-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

سجينات الدفتر العائلي .. حاضرنا ميّت ومستقبلنا مجهول

نادية شريف
  • 5611
  • 1
سجينات الدفتر العائلي .. حاضرنا ميّت ومستقبلنا مجهول
ح/م

يحمل مجتمعنا المحافظ وسط طياته حكايات تعكس أشكالا متفاوتة للعنف الممارس ضد المرأة، سواء كان لفظيا، جسديا، وحتى نفسيا، ضاربين عرض الحائط بكل وصايا ديننا السمح التي يوصي بها خيرا، هذه الوصايا التي وثّقت بآيات وأحاديث نبوية شريفة، تحفظ للمرأة كرامتها وتحملها إلى مصاف الدّرر، فالشارع الجزائري يروي حكايات لسيدات ذبلن وهن ينتظرن أزواجهن بعدما أدخلن عنوة في خانة “المعلقات”، من باب أنهن متزوجات بدفاتر عائلية فقط، فلا هنّ متزوجات ولا هنّ مطلقات، وبين الحالتين أشواط طويلة من العذاب والتهكمات والمضايقات، وهن أكيد قاب قوسين أو أدنى من بؤر الانحراف الأخلاقي.

التقينا بعضهن، كن يبكين وهن يعدّدن أمامنا مختلف أوجه العذاب والحرمان المادي والعاطفي والجسدي، فمنهن من علّقت قضيتها في المحاكم، ومنهن من علقت في منزل زوج هجرها، عاجزات عن مواصلة حياتهن، لأنهن لسن زوجات ولا مطلقات، ونحن بدورنا ننقل إليكم معاناتهن على ألسنتهن، حيث توصلنا إلى أنهن يعشن ظروفا اجتماعية واقتصادية مزرية، وسيئة للغاية، فالمطلقة بإمكانها البدء من جديد، إلا إذا هي أرادت التحصن ورعاية أبنائها والعمل عليهم لحين بلوغهم السن القانونية، غير أنّ المعلقة عالقة في الظلمة، فليس بإمكانها الخروج للعمل كونها في رقبة رجل، ومخالفته دينيا إثم كبير، ولا يمكنها الزواج مرة ثانية كونها على ذمة رجل في الأصل، ما يعجل بحلول فصل الخريف على حياتها، التي ضاعت أو تضيع بسبب جبروت ذكر ما، يختفي خلف عباءة الرجولة، لأسباب قاهرة أو مصطنعة في الغالب.

وفي الموضوع تقول السيدة فريدة، معلقة منذ مدة: “لم أعد أعبأ بنظرة المجتمع، فأنا لست مسؤولة عما أنا عليه، وضعي المادي مترد، ولا أستطيع طلب مصاريفي من أهلي فهم زوجوني ليتخلصوا من طلباتي المادية التي زادت عما كانت عليه حينما كنت عزباء”، بينما ذهبت سيدة أخرى لأبعد من هذا: “ما ذنبنا! والله تضايقني وبشدة نظرة العداء والشك المتواصل التي يرمقني بها بعض الأفراد من هنا وهناك، فالجميع يصنفك كبؤرة فساد أو فيروس أخلاقي خطير، لسنا جميعا سواء وكل واحدة وظروفها، ولا يمكن لومي وتحميلي المسؤولية الأخلاقية إن غيري أخطأت في هذا الباب”.

فيما فضلت أخرى الحديث عن تبعات هذا الأمر النفسية: “ما يهم عن حق هو الحالة النفسية التي نكون فيها، الله أعلم بنا، تصوري أن تتزوجي ويهجرك زوجك ويرفض تطليقك لسبب من الأسباب، هذا ظلم وجور، أنا شخصيا مررت بتجربة مؤلمة جدا، فقدت ثقتي بنفسي وبمن يحيطون بي وتقوقعت على نفسي، حتى أن المستقبل لايزال يشكل وحشا ضاريا بالنسبة ليّ، فإلى غاية اليوم ومنذ 5 سنوات كاملة لم أحصل بعد على الخلاص، ولو أن القانون يقول بأن المعلّقة بإمكانها التطليق من زوجها بعد مرور خمس سنوات ويوم، ولكن تعرفون بطء الإجراءات القانونية”.

