سعدي.. وبراميل الكبريت
بسيطة ومقدور عليها مطالب الجزائريين التي يخرج الشباب أحيانا ليحرق من أجلها الأخضر واليابس، ويضطر أحيانا بعض اليائسين إلى حرق أنفسهم في الساحات العامة.
-
ولو أن الحكومة تنبهت إلى تلك البساطة التي تجعل شبابنا يغلي مثل البركان، لاكتشفت أن اجتماعا واحدا من اجتماعاتها الدورية كفيل بحل كل مشاكل البلد، وليس فقط مشاكل الشباب، بالنظر إلى مخزون الخيرات التي تنام عليه البلاد، ولم تعد تخفى على أحد في الداخل والخارج، لاكتشفت الحكومة أيضا أن ما تصرفه لتشغيل وتسكين المحتجين سيكون أقل بكثير من الذي تصرفه لإزالة الخراب وإعادة بناء ما يدمره المحتجون أو التعويضات التي تصرفها للمتضررين من أعمال الشغب والنهب، وكلها أموال تذهب في مهب الريح والشباب البطال أولى بها.
-
مشكلة الشباب عندنا قبل أن تكون البطالة والسكن، هي أنه لا يجد من يستوعبه ويستمع إليه من المسؤولين، لا في البلدية ولا في الولاية ولا في أي جهاز إداري للدولة، بل انطبع في ذهنية الناس تلك الهالة البيروقراطية التي تهيمن على جل أجهزة الدولة، حتى أن المسؤولين الذين يفترض أنهم في خدمة المواطنين لا يجدون حرجا في تحديد يومين فقط لاستقبالهم، أما باقي أيام الأسبوع فهي للاجتماعات الفارغة وللمصالح الشخصية الضيقة ولكم هائل من الجلسات التافهة ولقاءات الأحباب والمقربين.. حتى أن الواحد منهم قد يقضي أربع ساعات أو تزيد يداعب زميله في الشغل أو يمازح سكرتيرته، ولا يجد ربع ساعة فقط ليمسح دموع أرملة استجارت به أو معوق لجأ إليه أو يرد مظلمة مواطن مغبون سدت في وجهه الأبواب والنوافد.
-
نقول هذا الكلام لأننا لا نريد لأحد مثل سعيد سعدي، مع احترامنا لشخصه ولمساره النضالي، أن يستغل غليان الشباب ويصادر مشاكلهم ليحولها إلى مطالب سياسية بعيدة كل البعد عن انشغالات المواطنين، فالرجل كانت تربطه يوما ما توأمة مع حزب الرئيس التونسي الهارب “الآر سي دي” وحضر الكثير من احتفالاته السنوية، ثم يأتي اليوم لينادي بثورة في الشارع على شاكلة تلك التي حدثت في تونس، متوهما أنه يستكمل نضال العلمانيين واليساريين الذين يعتقد أنهم يقفون وراء ثورة الشارع التونسي، لا نريد لهذا ولا لغيره أن يحول غليانا اجتماعيا مشروعا إلى براميل كبريت، يمكن أن تنفجر لا قدر الله في وجوه الجميع.
-
عندما يسافر الجزائريون إلى الخارج يصدمهم سؤال كبير وبسيط في نفس الوقت، هو كيف تنام الجزائر على خيرات لا منتهى لها، وشعبها يعاني الفقر والحرمان وأغلبية ساحقة من شبابها بطال، والحقيقة أن أي جزائري مهما أوتي من عبقرية لا يستطيع الجواب عن هكذا سؤال مهما كان قربه أو بعده من السلطة، وهي المعضلة التي ينبغي على الحكومة أن تفككها قبل أن تكبر ككرة الثلج وتدهس في طريقها الأخضر واليابس..
-
ماذا يعني في منطق دولة غنية مثل الجزائر أن توفر مليون سكن ومليوني منصب شغل، وتنهي ثورة البطاليين التي ترهن البلد وتنغص على الجزائريين حياتهم، فمنظر العائلات وهي تكدس المؤونة خشية اندلاع أحداث الشغب في أي لحظة، تجعلنا نتشاءم من مستقبل الأمن الاجتماعي في بلادنا إذا لم تسارع الحكومة الى استجماع طاقة البلد وإمكاناته لاحتواء طلباته البسيطة، لكن مخاطره قد تنسف الكثير من المكتسبات وتثقل كاهلنا بالمزيد من الأزمات.