الرأي

زوبعة فرنسية… في فنجان عربي

عبد الرزاق قسوم
  • 3709
  • 0

أفٍّ لهم، وما يفتَرون! أفٍّ لأقوامٍ جُبلَت نفوسهم على الشّر، فهي لا تنفثُ إلا حقدًا وكراهية! وران على قلوبهم الجهل، فهي لا تنبض إلا تعصبًا وعدوانية.

تبًا لأقلام نبتت في مدادِ الانسلابِ، والغزوِ الثقافي، فهي لا تزِن الأمور إلا بميزان الآخر، ولا تنظر إلى قضايا الوطن إلا بما يتيحه هذا الآخر حتى ولو كان ذلك على حساب وطنِ النّشأة، وموطِن الميلاد.

ويلٌ لخضراءَ الدّمن، تُسقى بماءٍ آسن، وتُكتب بحبرٍ داكن، وتحكمُ على كلّ من خالفها بوحي من اخضرارٍ مزيّف فاتن، لأنّها نبتت في منبت سوء شائن.

أ كلّ هذا لأنّنا في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين “تجرّأنا على التصّدي لريّاحٍ صرصرٍ عاتية، هبّت من الغرب علينا، لتقتلعَ أصول أسرتنا، وتطمِس معالم مدرستنا، وتزعزِع قواعِد وِحدتِنا؟.

فقد أصدرنا بوحيِ عراقتِنا، ووفائنا لأصالتنا، واقتداءً بما تربّينا عليه من مبادئ علمائنا، أصدرنا بيانًا إلى الأمّة، نحذِر فيه مما يتربّص به البعض ضدّ هوّيتنا، ووحدتنا وأصالتنا.

وما كان لنا من خيار في ما أصدرَه مكتب جمعية العلماء الوطني، بعدما هبّت رياح “سداو” أي “اتفاقية نبذ التمييز العنصري بين الجنسين” تُنذِر بتأليب البنت على أبيها، والأختَ على أخيها، والمرأة على ذويها.

هل تبيح لنا أنفتنا الوطنية، وقيّمنا العقدية، ورجولتنا الجزائرية، أن نقبل بمخالفة شرعِ الله، وتغيير فطرة الله، فنلغي الولّي من عقد الزّواج، وهو رمز الأصالة الأسرية، ونقول بالزّواج المثلي، وهو العدوان على الطبيعة البشرية، ونسنّ للتّبني وهو تشجيع على زرع اللّقطاء داخل الأسرة الحرّة الأبيّة؟.

هل تبيح لنا أنفتنا الوطنية، وقيّمنا العقدية، ورجولتنا الجزائرية، أن نقبل بمخالفة شرعِ الله، وتغيير فطرة الله، فنلغي الولّي من عقد الزّواج، وهو رمز الأصالة الأسرية، ونقول بالزّواج المثلي، وهو العدوان على الطبيعة البشرية، ونسنّ للتّبني وهو تشجيع على زرع اللّقطاء داخل الأسرة الحرّة الأبيّة؟.

لئن، جارينا هذه التيارات الجارفة المنحرفة، وركبنا موجتها، ونحن عصبة الصّالحين من العلماء العاملين إنّا إذن لخاسرون.

وهل من الوطنية، والشّهامة، أن نصمت أمام التجارب الوافدة، لنحوِّل أطفالنا إلى فئران، يخضعون باسم الإصلاح، وهو المصطلح المظلوم، إلى تجارب أثبتت فشلها في بلدانها، فننقل جراثيمها إلى مدرستنا، وداء فقدِ مناعتها إلى عقول وأجسامِ ذكورنا وبناتنا، فتفقد حصانتها بحرمانها من التربية الإسلامية، والثقافة التاريخية، والبلاغة العربية؟.

لقد فارت دماؤنا، عندما وعينا مخاطر ما يُحاكُ لنا من مكائد، ومؤامرات، لضرب وحدتنا، وتنغيص استقرارنا، والتشكيك في شرعية حدودنا ووجودنا، فحذرنا الأمّة مما يُحاكُ لها، وطالبنا المواطنين والمواطنات بأن يقفوا مع القوى الحيّة في وطننا، التي تعمل على حماية الحدود، والدّفاع عن قيم وتراث الجدود.

ما إن صدر بيان الجمعية، الواضح القسمات الفاضح لخفايا المؤامرات، حتى انهالت علينا شتّى الاتهامات وألحقت بجمعية العلماء، ورجالها أشنع المواصفات، وخاصّة من حملةِ ثقافة الغزاة.

فمن واصفٍ لنا، بأنّ خطابنا، هو خطاب “داعش” وهناك فرق بين الثرى والثريا. ومن متّهم لنا بالانتماء البعثي لمجرد أننا ندافع عن العربية في وطنها، ومن واضع لنا ضمن ما وُصف بالاتجاه الإسلامي المحافظ.

