-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

رهان ضبط العرض لطلب غير منضبط

عمار يزلي
  • 499
  • 1
رهان ضبط العرض لطلب غير منضبط

ككل سنة، وقبل حلول شهر رمضان الكريم، يبدأ صداع التفكير في كيفية “تسيير” هذا الشهر “اليسير” الذي حوّلناه إلى شهر عسير، عبر سلوكياتنا وممارساتنا الاستهلاكية السنوية الدورية. كما تبدأ حمى التفكير والعمل الإداري والسياسي والاقتصادي والأمني، على أعلى المستويات في التحضير لهذا التحوُّل الشهري في كل الأشياء، من الاستهلاك إلى ضمان الأمن والأمان، إلى مراقبة الأسعار وتجاوزات التجار ومعاينة الجودة واحترام معايير الصحة العمومية، مرورا قبل ذلك بإجراءات الرقابة على الواردات قبل الصادرات، وتفعيل مخططات وفرة بعض المواد ذات الاستهلاك الواسع في هذا الشهر، وكل ما يتعلق بـ”التحضير لشهر رمضان”.

كل هذا، مع أن شهر رمضان هو شهر واحد من بقية الشهور، وهو الشهر الذي من المفروض شرعا، أن يكون أقلَّ كلفة وأقل تكلفا ماديا، وأكثر تكليفا روحيا: الشهر الذي فيه نقلل من كل أشكال الاستهلاك والزائد عن اللزوم عند البعض، فنخفض الأسعار تلقائيا، ونتقاسم فعل الخيرات وليّ ذراع شهوة الأنانية في الإنسان وقتل روح الشراهة، وتطويع النفس والجسم على مكابدة مشقة الجوع والعطش ليوم كامل. هذا هو الأصل في الدين وفي رسالة رمضان، غير أن مستويات “الإسلام” و”الإيمان” و”الإحسان”، ليس بذلك التقسيم المتساوي بين الناس: فعامة الناس، وفي كل العالم الإسلامي وليس فقط عندنا في بلادنا، هم “مسلمون”، يندرجون ضمن تصنيف المنضوين ضمن خانة “الإسلام” كما توضِّحه السُّنَّة النبوية الشريفة، فهم “المدرسة الابتدائية” التي تضم أكثر الناس عددا ومستوى فكريا وثقافيا وروحيا. وهذا ما نراه ونلمسه في المعاملات والممارسات من داخل “الإسلام” مع أن الإسلام لا يرضى بها، فالإسلام ثقافة وفكر وسلوك وعقيدة وضوابط وقواعد. هذه القواعد، لم ترسخ بعد في الإنسان، وعليه أن يجتاز هذه المرحلة عبر التفاني والإخلاص في العمل الروحي، على أساس  قواعد الإسلام وأركانه الخمسة، من أجل تجاوزها ارتقاء نحو “مدرسة الإيمان” التي هي بطبيعة الحال أكثر تطورا نفسيا وروحيا، تكون فيها روح المؤمن أكثر تأهيلا من أجل التسامي عن الماديات. هنا، يمكن أن نصوم رمضان على النحو الحسن، فنقلل من الاستهلاك في رمضان وفي غير رمضان، ونجعل هذا الشهر بالتحديد عنوانا لـ”التقليل” من الاستهلاك و”الإكثار” من العبادات والصدقات. وإذا نحن كمسلمين ومؤمنين تجاوزنا هذه المستويات “التعليمية الدراسية الروحية”، سنصل إلى مرحلة أعلى وأسمى، كما توضِّحه السُّنة النبوية الشريفة، إلى مرحلة أعلى وأسمى هي مرحلة الإحسان التي هي بوابة “الإنسان الكامل” كما يقول محيي الدين بن عربي.

في خضمِّ هذا الوجود العامّ للإنسان المسلم، الذي تهيمن عليه منظومة “الاستهلاك”، كخاصية رأسمالية غربية أصلا، أنتجتها “روح المادة” المتمثِّلة في “الربح بلا حدود عبر الاستهلاك بلا قيود”، كان على المسلم أن يجد نفسه في وضع لا يُحسد عليه، خاصة إذا ما كان في “المرحلة الابتدائية من التعليم الروحي”. ولما نتحدث عن المرحلة الابتدائية هذه التي نعني بها مرحلة “الإسلام”، فإننا لا نعني بها أن كل من ينتمي إلى هذه المرحلة، هو بالضرورة حديث العهد بالإسلام زمنيا، فالزمن هنا لا معنى له، لأنه متعلق بفطرة ثم بموروث تكويني.

وعليه، فإن انضباطنا كمسلمين، دينيا واجتماعيا هو الضامن الوحيد لرهان ضبط العرض والمعروض السلعي ومفهوم “الحاجة” المتنامي عندنا، مع أنه “مُهلك” للنفس والروح والجسد. انضباطنا وتغيير سوكنا نحو الارتقاء إلى مستويات عليا، سيكون الضامن الأكبر نحو خلاص بدني وروحي في عالم ينزع نحو الماديات والكماليات لتصبح ضروريات، فيما تصبح الضروريات، “واجبات”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • لزهر

    نظراً للتطور السريع للنماذج الغذائية في العالم، يجب تعديل نمط استهلاكنا لتناول وجبة واحدة كاملة في المساء وإيجاد بديل للقمح في حالة الحرب.