-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

“سلم الشجعان”.. من ديغول إلى نتانياهو

“سلم الشجعان”.. من ديغول إلى نتانياهو

“على الذين بدأوا القتال أن يوقفوه.. وعليهم أن يعودوا إلى عائلاتهم، وعلى قادتهم أن يتصلوا بقادتنا العسكريين برفع الراية البيضاء وإلقاء السلاح مقابل الصفح عنهم”، هي عبارة قالها الرئيس الفرنسي الأسبق الجنرال شارل ديغول في 23 أكتوبر 1958، ضمن مبادرته المسمّاة “سلم الشجعان”، والتي تزامنت مع فشل جيشه في إطفاء لهيب الثورة التحريرية المتصاعد رغم المجازر والقمع والدمار.
وكأنّ التاريخ يعيد نفسه اليوم بالنسبة لعدوان غزة، فالتسريبات الإعلامية التي مصدرها مركز الأبحاث التابع لجيش الاحتلال الإسرائيلي، تشير إلى عرض مماثل يقدِّمه قادة الكيان للمقاومين الفلسطينيين في القطاع، وهدفه تكرار “نموذج بيروت”، عام 1982، عندما انتهى حصار وقصف داما شهرين إلى اتفاق بوساطة أمريكية لإنهاء القتال والسماح للراحل ياسر عرفات والآلاف من مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية بمغادرة لبنان.
وتشير التسريبات، التي تتكرر منذ بداية العدوان الإسرائيلي، إلى أن تل أبيب تعرض على قادة المقاومة وعناصرها مغادرة القطاع كشرط لوقف الحرب، وبالتالي، تحقيق الهدف المعلن بإنهاء حكم “حماس” لغزة، تمهيدا لتسليم إدارة القطاع لقوة أخرى سواء السلطة الفلسطينية أو جهة أخرى دولية.
وبالرجوع إلى مشروع ديغول المسمى “سلم الشجعان”، فهدفه كان شقّ صفوف الثورة التحريرية التي كانت في أوج قوتها، من خلال خلق بلبلة في أوساط قادتها، غير أن هذه المبادرة تم وأدها في مهدها، إذ لم تلتفت إليها قيادة الثورة نهائيا، وكان رد الحكومة المؤقتة، آنذاك، على ديغول، بأن ما أعلن عنه مجرد “خديعة”، وقال فرحات عباس: “إن ما يُعرض علينا ليس التفاوض، وإنما الاستسلام المشروط”.
ووضعت الحكومة المؤقتة شروطا واضحة لأي صلح مع فرنسا وهي: التوجّه للحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية وهي ممثلة الشعب باسم مجلس الثورة، الاعتراف بنهاية الاستعمار وقيام الجزائر بحقها في تقرير المصير، فتح مذاكرة رسمية بين رجال الحكومة الجزائرية والفرنسية، وإعلان إيقاف النار على هذه الخطط”.
ورغم اختلاف السياق التاريخي وحتى الظروف، إلا أنّ ما يعرضه نتانياهو على المقاومة وسكان غزة، ولو بصفة غير مباشرة، هو رفع الراية البيضاء والتسليم بالاحتلال كأمر واقع، مقابل إنهاء آلة الحرب الهمجية، رغم علمه مسبقا أن الاستسلام هو آخر شيء يمكن أن ينتظره منهم، وحتى الناطق باسم “القسام” يبصم على خرجاته الإعلامية في كل مرة بعبارة “إنه لجهاد.. نصر أو استشهاد”.
وفي الحقيقة، جوهر هذا العرض هو اعتراف ضمني من قادة الاحتلال بالفشل في تحقيق كافة الأهداف المعلنة منذ بداية العدوان، بالقضاء على “حماس” وتحرير الأسرى ووقف إطلاق الصواريخ، وقد أظهرت الهدنة المؤقتة الأخيرة أن سياسة الأرض المحروقة والمذابح التي ارتكبت لم تحقق أي نصر ولو شكليا لنتانياهو، وقد اضطر إلى الرضوخ لمنطق المقاومة الذي أعلنت عنه مع بداية الحرب، بأن الطريقة الوحيدة لتحرير المحتجزين هي التفاوض.
ورغم قسوة هذا العدوان الذي وفّرت له واشنطن غطاء دوليا وكذا حجم الخذلان الكبير لسكان القطاع، إلا أنّ سيناريو الثورة الجزائرية الذي ذكرناه، يعدّ مثالا واضحا على أن ما أخذ بالقوة لا ينتزع إلا بالقوة، وخلال السنوات والأشهر الأخيرة لحرب التحرير، سخّر ديغول مكره السياسي وآلته العسكرية الجهنمية لإطفائها، لكن الإرادة والعزيمة على طرد المحتل والاستعداد لدفع أي ثمن في سبيل هذا الهدف، عجّلت برحيله صاغرا بعد قرابة 3 سنوات من “سلم الشجعان” المزيّف.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • طه محمد متولى الحرش

    دولة الشر والطغيان إسرائيل الصعود الى الهاويه