-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

رُدّها عليّ: لمن يُدركون حكم التاريخ

رُدّها عليّ: لمن يُدركون حكم التاريخ

– كلمات سجلها التاريخ الإسلامي لحمزة بن عبد المطلب بعد صفعة مدوية وجهها لأبي جهل، صارخا في وجهه متحدّيًا: ردّها عليّ إن استطعت.
وبعد نحو 15 قرنا تُعطي “غزة هاشم” الفرصة لعدد من قادة وملوك الأمة ليكونوا في مستوى أداء سيد الشهداء، وليطلقوا صرخة مماثلة في وجه الكيان الصهيوني، وهو على يقين من أن شعوبهم ستحمي “أكبادهم” من انتقام “وحشيٍّ” تلقى الثمن من “هند” الأمريكية، وستسجل لهم الأمة بل والعالم بأسره أنهم واجهوا أنفسهم وقدرهم بشجاعة الرجال، وتحملوا مسؤولياتهم الوطنية بكفاءة واقتدار، حتى وإن تأخر تحركهم لسبب أو لآخر، والمهم ألا يضعهم التاريخ حيث وضع “أبو جهل” نفسه بدلا من الاقتداء بالهاشمي عمّ سيّدِ المرسلين.
نظرة سريع إلى الخلف أفترض فيها كل النوايا الحسنة، المتوقعة والمحتملة والمفتعلة.
عندما قام الرئيس أنور السادات في نوفمبر 1977 بتدمير حائط العزل النفسي الذي كان يضع التوسع الإسرائيلي، سياسيا وجغرافيا، في حجر صحّي منذ 1948 ومرورا بباندونغ في 1955 ثم الخرطوم في1967 ووصولا إلى الأيام الأولى من أكتوبر 1973، حيث كان معزولا عن محيطه الجغرافي والإفريقي والآسيوي بفضل الرجال الذين حاصروه درءا لخطره السرطاني، وحُمّلت الصهيونية لافتة العنصرية.
وكان المبرر الرئيسي للرئيس المصري هو الاستعادة السلمية للأرض المغتصبة، وحماية حقوق الفلسطينيين، ولا يسمح الوضع “اليوم” بأكثر من محاولة تفهّم ما حدث آنذاك، لأن أمامنا ما هو أكثر أهمية.
بعدها تحمس العرب بقيادة الملك فهد بن العزيز في مؤتمر فاس (2) ثم في بيروت وكل اللقاءات التي تباينت مستوياتها وتعددت رئاستها لفكرة المبادرة العربية وإقامة الدولتين، وكان الهدف الذي كان علينا أن نتقبله هو ضمان أهم الحقوق الوطنية الفلسطينية.
ولا مجال “اليوم” للدخول في تفاصيل ولادة تلك الفكرة وخلفيات عرّابها، فلا فائدة من العبث في الجروح.
ثم كان اتفاق وادي عربة، ثم كانت أوسلو، ثم جاءت قافلة التطبيع، والتي كان من بعض ما أعلن من مبرراتها استثمار يهود بعض البلدان العربية النازحين إلى إسرائيل والموجودين فيها كقوة سياسية مؤثرة، هكذا قيل لنا، لتحقيق السلام في “الشرق الأوسط”، وإقناع القيادة العنصرية بالتنازل عن بعض أطماعها لصالح حل نهائي للقضية الفلسطينية، أساسه القرار 242 وحلّ الدولتين.
وأنا أحترم كل اجتهاد يؤدي إلى نتيجة تخدم مصالح الأمة وهيبة قادتها لكن نتيجة كل تلك المواقف العربية الكريمة (واقبلوا الوصف مني تفضلا) صفعات متتالية بل ركلات متتالية من الكيان الصهيوني للكرامة العربية، بدءا برفض المبادرة العربية في يومها الأول ثم توالي الاعتداءات المباشرة وغير المباشرة التي كان ما دار حول “سدّ النهضة” بعض علاماتها.