ولأن الحال من بعضه كما يقولون تتأسف أخرى: “الظلم ظلمات يوم القيامة، تصوري أنك مقيدة بدون حرية، فأنت على ذمة رجل، شرعا وقانونا وإن كان نكرة وغير مسؤول، فليس بإمكانك الخروج للعمل، وليس بإمكانك البدء من جديد، كل ما يمكنك فعله هو الوقوف والتفرج على وريقات عمرك القصير وهي تسقط واحدة تلو الأخرى، وقد تموتين وأنت على عصمته، ففي حالتي مثلا، زوجي هجرني لأجل أخرى، ونكالا بي يرفض تطليقي منذ عدة سنوات، ربما ينتظر مني خطوة ما”، وفي رد لها عن عدم لجوئها للخلع، تقول: “يا ريت كان بيدي، فأحوال أهلي المادية على قد الحال، وأنا توقفت عن عملي منذ خطوبتي عليه، لهذا فلا أمل لي بالخلاص إلا إذا وافقت المحكمة على ذلك”.

وجاء اهتمام سيدة أخرى معلقة صادفناها ببهو محكمة الحراش بالمجتمع: “مجتمعنا غير واع تماما، فالزوجة ليست هي المتسببة في وضعها كمعلقة بالضرورة، وليست كل معلقة عرضة للانحراف الأخلاقي”. وتوضح أخرى متزوجة من ابن منطقتها: “غادر زوجي إلى فرنسا للعمل ولم يعد، طالبته بالطلاق فتجاهلني، وقطع كل وسائل الاتصال بيننا، صرت منبوذة وسط عائلته، والتي تعيرني بوضعي وتدعوني باستمرار للخروج من بيتها، وكنت سأفعل لو لم أرزق منه ببنتين”.

أما نادية المعلقة منذ عشر سنوات وأم لثلاثة أطفال فتروي قصتها قائلة: “زواجي كان فاشلا منذ البداية، ولكن والدتي كانت تدعوني للتحمل والصبر، هي قوتي اليومي حتى نفد الصبر.لم أتحمل تصرفاته ولا سلوكياته فطلبت الطلاق ولكنه رفض، ما جعلني أنتقل للعيش رفقة أبنائي في منزل للكراء وكلي إصرار على تطلقيه يوما، خاصة وأنني مرتاحة ماديا وأعيل أطفالي من وظيفتي التي رفضت التخلي عنها قبل الزواج، لأجل هذا رفعت شكوى ضده أمام المحكمة، التي لم يستجب لها ولا مرة، والآن أمامي عام واحد أخير للانتظار، قبل أن أتحرر”. 

الموت والدعارة أهون من حياة ناقصة  !

“نوال” سيدة شابة، أفنت شبابها وحيدة، بعدما عادت إلى منزل والديها جارّة معها طفلة: “قضيتي تعود لـ2010، حيث غادر زوجي البيت باتجاه الجنوب، تاركا إياي دون معيل أو نفقة أو دخل، ولم يسأل عنا حتى، ما اضطرني إلى طلبه أمام القاضي، ومع هذا لم يحضر، ولأني تمسكت بحقي في الحياة تم تطليقي منه غيابيا، وأنا اليوم أعيش رفقة ابنتي الصغيرة التي لا تعرف من أبيها غير الاسم وبضع صور”. وهنا كذلك فئة اختارت طريق التسول والدعارة، كسيدة لم تكن تملك قوت يومها والتي قالت: “تزوجت من رجل جعلني أفارق مدينتي وأهلي لأجله، لكن بعد 6 أشهر زواج هجرني، وتركني بلا معيل في بيت مستأجر، ما جعل صاحب البيت يطردني، فلم أجد أمامي في البداية غير التسول، وسرعان ما اندمجت في حياة المجون واحترفت الدعارة، عن طوع، لأعيل نفسي، لقد تحولت إلى امرأة ساقطة، تسد رمقها من الحرام، ولازلت أقصد المحكمة للطلاق منه، لكنهم لم يجدوا له عنوانا، أطلب الصفح من ربي، فحياتي بسببه كلها صارت حراما في حرام”.

الأمراض والتفكك الأسري

تقول الأخصائية النفسية فريدة راحم، أن نساء هذه الفئة محرومات عاطفيا وجنسيا: “تعاني الزوجة المعلقة الأمرين، سواء على الصعيد النفسي، العاطفي والجنسي كذلك، وإضافة إلى هذا تجد نفسها في مجابهة مسؤولية الأولاد إن وجدوا، ولأن نفسيتها ستضعف فهي معرضة لعدة أمراض، منها: الاكتئاب، التوتر، النسيان، المخاوف المرضية، اضطرابات في الجهاز المعوي، اضطرابات تنفسية وضغط الدم.

