-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ريادة في الموت ومؤخرة في الحياة؟

ريادة في الموت ومؤخرة في الحياة؟

عندما باشر الإمام عبد الحميد بن باديس، مشروع النهضة الكبير الذي جعل الجزائر تحتفل بذكرى قرن من احتلالها بطريقتها العلمية الخاصة، أصرّ على أن يسمّي كل المدارس التي كان يلقّن فيها تلامذته القادمين من كل مكان، بمدارس التربية والتعليم، وأصرّ على أن يجعل التربية تسبق التعليم، وكانت أصوات كثيرة قد طالبت منذ سنوات بإدراج التربية المرورية ضمن المقرّر الدراسي وحتى الجامعي، على أمل أن تتوقف كوارث المرور التي جعلت الجزائر تحتل المركز الريادي في عدد القتلى، بدليل أن ما شهدته الجزائر من حوادث موت يومي الجمعة والسبت خاصة في خنشلة وقسنطينة، نافس في حصيلته ما تسجله بعض البلدان خلال العام كله، وعاد السؤال عن الدور الحقيقي للمدرسة سواء العائلية أو التربوية أو الخاصة بالسياقة..

 فلو كان كل مدرسي السياقة متشبعين بالأخلاق الكريمة، ويخافون العقاب الإلهي والدنيوي ما منحوا رخص السياقة بأثمان مادية بخسة، ولو كان السائق يعلم ويؤمن بأن حريته تنتهي عند حدود حرية الآخرين، ما سار بالسرعات الجنونية التي نراها في طرقاتنا التي هي أصلا غير سيّارة، ولو كان رئيس البلدية والمقاولون يحفظون ويؤمنون بمقولة الفاروق عن بغلة العراق التي يحاسبهم الله على سقوطها بسبب الطريق، ما تقاعسوا عن إصلاح هاته الطرق التي تحوّلت إلى مقابر، ولو كان المتاجرون بقطع الغيار ومستوردوه من الخارج يؤمنون أن من غشّ الأمة فليس منها، ما قتلت هاته السيارات الحديثة في شكلها والمغشوشة في مضمونها آلاف الجزائريين، فكانت التربية الإسلامية وغيرها من العلوم داعما للتربية المرورية التي يحتاجها الجزائريون حتى لا يبقوا في ريادة الموت ومؤخرة الحياة.

وحتى ما يقدم في مادة التربية الإسلامية، والأساتذة والمعلمون المختارون لها يحتاج إلى مراجعة شاملة، لأن الأساتذة الذين طالبوا الدولة بالمرتبات وبالترقية وذاك من حقهم، من حق المجتمع أيضا أن يسألهم عن سرّ فشلهم في إيصال القيم الإسلامية السمحاء التي تدعوا لمكارم الأخلاق والتفوّق العلمي للطالب، بدليل أن العنف بلغ مشارف المدرسة، وصار نطح أستاذ أو ركل مدير من الأخبار العادية في مدارسنا التي يقال إنها تقدم التربية الإسلامية، لأن المشكلة ليس في أن نقرأ الزبور، وإنما أن نعرف كيف نقرأه وعلى من نقرأه؟ حتى لا يبقى الجدل التعليمي مجرد تغيير مواقع أو تجديد نفس، كما يحدث في الحقائب الوزارية في الجزائر، حيث تتغير الأسماء ويتبادل الوزراء الحقائب والهمّ واحد.

قد يحفظ السائقون كتاب المرور عن ظهر قلب، ومع ذلك في أول قيادة لسياراتهم يرتكبون حادثا مميتا، وقد يحفظ الطلاب القرآن الكريم، عن ظهر قلب، ومع ذلك في أول اختبار حياتي يزلّون ويغشون، ويبقى الحل الوحيد هو أن نقرن التربية دائما بالتعليم بقوانين لا يتجاوزها أحد مهما كانت رتبته .. رغم أن الكثيرين مقتنعون أن لا تربية بقيت ولا تعليم… ولا قانون؟ 

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • مسلم جزائري حر

    ويقول سيد قطب أيضا: " العبيد هم الذين إذا أُعتقوا وأُطلقوا حسدوا الأرقاء الباقين في الحظيرة لا الأحرار مطلقي السّراح، لأنّ الحرية تخيفهم والكرامة تثقل كواهلهم، لأن حزام الخدمة في أوساطهم هو شارة الفخر التي يعتزّون بها، ولأنّ القصب الذي يرصّع ثياب الخدمة هو أبهى الأزياء التي يعشقونها ".

  • مسلم جزائري حر

    ... تابع...
    وكلما أمعن السيد في احتقارهم زادوا تهافتا كالذباب.
    العبيد هم الذين يهربون من الحرية، فإذا طردهم سيّد بحثوا عن سيد آخر، لأن في نفوسهم حاجة ملحة إلى العبودية، لأن لهم حاسة سادسة أو سابعة.. حاسة الذلّ.. لابدّ لهم من إروائها، فإذا لم يستعبدهم أحد أحسّت نفوسهم بالظمأ إلى الاستعباد، وتراموا على الأعتاب يتمسّحون بها، ولا ينتظرون حتى الإشارة من إصبع السيّد ليخروا له ساجدين ".

  • مسلم جزائري حر

    أخي ناصر.. هل لك أن نكتب لنا عن هذه العبودية التي استمرأها كثير من أبناء هذا الشعب الذين أباعوا حريتهم وكرامتهم لأجل مطالب اقتصادية ضيقة:
    يقول سيد قطب رحمه الله: " العبيد هم الذين يقفون بباب السّادة يتزاحمون وهم يرون بأعينهم كيف يركل السيد عبيده الأذلاء في الداخل بكعب حذائه، كيف يطردهم من خدمته دون إنذار أو إخطار كيف، يطأطئون هاماتهم له فيصفع أقفيتهم باستهانة، ويأمر بإلقائهم خارج الأعتاب، ولكنّهم بعد هذا كله يظلون يتزاحمون على الأبواب، يعرضون خدماتهم بدل الخدم المطرودين... يتبع...

  • مسلم جزائري

    صدقت أخي ناصر.. نحن رائدون في صناعة أسباب الموت برا وجوا وبحرا، وسقوط الطائرة العسكرية يوم أمس ما هو إلا حلقة في هذه السلسلة.
    هذا الشعب أعطي جرعة زائدة من الوطنية الجوفاء، فأصبح بنظر إلى كل حديث يهدف إلى وضع اليد على الأسباب الحقيقية للتخلف على قاعدة (( قل هو من عند أنفسكم ))؛ أصبح ينظر إلى هذا النوع من الحديث على أنه مؤامرات خارجية تستهدف البلد والشعب!. وفي هذا السياق ينظر إلى تقارير منظمات الشفافية الدولية التي تؤكد بالتواتر أن هذا البلد يقاد إلى الهاوية على كل الأصعدة.