ولن أتحدث عمّا أصاب القضية الفلسطينية فهذا يتطلب حديثا يطول ويطول، وسأكتفى باسترجاع بعض ما حدث مع من كانوا يعلقون الآمال الكبيرة على حسن إدراك النازيين الجدد وعلى تفهم حلفائهم من الأوربيين، وخصوصا ولي الأمر الأول في واشنطن.
لكننا، ونحن نتغنى بأناشيد السلام في لقاءات القمة ونزداد تمسكا بمبادرة عليلة رفضها العدوّ، استثرنا سخرية كل الفعاليات الدولية، وبدأنا تدريجيا في خسارة القارة الإفريقية وأقوى بلدان القارة الآسيوية، بحيث أصبحت الهند، رائدة عدم الانحياز وصديقتنا التاريخية، أهم حلفاء الكيان الصهيوني.
وكان ما عرفته سيناء إهانة للجيش المصري العظيم الذي روى أرضها بدماء شهدائه لتحريرها فإذا بالأمر ينتهي به، فيما علمنا، إلى التقسيم الثلاثي لشبه الجزيرة بحيث تضاءلت سيادة مصر على أرض كانت تحت سيادتها منذ فجر التاريخ، ولدرجة أنه أصبح من الضروري استئذان إسرائيل لمجرد إدخال عدة عربات مدرعة إلى الوادي المقدس.
وكاد دور أقوى البلدان العربية وأعرقها تاريخيا يبدو وكأن وجوده مخصص لحماية إسرائيل، الدولة التي لم يكمل عمرها المائة سنة والتي “أقيمت” بقرار أممي في مرحلة الهزال العربي والإسلامي.
ولم يعد سرّا اليوم أن نقمة الشعب المصري، وقواته المسلحة بوجه خاص، تتزايد يوما بعد يوم، وهو ما يمكن أن أفهمه من تصريحات الرئيس السيسي الحازمة.
أما الأردن، فقد كلفته الاتفاقية الكثير الكثير، وأصبح ممكنا للإسرائيلي، كما قرأت في بعض التقارير الإعلامية، أن يتملك في الأردن بجنسيات غير إسرائيلية، وأصبح لليهود شركات ومصانع بأسماء دول أخرى، ومنتجاتها تُصدر، كما قيل لي، إلى الأسواق الأمريكية والأوربية بدون جمارك، وترددت أنباء كثيرة عن تلوث المياه التي يُزود بها الأردن، وتواصل ترويج التشكيك في مسؤولية رعاية المقدسات الإسلامية في القدس، ناهيك من غمزات تهجير الفلسطينيين وتوطينهم بعيدا عن الضفة والقطاع، وكثير كثير أحسسنا به يغلي يغلي في صدور الأردنيين الأحرار، ويمكن أن نستنتجه من الصلابة التي تميز بها خطاب الملك عبد الله الثاني.
أما الإمارات، فقد كانت تصرفات “أبناء العم” ومن يُقال أنهم ينتسبون للدين الإبراهيمي في فنادق دُبيّ فضيحة “بجلاجل”، كما يقول أشقاءنا المصريون، وأصبحت سرقات السواح الإسرائيليين وتصرفاتهم المتعالية مثار نفور تمّ التحكم فيه بضغوط الكيان، بدون أن ننسى اغتيال محمود المبحوح الذي قامت به عناصر الموساد قبل ذلك، والذي كان إهانة لم أسمع أنه كان لها رد الفعل الذي يفرضه احترام بلد حرٍّ مستقل.
ولم يتحرك اليهود المهاجرون من بلدان عربية لحماية الفلسطينيين، كما كان يقال لتبرير عمليات التطبيع التي قيل أنها تستهدف حماية مصالح الفلسطينيين والدفاع عن مطالبهم العادلة، ولم يحدث أن قامت جموع أولئك بالضغط على الحكومة الإسرائيلية كما كان يأمل من روجوا للتطبيع.
