-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
"الشروق" تتجول بسجن "بوكعبن" حيث ينتهي الشر وتبدأ بذور الخير

سجناء يستصلحون الأراضي البور وينتجون التفاح وزيوت الزيتون

الطاهر حليسي
  • 2362
  • 0
سجناء يستصلحون الأراضي البور وينتجون التفاح وزيوت الزيتون
ح.م

قبل 2012، لم تكن تلك الأرض الواقعة ببوكعبن، التابعة لبلدية وادي الشعبة دائرة باتنة، شيئا يذكر، قبل أن يتم زرع لبنة مؤسسة البيئة المفتوحة، التابعة لوزارة العدل التي فضلت أن تمنحها اسما مؤنسنا ومحسنا بدل السجن.
تلك اللبنة صارت في غضون أعوام مزرعة كبيرة، تنتج الغلال المختلفة من عنب وتفاح وزيتون، لا بل زيت زيتون يباع في الأسواق، ثم صارت تضم مدجنة للدجاج البيوض، وزريبة لتربية الأغنام ومنطقة لتربية المائيات.

127 سجين يستصلحون 20 هكتارا
في مبنى الهيكل الرئيس لمؤسسة البيئة المفتوحة، يعمل 49 موظفا من مختلف الرتب، وهم يشرفون على نزلاء من نوع خاص، قضوا فترات من العقوبة النهائية ولم يتبق لهم غير عامين أو أقل، يؤتى بهم إلى هنا، وفق معايير وشروط، أوجزها، السيد مصطفى بن عنان النائب العام لدى مجلس قضاء باتنة بالقول: “يستفيد من البيئة المفتوحة سجناء، يخضعون لموافقة لجنة خاصة، فيها قاضي تطبيق العقوبات، وتتكون من موظفين وأطباء نفسانيين، يفتون في أهلية من ينضم إليها، وفق شروط محددة منها أن يكونوا محل أحكام نهائية، ولم تتبق لهم غير فترة تقل عن العامين فالعام، أو ثلث العقوبة، شريطة أن يتميزوا بحسن السلوك والسيرة الطيبة، وألا يكونوا متورطين في جرائم خطيرة، وأن يُبدوا الرغبة في التكوين والتعلم”.
وفعلا يضم مركز البيئة المفتوحة حسب ما يضيفه مديرها السيد علي طالح: “يبلغ عدد المحبوسين المشغلين للسنة الجارية، 127 سجين، أما المسجونون المكونون خلال السنة فبلغ حسب التسجيلات الأولية، 25 مسجلا، وبين هؤلاء 15 في مجال التأهيل، و10 في إطار التمهين، فيما يزاول 11 سجينا تعليمهم للسنة الجارية 2022/2023، في مختلف الأطوار الدراسية. أما التخصصات التي يمارسها هؤلاء فهي غراسة الأشجار المثمرة والبستنة وتربية الدجاج البيوض، بإشراف من مختصين ومهندسين، فيما تتم تربية المواشي برعاية راع مختص في المجال، يضمن خرجات الكلأ في تخوم المؤسسة”.

6000 شجرة مثمرة وزيت زيتون بسعر في المتناول
يخفي هيكل المؤسسة العقابية المتربع على مساحة 25 هكتارا، أسراره الكبرى خلف البناية الرئيسية، حيث تقع مساحات شاسعة من 20 هكتارا، كانت بورا، بيد أنها صارت منذ العام 2012 بساتين وحقولا غناء ومنتجة، للتفاح بأنواعه القولدن والروايال وستار كريمسون، وعرائش العنب، والتين والكرز، والبرقوق والإجاص والرمان والزعرور، لتبلغ اليوم ورشة الفلاحة مستوى حظيرة تتكون من أكثر من 6000 شجرة مثمرة، تسقى عبر ثلاثة آبار ارتوازية، أضيف لها حوض متخصص في تربية الأسماك والمائيات، لكن المؤسسة في حاجة لتدعيم ببئر آخر لتطوير الأداء. أداء أقل ما يقال عنه إنه مبهر على الصعيدين المعنوي والإنتاجي، أعطت فيه تلك الأرض الطينية الكلسية، السنة الفارطة في شعبة التفاح ما يفوق 150 قنطار، فيما أنتجت أشجار الزيتون 2000 لتر، سوّق بعضه في زجاجات ذات توضيب جيد، للمواطنين بسعر رمزي بلغ 700 دج، ولقي استحسان المستهلكين نظرا لجودته وطبيعته “البيو”، أما التفاح فيتم تخزينه في غرفة تبريد خاصة بالمؤسسة أملا في تسويقه وفق أسعار تنافسية تحقق الربحية المطلوبة بعد كد سنوات طويلة.

10000 بيضة وراع مرافق لجولات الرعي اليومية
لا تتوقف المفاجآت هنا، فبين أشجار الزيتون والعنب وبساتين الورد، نعم الورد، مرآب كبير، مجهز بكافة الوسائل الضوئية والحرارية، لا يدخله الموظفون سوى بحذر، فكل حركة إزعاج وضوضاء قد تؤثر على قرابة 10000 دجاجة تنتج 10000 بيضة يوميا، يشرف عليها مختصون وسجناء، فضلوا المهنة تحسبا لموعد الخروج من المؤسسة، وغير بعيد عنها تقع زريبة لتربية المواشي، تضم 234 رأس من الخرفان والماعز، يحرص على رعايتها نزلاء يؤطرهم راع مختص، يلقنهم كيفيات الأعلاف والتربية، ويعلمهم طرق الرعي في التخوم المجاورة للمؤسسة وهي هضاب وتلال عشبية ممتدة، وهذه الخرجات الميدانية مفيدة لنوعية اللحوم، حيث يكشف أحدهم المغزى بقوله: “يساهم في تجويد اللحم وتذويب الكتل الشحمية، تحرق الخرفان الدسم بالمشي وحرق السعرات مثلها مثل هواة المشي”.