ولو اتّصف أصحاب هذه الأقلام المنحرفة بقليل من الإنصاف، لقرأوا بياننا قراءة الباحث عن الحقيقة دون حكمٍ مسبق. ولو كان لأصحاب هذه الأقلام الحدّ الأدنى من الثقافة التاريخية لعلموا أنّ “داعش” قول فاحش في قاموس الإصلاح والمصلحين، ولأدركوا أنّ “البعث” قد انتهى في بلده الأصلي، سوريا والعراق، فكيف يموت هناك ليحيا هنا، وفاقد الشيء لا يُعطيه.

ولو أنصفوا الحقيقة ما تجرأوا على تاريخ جمعية العلماء، ورجالها، باتّهامها بالبعد عن مبادئ نوفمبر 1954م، المرجعية التاريخية الوطنية فلو كانوا يقرأون التاريخ، ويملكون القليل من الحقائق التاريخية، لعادوا إلى كتب الأعداء من أمثال كتاب “ضابط المخابرات الفرنسية جاك كاري” وهو كتاب بالفرنسية، والعربية بعنوان “جمعية العلماء”.

هل من الوطنية، والشّهامة، أن نصمت أمام التجارب الوافدة، لنحوِّل أطفالنا إلى فئران، يخضعون باسم الإصلاح، وهو المصطلح المظلوم، إلى تجارب أثبتت فشلها في بلدانها، فننقل جراثيمها إلى مدرستنا، وداء فقدِ مناعتها إلى عقول وأجسامِ ذكورنا وبناتنا، فتفقد حصانتها بحرمانها من التربية الإسلامية، والثقافة التاريخية، والبلاغة العربية؟.

فهذا الضابط الذي يصف جمعية العلماء بالحركة الإسلامية الهدّامة، يؤكِد بالأدّلة أنّ جمعية العلماء هي من أعّد لثورة نوفمبر، وأنّ الذين فجروها، كانوا يحملون روح جمعية العلماء.

وجاك كاري لم يكن عضوًا في جمعية العلماء بل كتب كتابه هذا مُحذِرًا –بالأدّلة- من خطورة هذه الجمعية على الوجود الفرنسي في الجزائر.

ويكفي لتهافت أطروحة الأقلام المنسلبة مضمون نشيد الإمام عبد الحميد بن باديس. للّذين وصفوا الجمعية الحالية بالانحراف عن خطّه، بأنّ هذا النّشيد، هو الذي حدّد الخطوط العامّة للخلاص من المستدمِر حين يؤكِد على الانتماء العربي والإسلامي “لشعب الجزائر” ويرسم لنا طريق الثورة والخلاص بمناشدته شباب الجزائر:

خذ للحياة سلاحها وخض الخطوب ولا تهب

واهزر نفوس الظالمين، واقلع جذور الخائنين، وأدّق نفوس الظالمين.

أفيعقل أن يتّهم عبد الحميد بن باديس الذي توفي عام 1940م بأن يكون أجنبيًا عن الرّوح الثورية، أو أن تكون جمعية العلماء اليوم بدعوتها إلى صيانة الوحدة الوطنية، والإسلامية، وإنقاذ الأجيال الجزائرية من براثن الغزو الثقافي، والاجتثات العقدي، قد انحرفت عن الخط الباديسي، كما يزعم دعاة الانسلاب.

إنّنا نبرأ إلى الله مما يفعله بعض الإعلاميين بتاريخ الجزائر، وأصالة شعب الجزائر، ومستقبل أجيال الجزائر.

كما نبرأ إلى الوطن من تصنيف خطاب الجمعية ضمن خطاب داعش، تنقيصًا لنا، وتعظيمًا لداعش، وما أولئك بالمنصِفين.

فليطِر هؤلاء أو فليقعوا فإنّ جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ثابتة على الثوابت الوطنية إن شاء الله، وليعلموا جميعًا أنّنا لا نعادي أحدًا أيًّا كان موقعه، إلا إذا اعتدى أو عادى قيم، ومبادئ، وثوابت الأمّة ونحن واثقون من أنّ الحقّ بجانبنا، لأنّنا لا نريد لهذا الوطن إلا أن ينعم بالاستقرار والازدهار في ظلّ حكم الله.

وقوّتنا تنبع من وقوف الشعب الجزائري مع مبادئنا، لأنّ هذا الشعب كما قال إمامنا محمد البشير الإبراهيمي “قد يرضى بسوء التغذية ولكنه لن يرضى أبدًا بسوء التربية”

(وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ) الشعراء 227

مقالات ذات صلة