-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

رمضان بدايتنا على طريق الإخلاص

سلطان بركاني
  • 1285
  • 0
رمضان بدايتنا على طريق الإخلاص

رمضان هو شهر أفراح الرّوح المنعتقة من علائق الجسد، المتطلّعة إلى جنان الخلد؛ تجد أنسها وراحتها وهي تطلب رضا مولاها وخالقها، وترجو عظيم فضله الذي ادّخره لعباده الصّائمين المخلصين ولم يُطلع عليه أحدا من خلقه وجعله سرا يكشفه لعبده يوم لقائه ليفرح باللّقاء، ويسعد بصيامه في دار البقاء؛ فـ”للصّائم فرحتان؛ فرحة حين يفطر، وفرحة حين يلقى ربه”.. أفراح ينبغي لكلّ عبد مؤمن أن يبحث عنها في سويداء قلبه وجوانح روحه، وهو يكابد الجوع والعطش في أيام رمضان، فإن وجدها حمد الله وسأله أن يتمّ فرحه بفرحِ يومِ اللّقاء في دار البقاء، وإلا كان لزاما عليه أن يراجع نيته ويُمحّص إخلاصه، فربّما يكون ضعف الإخلاص هو السّبب في حرمان الرّوح من أفراحها، لأنّ الأصل في الصيام أن يكون خالصا لوجه الله، “كلّ عمل ابن آدم له، إلا الصيام فإنّه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي”، إلا إذا غفلت النّفس عن هذا المقصد العظيم وصار صيامها عادة من العادات التي تتكرّر كلّ عام؛ فهي تصوم لأنّ النّاس كلّهم يصومون، وتمتنع عن المفطرات الحسية وتحرص على صحّة ظاهر الصيام تجنبا للقضاء والكفّارة.

الأصل في الصيام أن يكون خالصا لوجه الله الكريم، لأنّ العبد المؤمن تتُاح له الفرصة حين يخلو بنفسه، ليأكل ويشرب ويقضي نهمه ممّا تشتهيه نفسه وتطلبه، لكنّه لا يجرؤ على مدّ شيء إلى فمه بل ولا يجرؤ على ابتلاع قطرة واحدة من الماء الذي يضعه في فمه أثناء المضمضة، وإذا أحسّ أنّ قطرة واحدة تسلّلت فإنّه يرهق نفسه في محاولة إخراجها مع أنّه يعلم أنْ لا أحد يراه ويعلم حاله إلا الله.. وهكذا يربّي الصيام العبد المؤمن على إخلاص عمله لله، وعلى استشعار رقابته جلّ في علاه في كلّ صغيرة وكبيرة.. ولعلّه لو لم يكن لصيام رمضان من حكمة غير صقل النية وغرس الإخلاص في النّفوس وتنقيتها من شوائب الرياء، لكفاه حكمة وفضلا؛ لأنّ الإخلاص هو روح هذه الحياة وسرّ السّعادة والفلاح في الدّنيا والفوز والنّجاة في الآخرة، بل هو جنّة الدّنيا والآخرة؛ من وجده وجدَ كلّ شيء، ومن فقده فقد كلّ شيء. به صلاح الأحوال والأقوال والأعمال، وبه وحده تكون رفعة الدرجات في المآل، لذلك فهو أعزّ مكسب ينبغي للمسلم أن يمتحن عليه نفسه من حين لآخر، وأعزّ مطلب ينبغي له أن يسعى لتحصيله، وبخاصّة في هذا الزّمان الذي عزّ فيه من يريد بأعماله وأقواله وأحواله وجه الله الكريم، وصار كثير من المسلمين يطلبون الدّنيا بعمل الآخرة، ويرجون بالطّاعات والقربات ثناءً عابرا ومدحا زائلا ومكانة عند المخلوقين.. الإخلاص مطلب عزيز يحتاج إلى صبر ومصابرة وجهاد ومجاهدة، قال نعيم بن حماد عليه رحمة الله: “ضربُ السياط أهون علينا من النية الصّالحة”، ومهما كان عزيز المنال فإنّه لا بدّ للعبد المؤمن أن يجاهد نفسه ويتعَب ويبكي ليكون مخلصا.. وأوّل خطوة على طريق طلب الإخلاص هي أن يمتحن العبد نفسه؛ فللإخلاص علامات ينبغي له أن يبحث عنها في نفسه وفي حاله من حين لآخر، أهمّها أن يستوي عنده مدح النّاس وذمّهم ويكون باطنه كظاهره أو خيرا منه، ويحرص على إخفاء حسناته كما يحرص على إخفاء سيّئاته، وفي المقابل، فعلامة الرياء أن تطمئنّ نفسه إلى مدح المادحين وتزداد نشاطا لذلك، بينما تكسل وتملّ إذا لم تجد مدحا من أحد.. فإذا عرفت –أخي المؤمن- أنّ في نفسك شيئا من الرياء وأنّك في حاجة إلى الإخلاص، وكلّنا في أمسّ الحاجة إليه، فاستعن بالله وادعه وألحّ عليه في الدّعاء أن يرزقك الإخلاص في قصدك وقولك وعملك، يقول نبيّ الهدى عليه الصّلاة والسّلام: “الشّرك فيكم أخفى من دبيب النمل، وسأدلك على شيء إذا فعلته ذهب عنك صغار الشّرك وكباره، تقول: “اللهمّ إنّي أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم وأستغفرك لما لا أعلم””.. احفظ -أخي المؤمن- هذا الدّعاء وكرّره قبل وبعد كلّ عمل صالح وأكثِر من الدّعاء في سجودك أن يرزقك الله الإخلاص والخلاص من الرّياء.. مع الدّعاء والإلحاح احرص -أخي المؤمن- على إخفاء أعمالك الصّالحة ما استطعت إلى ذلك سبيلا، فإنّ الله يحبّ العبد التقيّ النقيّ الخفيّ كما جاء في الحديث.. هكذا فليكن شأنك في تطوّعك بالصّلاة، وديدنك مع الصّدقة، متأسيا بصالحي هذه الأمّة الذين كان الواحد منهم إذا جنّ عليه الليل غطّى وجهه وتلثّم وحمل من الطّعام والثياب ما يقوى على حمله وطاف على بيوت الفقراء يطعمهم ويكسوهم، ولا يدرون من هو.. هكذا فلتكن حريصا على إخفاء ما يمكن إخفاؤه من أعمالك الصّالحة.. أو على الأقلّ احرص على أن يكون لك عمل صالح بينك وبين الله لا يطّلع عليه أحد غيره، يقول الإمام الحافظ عبد الله بن داود عليه رحمة الله: “كانوا يستحبّون أن يكون للرّجل خبيئة من عمل صالح لا تعلم به زوجته ولا غيرها”.

… يتبع بإذن الله…

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!