زوجات يتستّرن على جنس أجنّتهن!
تواجه الكثير من الزوجات الحوامل، لاسيما اللواتي أنجبن إناثا في مرات سابقة، كابوسا حقيقيا، بمجرد أن يتمكّن وأزواجهن من الإطلاع على جنس الجنين، بسبب خوفهن من الرد السلبي من قبل بعولتهن في حال ما إذا كان جنس المولود أنثى، ما يدفعهن إلى رفض القيام بالكشف المقصود، أملا في مزيد من الوقت، وخوفا من اضطراب حياتهن، ما جعلنا نحاول الاقتراب من هذه الشريحة ومحاولة معرفة ما تفكر فيه، ونقل بعض الدوافع الكامنة وراء مثل هذه التصرفات.
ففي حقيقة الأمر ليس هناك أجمل من هبة تكون في هيئة مولود، تهديه الزوجة لزوجها، عربونا على وفائها وحبها ومودتها، فتجدهما يقبلان على الحياة بنفس جديد وبكل شغف يسارعان إلى أقرب طبيبة نساء وتوليد أو حتى قابلة لتأكيد الخبر، ولمتابعة مسيرة تطور الجنين في رحم والدته، وكم تتضاعف الفرحة حينما يكون بمقدورهما الإطلاع على جنس الجنين، لكن، هناك سيدات تنقلب حياتهن رأسا على عقب، لأن الزوج يعلق آمالا على أن يكون مولوده صبيا لاعتبارات يعرفها الجميع، ترتبط معظمها بنزعة “الفحولة” وحفظ الإسم في الحياة وأشياء أخرى تختلف من عقل لآخر، والأكيد فلا مكان أفضل من عيادات التوليد وطبيبات النساء للاحتكاك بهذه الشريحة التي وإن تغيرت المفاهيم وتطورت التكنولوجيات لاتزال تمثل الأمومة التي تبقي نزعاتها ودفئها.
سعيدة، 42 سنة، سيدة متزوجة منذ 12 سنة، أم لبنت وولد، كانت معالم الألم والتعب بادية على وجهها الشاحب، الذي يعكس إلى حد بعيد المستوى العمري الذي وصلت إليه، الذي صار يشكل خطرا لامحالة عليها وعلى الجنين الذي في أحشائها، طيلة فترة مكوثها في العيادة كانت مضطربة وهي تفكر وتستغفر الله باستمرار، وكثيرا ما كانت تقطع خلوتها هذه لتتحدث مع سيدة في مثل عمرها تقريبا كانت تقاسمها الكرسي الحديدي المستند على الجدار الخارجي لقاعة الكشف، وفي محاولة للاقتراب منها، كانت تقول لرفيقتها: “أخشى ما أخشاه أن يكون جنيني أنثى، تعلمين.. هذا الحمل غلطة، وأنا جد قلقة لاسيما مع تنامي فرضية إصابته بمتلازمة داروين، تصوري لو كانت أنثى ! سأموت لا محالة”، وهذه كانت فرصتنا للانضمام للحديث، بعدما أقنعناها بأن كل ما يعطيه الله جميل، فقاطعتنا قائلة: “ستكون مشكلة كبيرة لو كان جنيني منغولي، والأخطر إن كانت فتاة، فزوجي رافض لفكرة الحمل تماما في مثل هذه السن، ومتخوفة من أن تكون أنثى”، وعما إذا كانت ستطّلع على جنس المولود أم لا تضيف: “زوجي في الغرفة الأخرى، الأكيد أنني لن أخضع لهذا الكشف وسأستمر برفض الفكرة، أحتاج للوقت، فهو يلعب دور المخدر الذي سأتوارى خلفه طيلة فترة حملي، إلى أن يفرجها الله من عنده”.
“أخشى غضب زوجي وعبوس وجهه بقدوم الرابعة”
بدت حكاية هذه المرأة وهواجسها مؤلمة، وتركت آثارها على وجوه الحاضرات، كما كانت الدافع وراء انطلاق عدة حكايات، كاشفة عن عدة رؤى ونفس المخاوف، من أن يكون جنس المولود أنثى، ومن بينهم السيدة سليمة، 38 سنة، دخلت القفص الذهبي منذ 8 سنوات، وتعيش حلاوة حملها الرابع: “زوجي يطالبني بمولود ذكر ويمنّي نفسه به منذ سنوات، أي قبل ميلاد ابنتي الكبرى نرجس، لدي ثلاث إناث، وهذا حملي الرابع، لا أخفي عليكم أنا جد متوجسة من عبوس وجه زوجي للمرة الرابعة.. أتذكر حينما قدمت ابنتي الثانية لميس إلى هذه الحياة، أقام الدنيا وأقعدها حينها وهو يتساءل لماذا لم يرزق بمولود ذكر، وحينما ولدت لنا لجين خاصمني لأكثر من 5 أشهر كما لو كان الذنب ذنبي، متأكدة أنني لن أحتمل هذه المرة كثيرا، والمؤكد أنني لن أتوق لمعرفة جنس المولود ككل مرة، أريد أن أحلم وأن أجعل زوجي يحلم معي حتى إنه لم يرافقني هذه المرة، ربما لأنه خائف مثلي، من أن يكون مولودنا الرابع أنثى، ولا أستطيع منحه الولد الذي ينتظره منذ سنوات”.
