسافات الطويلة، والطواف على بيوت أصحاب الماشية، فثمة ما هو أشق من هذا، وهو المخاطر التي تتهدد سلامة الماشية، وأهم هذه الأخطار، هو الذئاب التي تترصد الماشية، فكل شاة تتخلف عن القطيع، قد تكون فريسة لها، لاسيما وأن أعداد الذئاب تزايدت بكثرة في الفترة الأخيرة. ولدرء خطرها يحرص الرعاة على اصطحاب الكلاب معهم، فبالإضافة إلى دورها في المساعدة على الرعي، وإعادة الأغنام المتخلفة إلى القطيع، فهي بمثابة الحارس له، إذ تحفظه من الذئاب، وتشم رائحتها من مسافات بعيدة، وتتصدى لها بشراسة. وغالبا ما تولي الذئاب الأدبار، فور إدراكها وجود كلاب في المكان، وتتحاشى مواجهتها.

اعتداءات اللصوص.. هاجس دائم

ويقول عمر، وهو راع ثلاثيني، من بلدية بني يلمان، إن كلبه يساعده على تجميع القطيع، وحمايته من الحيوانات المفترسة. وفضلا عن الذئاب، هناك لصوص الماشية، الذين يترصدون الرعاة، ولا يترددون في الاعتداء عليهم، إن وقفوا في طريقهم، ولعل هذا ما جعل بعض من صادفناهم من الرعاة يتوجسون منا خيفة، عند اقترابنا منهم، قبل أن نطلعهم على هويتنا. هي رحلات رمضانية يومية، يقوم بها الرعاة في ربوع ولاية المسيلة، التي تشير الإحصائيات، إلى توفرها على مليون رأس أغنام، و350 ألف رأس ماعز، تجوب مراعي تفوق مساحتها مليون هكتار.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!