-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

رمضان يمهّد طريقنا إلى الجنّة

سلطان بركاني
  • 462
  • 0
رمضان يمهّد طريقنا إلى الجنّة

شهر رمضان، نعمة من أجلّ نعم الله على عباده المسلمين؛ ربط الله اسمه بالهداية والقرآن، فقال جلّ من قائل: ((شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَان)).. كأنّه محطّة شحن، ينتظر السائر على الطّريق بشغف الوصول إليها ليشحن نفسه وقلبه وروحه، ويتزوّد لوجهته التي تتزيّن له وتتلألأ أمام ناظريه وتهبّ عليه نسماتها وهو في محطّته.

لك أن تتخيل رجلا كان في سفر طويل بسيارته، فنسي أن يتحسس مؤشر الوقود فيها، وبينما هو في الطّريق أومض له ضوءٌ في الشاشة بأنّ الوقود يكاد ينفد، ولم يبق منه إلا ما يكفي للسير 20 كم، هنا سيصبح السائق متلهّفا لمحطّة الوقود، ولن يشغل تفكيرَه غير عدّ الكيلومترات التي لا تزال تفصله عنها.. وهكذا العبد المؤمن مع رمضان؛ مع انشغاله بالدّنيا يجد ضعفا في إيمانه، وقسوة في قلبه، وغفلة في نفسه، يتوب في سائر الأيام ويجدّد إيمانه من حين إلى آخر، لكنّه يظلّ يتطلّع إلى أهمّ محطّة لشحن الإيمان، ينتظر رمضان بشغف ليجدّد إيمانه، ويشحن قلبه، ويوقظ نفسه، ويثقل ميزان حسناته ويفرغ ميزان سيئاته.

علم الحنّان الكريم -سبحانه- تقاصر أعمار هذه الأمّة، فخصّ عباده المؤمنين بهذا الشّهر الذي يضاعف فيه الأجور والحسنات أضعافا كثيرة. وقد ورد عن بعض السلف أنّ الأجور تضاعف ألف مرّة: قال الإمام النخعي -رحمه الله-: “صوم يوم من رمضان أفضل من ألف يوم، وتسبيحة فيه أفضل من ألف تسبيحة، وركعة فيه أفضل من ألف ركعة”، ومثله روي عن الإمام الزهري رحمه الله.

وعلم اللطيف الخبير -سبحانه- ما يعترض عباده خلال العام من فتن وشهوات، فهيأ لهم شهر رمضان وهيأ فيه أسبابا كثيرة لمحو الخطايا ومغفرة الذّنوب: فمن صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدّم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدّم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدّم من ذنبه. للصائم عند فطره دعوة لا تردّ، ولو دعا عند فطره بمغفرة الذّنوب مستحضرا عِظم جرمه في حقّ خالقه وحاجته إلى عفوه ورحمته، لغفر الله له، ولهذا كان صحابيّ رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلّم- عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- يقول عند فطره: “اللهمّ يا واسع المغفرة اغفر لي”.. ولأنّ أسباب المغفرة في رمضان كثيرة والفرص وفيرة: قال النبيّ -صلّى الله عليه وآله وسلّم-: “رَغِمَ أنفُ رجلٍ دخلَ علَيهِ رمضانُ ثمَّ انسلخَ قبلَ أن يُغفَرَ لَهُ” (رواه التّرمذي).

علم الغفور الودود ما تتعرّض له قلوب عباده من أسباب القسوة، وما تتعرّض له نفوسهم من أسباب الغفلة، في سائر أيام العام، فهيّأ لهم شهر رمضان ليجدّدوا عهدهم مع دواء هو أعظم أدوية قسوة القلوب وغفلة الأنفس والأرواح: القرآن الكريم، كلام الله الواحد الأحد: ((اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ)).

