-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
بعد انتشار وقائع وخز الأطفال بالإبر وإشاعة الاختطاف

رقابة لصيقة.. قلق وحرص على توصيل التلاميذ إلى مدارسهم

سمير مخربش
  • 604
  • 0
رقابة لصيقة.. قلق وحرص على توصيل التلاميذ إلى مدارسهم

تحولت “ظاهرة” وخز الأطفال بالإبر بإشاعاتها، إلى هاجس يطارد الأولياء، ويرغمهم على توصيل أبنائهم أربع مرات في اليوم، وسط جو من الخوف من المرأة المتجلببة التي أضحت بمثابة غول جاء ليلاحق التلاميذ ويزيد في عض الأولياء على أبنائهم بالنواجذ، مع مراقبة لصيقة محفوفة بالوسواس الذي حيّر كل الناس.
حادثة وخز الأطفال بالإبر “غير الصينية”، التي وقعت بولاية عين الدفلى تلتها، وقائع أخرى، ومن ذلك تعميم مصالح ولاية البويرة، تعلمية على البلديات، تدعوهم إلى توخي اليقظة حيال الظاهرة ثم إعلان القضاء بالبليدة استلام بلاغين بخصوص تسجيل حالتي وخز، ورافق هذا موجة من الإشاعات والخرافات والتأويلات اللاعقلانية، وعلى تضارب رواياتها نشرت الرعب وسط الأولياء في مختلف أرجاء الوطن، وتحولت المرأة المتجلببة المزعومة، إلى كائن ينتشر في كل مكان، والمشعوذة المدبرة للعملية أضحت تسيطر على تنظيم محكم له فروع في كل الولايات. وأمام هذا الوضع المفزع نشطت حركة توصيل التلاميذ إلى المدارس وعدم مفارقتهم إلا بعد الاطمئنان على سلامتهم ودخولهم القسم بأمان.
وعند مدخل المؤسسات التربوية ينتعش حديث الأولياء حول المرأة المصاصة للدماء التي استوحى البعض مواصفاتها من أفلام الأكشن فصوروها على شكل دراكيلا، أو ذلك “الزمبي” الذي يحمل إبرة ويركض وراء الأطفال، ومنهم من لم يكلف نفسه رسم صورتها، واكتفى بصورة امرأة ترتدي جلبابا أسود، والذي ربما سيزول من الطرقات خوفا من الشبهات.