وقد وصل الإذلال إلى حدّ أن الكيان فرض على دولة عربية عزل وزيرة كانت، كما عرفتها شخصيا، قيمة وقامة، لأنها رفضت مصافحة السفير الإسرائيلي.
هكذا عاش الوطن العربي سلسلة من الإهانات لا تقبل بها أصغر الدول الإفريقية شبه المستقلة، ولم تدرك القيادات اللاهية أن للصبر حدود، على رأي أم كلثوم، وأن قطرات الإذلال المتتالية قد تثقب الرخام الشعبي الذي يبدو للعين المجردة أبيض أملس…إلى حين.
ثم يأتي الفرج الذي يجب أن تستفيد منه قيادات عربية، لا داعي لاستعراض أسمائها.
اليوم تتقدم غزة بقوافل يومية هائلة من الشهداء، لم يعرف الوطن العربي مثل عددهم الضخم إلا في الجزائر خلال الاستعمار الفرنسي، وهي تعطي، بدماء أبنائها وأشلائهم لمن خُدعوا بآفاق السلام الزائف فرصة مراجعة النفس بكل موضوعية، وتجميد كل علاقة مع الكيان الصهيوني، ليوجهوا صفعة ضرورية لكيان لم يحترم وفاءهم ولم يقدر مجازفاتهم ولم يستجب لما كانوا ينتظرونه أو يأملون فيه من حسن جِوار، ولكي يقولوا في الوقت نفسه لحلفاء الكيان أن عهد العربي “العبيط” قد انتهى، وأن تهديد قيادات عربية بأخطاء ارتكبوها يوما لم يعُدْ مُجديا، وأنه لا مجال في الوطن العربي لـ”لورنس” جديد.
ويمكنني أن أقول بدون خوف من اتهام بالمبالغة أن بديل ذلك الموقف هو تزايد احتقار العالم أجمع، بمن فيه الإسرائيليين أنفسهم، للقيادات العربية، ملوكا ورؤساء ونخبا قيادية، وفي الوقت نفسه مواصلة عملية الإبادة الجماعية التي تقوم بها القوات الصهيونية، والتي أصبح واضحا أنها تستهدف الأطفال قبل الكبار، لأنها ترى فيهم، عن حق، مقاومو الغد وأبطال المستقبل.
وهكذا يصبح واضحا أنه إذا لم تتحرك القيادات العربية المعنية بشكل عملي لإيقاف الإجرام الصهيوني، على الأقل كما فعلت كولومبيا وشيلي وبوليفيا، فإنها تمكن “النتن ياهو” من أن يكون، تاريخيا، مثيلا لحمزة بن عبد المطلب، وسيصبح قادة عرب في وضعية أحطّ من وضعية “أبو جهل”، الذي يسجل التاريخ أنه، وهو يجمع عصبته لقتل سيد المرسلين، لم يقتحم بيت المصطفى ليلا حتى لا يؤذي حرمة حرائر البيت.
كان أبو جهل الجاهلية صورةً للعربي النبيل الذي يعرف معنى الكرامة، فهل عرب اليوم أقل نبلا من رموز الجاهلية، وألا يتذكرون صيحة غوّار: الله دخيلك يا أبي …ناقصنا شوية كرامة.
وهل يقبلون لأنفسهم مصيرا كمصير شاه إيران وموبوتو وسيكوتوري وبوكاسا، الذين انتفضت شعوبهم عندما أحست بأن قادتها لا يعيشون مشاعرهم وبأن كرامتهم أصبحت مداسا لكل طاغية.
ويكفي أن أذكر أن واشنطون لم تحرك أصبعها الصغير لرعاية من كان رجلها الأول في “الشرق الأوسط”، وهكذا عاش شاه إيران أيامه الأخيرة مريضا ذليلا مكسور الخاطر، وكان أول إمبراطور في التاريخ لا يجد قبرا في بلده.
ويا أصحاب الجلالة والفخامة …أفيقوا يرحمكم الله، فباب التاريخ مفتوح على مصراعيه….دخولا إليه وخروجا منه.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!