“أريد مزيدا من الوقت، لأضع زوجي أمام الأمر الواقع”
فريدة، 35 سنة، حامل في شهرها الخامس بمولودها الثاني، تقول: “رزقت قبل 6 سنوات ببنت، وهذا ثاني حمل لي، زوجي يمني نفسه بذكر يكون سندا له في الحياة ولشقيقته مروة، أردت بشدة أن أحقق أمله ولكني اكتشفت أن جنيني من جنس أنثى، أنا سعيدة جدا، كونها هبة من الله وإن وضعت مولودي هذا سيكون اسمها، لكني في نفس الوقت أريد مزيدا من الوقت وأريد الحفاظ على دفء بيتي، لا أستطيع تصور قدر الهم والحزن على وجه زوجي في حال ما إذا علم أن المولود المنتظر ما هو إلا أنثى، لهذا اتفقت مع طبيبتي كي لا تخبره، وسأسايره إلى غاية تمام التسعة أشهر وبعدها أتوقع أنه سينسى كل شيء ما إن يحمل مولودته الثانية، حيث يجد نفسه أمام الأمر الواقع”.
ترفض الكشف عن جنس المولود اتقاء لشتائم حماتها
إن كانت هذه الحالتان لزوجتين تخشيان من بطش زوجيهما، وتحاولان ربح الوقت، فقد التقينا خلال خرجتنا الميدانية هذه إلى أكثر من عيادة أمراض نساء وتوليد على مستوى العاصمة، بحالات لسيدات يخشين من حمواتهن، ومن غضبهن وشتائمهن التي لا تنتهي أبدا، ومن بينهن حالة كنزة، التي تزوجت قبل سنتين، التي تعاني الأمرين مع حماتها، التي هددتها هذه المرة بتزويج ابنها مرة ثانية إن هي رزقت مرة أخرى بمولود أنثى: “حماتي لا ترحمني، مولودتي الأولى كانت طفلة جميلة، وبصحة جيدة، ومع هذا أظهرت غضبها مني وسخطها على ابنتي منذ البداية، وما انفكت تطالبني بصبي يحفظ اسم زوجي، بالرغم من أن هذا الأخير لم يتحدث في الموضوع مطلقا ولم يبد أي تذمر، ومنذ علمت بحملي وهي تضايقني وتذكرني بأنه إذا ما رزقت بصبية ثانية ستعمل على تزويج زوجي مرة ثانية من امرأة تهبه غلاما، مادمت أم بنات، لهذا أنا متخوفة من إجراء الفحص الخاص بالتعرف على جنس المولود وأريد الأمر تقليديا حتى لا أصدم مبكرا وتتأثر نفسيتي، سأعيش مع حملي كيفما كان، وسأصبر لعلّ الله يقيني من بطشها ومما تخبئه لي الأيام”.
فترة الحمل لا تخلو من عنصري المفاجأة والتشويق
نسيمة سيدة في بداية عقدها الثالث، تنتظر مولودها الأول بشوق كبير، كانت جد متحمسة للفكرة، هي وزوجها الذي لم يشأ مفارقتها وكان كل مرة يطمئن عليها داخل قاعة الانتظار ويسألها إن كانت بحاجة إلى شيء ما، أو ينقصها شيء ما، وهذا ما شجعنا لسؤالها عما إذا خضعت لفحص الكشف عن جنس المولود أم لا، فقالت: “ما يرزقنا الله به نعمة، لا أريد أن أعرف جنس مولودي الآن، أريد لفّ الموضوع بنوع من التشويق، حتى ننتظره كلانا بترقب ومعنا كافة الذين يحبوننا، وصراحة أنا لا أعرف ماذا يحب زوجي ذكرا أم أنثى، لهذا فضّلت أن أنتظر تسعة أشهر، إلى حين يحين الوضع حتى أعرف ماذا أحمل في أحشائي، فالمهم الآن هو أن يكون الجنين بصحة جيدة لا غير، والباقي سنتركه مفاجأة لنا وللجميع إن شاء الله”.
وتوافقها الرأي السيدة نعيمة، التي بدت متحمسة للموضوع وأكدت في سياق كلامها أنها والدة لبنتين وولد، وهذا حملها الرابع، وأن زوجها يتمنى أن يكون جنس المولود ذكرا حتى يكون سندا لشقيقه ويؤنسه، مشيرة إلى أنه من الممكن جدا أن يحزن في حال رزق بمولود أنثى أخرى، ليس كرها فيهن ولكن خوفا على مستقبلهن في حال لم تسعفهن الأقدار: “أريد أن يقاسمني زوجي عمر حملي لحظة بلحظة حتى يرأف بي بعد الولادة ولا يصدم إن كان جنس المولود أنثى، فالمهم عندي أن يكون مولودي بصحة جيدة، فهذه وحدها نعمة لا تعوض”.
