الرأي

سلمولي على الربيع العربي!

محمد يعقوبي
  • 4982
  • 20

لا أظن أحدا يفهم ويفسر لنا ذلك الصعود الصاروخي لمرشح فلول النظام المصري السابق، أحمد شفيق، مثل الشعب المصري نفسه الذي عاش الاستبداد، ليس فقط في عهد مبارك، بل على مدار 60 سنة من الحكم الشمولي، وعاش الثورة بما تحكمه من زخم وألم وأمل، وعاش أيضا الفوضى بما حملته على مصر من خراب وإجرام وتدهور وفقر وبطالة وتصفية حسابات.

وكلها مظاهر عشناها ونعيشها منذ سقوط أغبى رئيس في العالم، حسني مبارك، وهو ما عكّر على المصريين حياتهم اليومية، وأفقدهم نعمتي الأمن والغذاء، لأن أحدا لا ينكر حالة البؤس والشقاء التي يعيشها أشقاؤنا في انتظار حصاد الثورة الذي لم يأت، وحلت محله هزات ارتدادية قفزت بالديْن المصري العام من 741 مليار جنيه إلى 758 مليار جنيه، وأن عائدات السياحة هوت من 41 مليار دولار إلى مليارين، وأكثر من 1500 مصنع قد أغلق أبوابه وسرّح عمالة إلى غير رجعة.. وهي نتائج باهظة الثمن ومقدور عليها لو أن ”الثوار”، أو لنقل من حلوا محل نظام مبارك، من سلطات وأحزاب ونخب، استطاعوا أن يسيطروا على الوضع، ويحافظوا ـ على الأقل ـ على أمن المواطن المصري في نفسه وشرفه وممتلكاته، لكن ذلك لم يحصل، وظلت تضحيات الثورة المصرية عرضة للهدر والتسفيه والردة.

بِمَ نفسر صعود أحمد شفيق ملاحقا لمرشح الإخوان محمد مرسي؟ إلا من خلال حالة الإحباط التي عليها قطاعات عريضة من الشعب المصري، جرّاء عدم الوصول إلى نتيجة بعد تضحيات شباب 25 يناير، أليس هذا الالتفاف حول مرشح الفلول أحمد شفيق هو بطريقة ما حنينا لعهد مبارك؟ أو لنقل حنينا لحالة الأمن والاستقرار التي كانت في عهد مبارك، ولو بالقبضة الحديدية؟

أليس التصويت المكثف على أحمد شفيق هو موقفا واضحا وصريحا من طرف ملايين المصريين بأنهم ليسوا على توافق تام مع ”الثورة والثوار”؟.. ألا يمثل ذلك وجها خفيا من الوجوه التي غطتها الثوة المصرية بزخمها وتضحياتها وشعاراتها.. قد يكون جميع مرتادي ميدان التحرير لا يزيدون عن بعض المسيرات المليونية، في شعب تعداد سكانه يفوق ٠٨ مليون نسمة، ولا يمكن لميدان ـ على قداسته ورمزيته ـ أن يكون نبضا حقيقيا لكل تيارات الشعب، وبحساب أدق: الذين صوتوا لشفيق هم ملايين المصريين، لكن الذين اعتصموا ويعتصمون في ميدان التحرير، قد لا يزيدون عن مليون مصري، وهو ليس انتقاصا أبدا من عظمة الثورة المصرية، لكنها أسئلة منطقية، فرضها التصويت المكثف على أحمد شفيق أحد رموز نظام مبارك، وإنه من غير اللباقة أن يخرج السلفيون أو الإخوان، أمس، ليتهموا ملايين المصريين الذين صوتوا على شفيق بالخيانة،لأن شيئا ما حرّك هذه الجماهير في الاتجاه المعاكس للثورة، حتى وإن كان الصراع سيحسم في الدور الثاني لصالح مرشح الإسلاميين، لكن من الغباء ومن غير الوطنيةأن لا ينظر الثوار ـ على اختلاف مشاربهم ـ إلى الأسباب التي أدت إلى صعود شفيق قبل عبد المنعم أبو الفتوح وصباحي وغيرهما، إذا أرداوا فعلا أن يفكروا في مستقبل مصر بكل أطيافها.

أعتقد أن التحول في مصر العام الماضي، كان ثورة حقيقية بعيدا عن التأويلات التي تريد أن تقزم تضحيات المصريين، واختصارها في مجرد انقلاب حدث داخل المؤسسة العسكرية أطاح بمبارك وجاء بطنطاوي، الذي يُصنع الرئيس الآن بين يديه وعلى مسؤوليته، لكن التعامل مع نتائج الثورة لم يكن بتلك المسؤولية التي قامت بها الثورة نفسها، بل طفت إلى السطح مطامع سياسية كاسحة لقوى استفادت من الثورة، دون أن يكون لها فضل في قيامها، وهو حال الاسلاميين في تونس ومصر وليبيا.

ففي تونس كان الغنوشي على وشك أن يعقد صفقة حقيقية مع بن علي أسابيع قبل الاطاحة به، وكذلك كاد يفعل الإخوان في مصر، أما ليبيا فقد فتح سيف الإسلام للإسلاميين صفحة جديدة في بلاده، لكن هؤلاء جميعا قطفوا ويقطفون ثمار ربيع عربي لم يزهر بعد على الشعوب، مثلما كان يطمح ضحاياه في مصر.

شهدنا جميعا أن الاستحقاق الرئاسي قد فرض حظرا للتجوال في إسرائيل، لا لشيء إلا لأن هذا البلد هو قاطرة العرب جميعا، وإذا بركت ناقته فستبرك علينا جميعا، من المحيط إلى الخليج، ولذلك لا أنظر لصعود شفيق سوى أنه رسالة قوية لأنصار الربيع العربي، أن يجعلوه ـ فعلا ـ ربيعا للحفاظ على الأمن والاستقرار، وبالتوافق والابتعاد على التخوين.. وإلا تحول هذا الربيع إلى شتاء يتقدم طوفانا جارفا.

مقالات ذات صلة