نزلاء يصرحون: قررنا البدء في بناء مستقبلنا اليوم تحسبا للغد
خلال اقتراب الشروق اليومي، من بعض النزلاء، أثناء حملة جني الزيتون الخريفية، المنظمة، كان لها حديث مع أحدهم وهو موظف سابق في مؤسسة عمومية وجد نفسه سجينا في المؤسسة العقابية بتازلت – لامبيز سابقا ـ وبعقوبة 7 سنوات سجنا، جرّاء تورطه في قضية تحت مبرر الدفاع عن شرف شقيقته، ثم قرر أن يغتنم فرصة حياة جديدة في مؤسسة البيئة المفتوحة، بعد استيفاء الشروط اللازمة خاصة حسن السيرة، فتعلم تقنيات فلاحية في غراسة الأشجار المثمرة، على أمل أن يطبق ما تعلمه هنا في حياته العملية بعد الخروج من المؤسسة، حيث ينوي حسب آليات المرافقة التي تضمنها المصالح الخارجية لإعادة الإدماج، المنتشرة عبر 33 ولاية، بالتنسيق مع وكالات التشغيل، تدبير قرض يمكنه من الاستثمار لاحقا.
وتمنح لهؤلاء شهادات تأهيل مصادق عليها من طرف التكوين المهني، وتتسم هذه الشهادات بالعمومية، المحافظة على المعلومات السرية للسجين فلا تذكرها، ما يتيح له الاستفادة والاندماج المهني والاجتماعي دونما حرج السوابق”، ولا يختلف عنه زميله الذي كشف للشروق: “أقيم في بسكرة وقد طلبت الاستفادة من فرصة البيئة المفتوحة كي أتعلم الفلاحة، أنا قادم من بيئة فلاحية فرغبت أن أتعلم تقنيات غراسة التفاح كي أنفذ مشروعا لي في بسكرة التي لا تعرف نوع هذه الزراعة”.

يتلقون منحا شهرية ويدرون أموالا على الخزينة
وعلاوة على الإنتاج الفلاحي، الذي يموّن مختلف المؤسسات العقابية، بالمواد الفلاحية والصناعية والخدمية، ويقلص حاجتها لهذه المنتجات، يساهم، أيضا، في تدعيم خزينة الدولة بإيرادات مالية نظير البيع في الأسواق. تسمح هذه الطريقة التجارية للهيئة المشرفة على 26 مؤسسة للبيئة المفتوحة على المستوى الوطني، والمسماة، الديوان الوطني للأشغال التربوية والتمهين، التابعة للمديرية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، لدى وزارة العدل، بالاستثمار في الأنشطة الفلاحية وتشغيل نزلاء مؤسسات البيئة المفتوحة، في تحصيل مبالغ مالية لصالح الدولة، كما تساعدها في بعث استثمارات جديدة، كما تتكفل بمنح النزلاء المشغلين منحا تتراوح ما بين 250 دج إلى 300 دج يوميا، بحسب كمية ونوعية العمل، ما يتيح لهؤلاء مبالغ تتراوح عموما بين 4000 و5000 دج شهريا، تساعدهم على التكفل بحاجياتهم اليومية، غير أن المكسب المادي يعتبر ثانويا، أمام تحصيل خبرة وشهادة معترف بها، والأكثر من ذلك، أن يتمتع السجين القادم من بيئة مغلقة براحة نفسية في البيئة المفتوحة المتوفرة على قاعدة حياة ومهاجع وقاعات رياضة.
والأهم من كل هذا وذاك هو ذلك التغيير المعنوي، الذي يكتسبه النزيل، الذي يتعلم الإيجابية، وينقلها للآخرين لارتقائه الروحي من مصنف في خانة الإجرام إلى إنسان منتج لقيمة مضافة، ليبدأ حياة جديدة تاركا وراءه صدقة جارية، بعدما أبلت يداه البلاء الحسن في الغراسة ما يفيد البشر، كما لو أنهم قرروا دفن ساطور الشرّ، لصالح غراسة ما يفيد البشر.
يقول عبد الغني عميار، المدير الفرعي للتكوين وتشغيل المساجين بالمديرية العامة لإدارة السجون، بأن سجناء البيئة المفتوحة، استصلحوا 900 هكتار من الأراضي الجرداء، وغرسوا 100000 شجرة مثمرة في السنوات الأخيرة.
ونحن نغادر هذا السجن أو المؤسسة البيئية المفتوحة، بعد حياة قصيرة جمعتنا مع النزلاء، كنا كمن يخرج من مزرعة نموذجية ناجحة، أو مصنع استثماري عملاق، لا فرق بين هذا وذاك، بل ونكاد نجزم بأن ما شاهدناه من إصرار على النجاح ومن ثمار فاق ما نشاهده في عالم الحرية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!