بينما يرجع الأستاذ محمد سلامي، مختص في علم الاجتماع أسباب هذه الظاهرة إلى تهرب الأزواج من تحمل المسؤولية وأعباء الأسرة لاسيما المادية منها، مما يؤدي إلى التفكك الأسري، ضف إلى هذا العولمة التي غيّرت الكثير في مجتمعنا وتأثيرات الانفتاح الإعلامي على مختلف الفضائيات التي باتت تسوق لفكر جديد ولنمط معيشي معين، لا يأبه بالترابط الأسري ولا بالإطار المعنوي لها، فتجد الزوج يفر من هنا ليتزوج هناك ويواصل حياته وهكذا.

من حق الزوجة الاستفادة من الطلاق الغيابي أو الخلع

في الشق القانوني، توضح الأستاذة لملوم فاطمة الزهراء أن: “في القانون الجزائري عدة ثغرات قانونية في هذا الباب، تسمح للزوج بالتملص من مسؤوليته الكاملة إزاء زوجته، ما يجعلها تسارع لرفع شكوى ضده ومن ثمة تثبيت قضية الطلاق، لتنهي مأساتها من جهة، ولتبدأ حياة جديدة من جهة أخرى، ويحق لها قانونا الاستفادة من الطلاق الغيابي، كما بإمكانها اللجوء إلى الخلع، وهو مخول لها قانونا، مستدلة بالضررين المعنوي والمادي اللذين يلحقان بها، وفي مثل هذه الحالات، ترفع قضية على زوجها للانفصال عنه للضرر، سواء كان هجرها، غاب عنها، سجن أو امتنع عن الإنفاق عليها، أو في حال ارتداده عن الدين الإسلامي، ومن جلسة إلى أربع جلسات وقد تزيد، ينظر القاضي في القضية من كافة جوانبها، ثم يحكم فيها.

وعن الأسباب التي تجعل السيدة تنتظر أكثر من خمس سنوات حتى تطلب الطلاق تضيف: “هناك سيدات يتحاشين نظرة المجتمع لهن وأخريات يخشون أبناءهن، لكن إذا ما تعلق الأمر بالمصالح فهنا تطلب الطلاق، إما قصد إعادة حياتها من زوج آخر، ومرت عليّ حالة استفاد الزوج من سكن اجتماعي، ولأن الزوج كان غائبا، وأهمل زوجته، رفعت ضده قضية تطليق غيابي حتى لا يشاركها في المسكن الاجتماعي الذي ظفرت به”.

الزوجة من حقها طلب الطلاق شرعا بعد أربعة أشهر إهمال

يقول الشيخ عبد الكريم غول، إمام وخطيب، أن: “الزوجة من حقها شرعا طلب الطلاق، بعد إمهال زوجها ونفسها مهلة أربعة أشهر، فإما أن يعود وإما أن تطلق منه غيابيا، فالإهمال شرعا عند الله حرام، استنادا إلى قوله صلى الله: “كفى بالمرء إثما أن يضيّع من يعول”، ووصية الله بالإحسان للإنسان ومعها قول خير خلق الله تعالى، صلاة الله وسلامه عليه: “خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي”، فحسن الأخلاق والمعاملة والمعاشرة هو مقياس أخلاق الرجل، كما أن المرأة تحتاج للرعاية النفسية والعاطفية لزوجها وهي تقدمها على الرعاية المادية، وعليه أقول أن كل زوج أهمل زوجته لفترة معينة تفوق الأربعة أشهر هو آثم وجائر، والظالم ظلمه يكون ظلمات يوم القيامة، وكل راع مسؤول على رعيته أمام الله يوم الحساب، فالمسؤولية ليست شرفا ولا منزلة وإنما ستجعله يحاسب يوم العقاب”، خاتما مداخلته بأن: “الزوجة المهملة أو المعلّقة يخول لها الشرع طلب الطلاق أو الخلع بسبب الأضرار، فلا ضرر ولا ضرار في الإسلام، وأمامها إما الخلع أو برفع دعوى طلاق أمام العدالة، وتحسب عدتها بداية من تاريخ النطق بالحكم”.

كلمة لابد منها:

 في ظل غياب الإحصائيات الدقيقة – كون هناك معلقات لم يخرجن عن صمتهن ولم يطالبن بحقهن- يشير قضائيون لارتفاع محسوس في عددهن خلال السنوات العشر الأخيرة، معتمدين في هذا على عدد قضايا الطلاق الغيابي المسجلة لدى مختلف المجالس القضائية والمحاكم، ويبقى السؤال المطروح إلى من يرجع الذنب في كل هذا، إلى القانون أم إلى الزوج أم إلى العرف؟.


* نقلا عن مجلة الشروق العربي 

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • ضياء الشروق

    لطلما كان الزواج الحلم الجميل ولكن الرجل الذين لا يتقون الله في النساء اصبحا كابوسا الطف بنا يارب