يبتهجون للإناث ويعبسون للذكور
صادف أن التقينا في هذه الجولة الاستطلاعية عددا من الأزواج الذين كانوا بصحبة زوجاتهم، إما ضمانا لوسيلة النقل أو الإطلاع على صحة المولود أو مساندة الزوجة في إحدى أهم خطوات حملها، الذين اتفقوا على أنهم يفضلون الإناث على الذكور، لما يصاحبهن من رزق وبركة في المال والحلال، ومن بين هؤلاء السيد محمد، الذي جاء بصحبة زوجته للإطلاع على صحة المولود فقط، والذي تمنى لو يكون فتاة: “أمنيتي أن يرزقنا الله بفتاة، ستأتي وسيأتي رزقها معها، وستبهجنا”، وعن السبب يضيف: “الفتيات هبة من الله، فهي ستكون ونيسة لنا وستكون أما في المستقبل وسنستمتع بتعليمها، كما أنها ستبقى معنا أطول مدة ممكنة بعكس الصبيان الذين تتعبنا تربيتهم وسريعا ما يطيرون خارج العش”، وهو نفس الرأي تقريبا الذي رسا عنده عبد الله: “نحن ننتظر لمعرفة جنس المولود، فلقد بلغ حمل زوجتي خمسة أشهر، والفحص ممكن وسيعطي نتائجه، لا يمكنكم تصور مدى فرحتي إن كان المولود أنثى، أتشوّق لميلادها ولحملها ولتربيتها، يقولون أن الفتاة صديقة والدها، أنا بانتظار صديقتي، وسأحزن فعلا لو كان مولودي الأول ذكرا”، وفي رأيه حول الذين يجافون زوجاتهم ويغضبون أو قد يطلقنهم في حال حملهن بإناث يقول: “هذه قمة الجهل، فكل شيء بيد الله، وكشف العلم مسؤولية الزوج فيما تحمل به زوجته، الإنجاب نعمة من الله، والأنثى مثل الذكر وربما أحسن قليلا، لهذا على العبد أن يشكر ربه على النعم ويفرح، لأنه سيكون والدا لفتاة”.
أزواج لا فرق عندهم في جنس المولود
وبين هؤلاء وأولئك، التقينا بأزواج لا يشكل جنس المولود عندهم أدنى فرق، فالمهم هو التمتع بنعمة الإنجاب، والشعور بنعمة الأبوة التي حرم منها كثيرون، وهذا كان رأي السيد بلقاسم، الذي كان ينتظر مولوده الثاني، بعدما كانت الأولى أنثى، تبلغ الآن من العمر 4 سنوات: “لايهمني جنس المولود، فالمهم أن يكون بصحة جيدة، ولهذا أنا ضد خضوع زوجتي للكشف بجهاز التعرف على جنس المولود، أريد أن نكتشفه معا لحظة ميلاده”، أما السيد فريد، فيضيف: “كل ما يرزقنا به الله خير، المهم أن يكون بصحة جيدة وأن نحسن تربيته فيما بعد، لا فرق لدي إن كان مولودي فتاة أو ذكرا بقدر ما تهمني صحة زوجتي ومولودي، وان شاء الله خير للجميع وبشرى لجميع الآباء بما تحمله زوجاتهم”.
قابلات وطبيبات يحاولن التقليص من حجم الخسائر
كشفت القابلة “سليماني.ح”، عن حالات عدة تصادفها يوميا لزوجات يخشين على أنفسهن من بطش أزواجهن، في حال ما إذا كان الجنين أنثى: “نساء كثيرات فتحن قلوبهن لي، يحكين لي ما يعانينه طيلة فترة الحمل، لهذا السبب يرفضن الكشف عن جنس أجنتهن، وهناك من يعرفن ويطلبن مني التستر على الأمر، حفاظا على صحتهن وصحة أجنتهن وكذا على بيوتهن، ولا أخفي عليكم فمرات عديدة تواطأت معهن، لكن في الخير، ففي رأيي ليس المهم جنس المولود وإنما حالته الصحية وصحة والدته”، وعما إذا كانت تستذكر حالة ما، تجيب: “هناك سيدة حامل، ترددت عليّ قبل 3 سنوات تقريبا، لا يمكنني نسيان الإرهاب الذي كانت تعيشه مع زوجها الذي كان يهددها بالتطليق إذا ما أنجبت له فتاة رابعة، وأذكر كيف أنه طلقها أمام الحضور داخل عيادتي، بعد ما أرغمها للكشف على جنس المولود بحضور والدته، التي نقلت إليه الخبر، وكيف أنه خرج مرفوقا بوالدته وتركها تنتحب، لايمكنني نسيان الموقف، لا دموعها ولا جهله”.
* منقول عن الشروق العربي