علم الرحمن الرحيم أنّ نفوس عباده المؤمنين تشتاق إلى الجنّة، لكنّ الشيطان يوسوس لهم بأنّه ليس من السّهل دخول الجنّة، وربّما يقول لهم ميئّسا: “الجنّة لها أهلها”، علم الرحيم الكريم من نفوس عباده هذا، ففتح أبواب الجنّة في رمضان، وجعل نسماتها تهبّ عليهم، ليتذكّروا أنّه ما خلقهم إلا ليرحمهم ويدخلهم جنّته، لذلك فكلّ عبد تنفخ الروح في بدنه، يهيأ له مكان في الجنّة، فإن هو خرج إلى الدنيا فآمن وعمل صالحا، كان مآله إلى مسكنه في الجنّة، لكنّه إن حاد عن طريق الله واتبع الشيطان، فإنّ منزله في الجنّة يرثه عبد مؤمن صالح، يقول تعالى: ((يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ)). ويقول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: “كلّ أمّتي يدخلون الجنّة إلا من أبى”.

الله الغفور الرّحيم -سبحانه- يذكّرنا في كلّ رمضان بأنّه ما خلقنا إلا ليرحمنا، وأنّه سبحانه يريد لنا أن نسكن جنّته وننعم بالنّظر إلى وجهه الكريم، ولكنّ أنفسنا الأمّارة بالسّوء هي التي تطيع الشيطان فتنسينا هذه الحقيقة.

الله -جلّ وعلا- ملأ حياتنا كلّها بأسباب العفو والمغفرة، حتى ندخل الجنّة: يبسط يده بالليل ليتوب من أساء بالنهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب من أساء بالليل: يقرب من عباده في ثلث الليل الأخير من كلّ ليلة فيقول: “من يستغفرني فأغفر له، من يدعوني فأستجيب له”، كتب سبحانه أنّ العبد إذا همّ بالسيئة لم تكتب عليه حتى يعملها، فإن همّ بها ثمّ تراجع عنها خوفا من الله، كتبت له حسنة، ثمّ إن عمل السيئة فإنها لا تكتب في ميزان العبد حتى تمضي 6 ساعات، لعلّ العبد يتوب منها فلا تكتب، فإن مضت الساعات الست ولم يتب العبد كتبت سيئة واحدة، فإن تاب منها بعد ذلك محيب وكتبت مكانها حسنة، حتى وإن لم يتب منها وعمل أعمالا صالحة بعدها، فإنّ الكريم -سبحانه- يمحو تلك السيئة بتلك الأعمال الصالحة، كما قال سبحانه: ((وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِين))، وقال الحبيب الشفيع -عليه الصلاة والسلام-: “اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن”.. ليس هذا فحسب، بل إنّ الكريم -سبحانه- يغفر لعبده ويبدّل سيئاته حسنات، بعبارة واحدة يقولها بقلبه ولسانه: يقول: “اللهمّ إنّي تبت إليك فاغفر لي”.

وفي المقابل إذا همّ العبد المؤمن بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، فإن عملها كتبت له 10 حسنات، وقد تضاعف إلى 700 ضعف بحسب إخلاص العبد وتعدّي نفع تلك الحسنة.. وفوق هذا، ما من عبد مؤمن إلا ويجعل الله له بابا إلى الجنّة؛ فقد يترك له والديه حتى يبلغا عنده الكبر أو يترك له أحدهما ليبرّ به ويحسن إليه فيدخل الجنّة، وقد يجعله في منصب يقضي فيه مصالح عباد الله وحاجاتهم فيؤجر بالإحسان إليهم والصبر عليهم.. وقد يبتليه بمرض يرزقه الصبر عليه فيدخل الجنّة، وقد يبتليه بجيران يسيئون إليه فيصبر عليهم فيدخل الجنّة، وقد يبتليه بفتنة النّساء فيتقي الله ويعفّ ويصبر فيدخل الجنّة، وقد يبتليه بالفقر فيصبر فيدخل الجنّة، وقد يبتليه بالغنى فيتصدّق ويحسن إلى عباد الله الضعفاء فيدخل الجنّة… وهكذا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!