مهمة شاقة!
ومع تزايد الإشاعات، أضحى التحاق التلميذ بالمدرسة من المهمات الشاقة، والمتعبة بدنيا ونفسيا لكلا الوالدين، خاصة مع ذاك التلميذ الذي يدرس بعيدا عن المسكن، ويتطلب مرافقة لصيقة تتكرر أربع مرات في اليوم. وأي خلل عند خروج التلميذ أو تأخر عن الموعد يعني حالة طوارئ تزعزع العائلة بكاملها. والويل للأب والأم العاملين اللذان يجدان صعوبة في ضبط وقت الخروج من العمل والتواجد اليومي عند مدخل المدرسة.
هذه الوضعية تعني فزع دائم للوالدين وحيرة مستمرة كانت في السابق مرتبطة بالخوف من الاختطاف والاعتداء وحوادث المرور، واليوم ازدادت حدتها مع بزوغ حكاية الوخز بالإبر. فكل تأخر عن موعد خروج التلميذ من المدرسة ترافقه صورة المرأة الغول التي تسيطر على خيال الأولياء. فحتى العائلات التي تقطن بالقرب من المدرسة يحرص فيها الأولياء على توصيل أبنائهم ولو لبضع أمتار، فلا يفارقوهم حتى يطمئنوا لدخولهم الى المدرسة أو المنزل، لأن الجزائري لم يعد يأمن أحدا على أبنائه حتى وإن كان من المقربين. وهذا ما أكدته لنا السيدة رقية من سطيف التي قالت لنا بأنها تقطن بحي الهضاب، والمدرسة لا تبعد عن منزلها إلا ببضع أمتار، ورغم ذلك تحرص على توصيل ابنتها أربع مرات في اليوم خوفا عليها من أي طارئ، وقد ازداد الخوف حسبها بعد انتشار حكاية الوخز بالإبر، والتي زادت من رعب الأطفال كما قالت النفسانية حسينة تريدي، كون الأولياء تعوّدوا من زمان على تخويف أبنائهم من إبرة الطبيب.
وقد كانت لنا نهار الأحد الماضي، وقفة بالقرب من مدرسة ابتدائية بسطيف، وعايشنا ذلك الجو المشحون بالخوف والفزع، ووقفنا على نظرات الريبة التي يوزعها الأولياء، والذين لاحظناهم وهم يشدون على أيادي أبنائهم، مع أعين تطارد أي حركة مشبوهة وتتطلع لفتح باب المدرسة للتخلص من ذلك الخوف الذي يجري من الأولياء مجرى الدم. هذا المشهد يتكرر كالدواء أربع مرات في اليوم، وقد تحول الى ضغط نفسي قد تنجم عنه أمراض لا تحمد عقباها. وقد وقفنا على حالة بكاء امرأة ليس لأنها فقدت ابنتها، بل لأنها فارقتها بعد ما أدخلتها إلى المدرسة، حيث ظل الخوف يسيطر على عقلها حتى وإن كانت ابنتها داخل القسم.
ولنا أن نتصور مشهدا آخر رواه لنا أب خرج من العمل في حدود الساعة الرابعة مساء، أي قبل انتهاء التوقيت الرسمي، هرب عمدا ليلحق بابنه الذي سيخرج من المدرسة، فتجده يسابق الزمن ويغامر ويناور بسيارته في الطرقات ويتشاجر مع كل من اعترض طريقه، هذا المشهد يتكرر أكثر من مرة، وفي أكثر من مكان، بل أضحى من يوميات المواطن الجزائري الذي تنتابه صورة متعددة لابنه وهو يتعرض للأذى من جهة مجهولة.

تكاليف إضافية
وأمام هذا الرعب المتكرر، لجأت بعض العائلات إلى حافلات رياض الأطفال لتوصيل أبنائهم إلى المدرسة مقابل مبلغ 5000 دج للشهر، تتغير قيمتها حسب المسافة والخدمة التي قد تتطور إلى الإبقاء على التلميذ داخل الروضة لتناول الغداء وإعادته من جديد إلى المدرسة، وهكذا تبقى الروضة متكفلة بالتلميذ حتى بعد التحاقه بالمدرسة، والأولياء لا يلتقون مع أبنائهم إلا في المساء. وأما العاجز عن دفع هذا المبلغ عليه أن يواصل رحلة العذاب والفزع اليومي عند مدخل المدرسة.
يحدث هذا في المناطق الحضرية، أما في الجهات النائية فالأولياء هناك سلموا أبناءهم للشارع، وعلى التلميذ أن يمشي في اليوم عدة كليومترات من دون حماية ولا رفيق، ورحلته محفوفة بمخاطر متعددة مصدرها بشري أو حيواني وليس للأولياء أي خيار، فهم يتدخلون فقط عندما تكبر الطفلة فيخافون أن تتعرض للاغتصاب فيقررون مباشرة توقيفها عن الدراسة واللجوء إلى الحل الراديكالي في غياب أي حلول أخرى. وعدا هذا المحذور لا خوف على التلاميذ في الأرياف، فهم في وضعية أكثر أمنا من تلاميذ المدن، ولا وجود للمرأة الغول في المداشر والقرى، لتبقى المناطق الحضرية تحت سيطرة الخوف الذي صنعته المتجلببة السوداء التي سودت أيام الناس وشغلتهم بحكايات جديدة وغريبة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!