-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
نيشان

سياسة‮ .. “‬أحيني‮ ‬اليوم‮..”!‬

محمد عباس
  • 3793
  • 0
سياسة‮ .. “‬أحيني‮ ‬اليوم‮..”!‬

أكد تعاطي الحكام في الجزائر مع انتفاضة الشارع مطلع الشهر الجاري الانطباع العام بأن هؤلاء الحكام ما انفكوا “يسيرون” شؤون البلاد منذ مطلع الثمانينيات من القرن الماضي حسب مبدأ “أحييني اليوم واقتلني غدا!”.

  • مع‮ ‬أن‮ ‬إمكانات‮ ‬الجزائر‮ ‬وطاقاتها‮ ‬البشرية‮ ‬ترشحها‮ -‬حسب‮ ‬الخبراء‮ ‬المحليين‮ ‬والأجانب‮- ‬لأن‮ ‬تسير‮ ‬على‮ ‬مبدأ‮ “‬أحيني‮ ‬اليوم‮ ‬وغدا‮!”‬،‮ ‬وفي‮ ‬تجربة‮ ‬الرئيس‮ ‬الراحل‮ ‬هواري‮ ‬بومدين‮ ‬نعم‮ ‬الدليل‮ ‬على‮ ‬ما‮ ‬نذهب‮ ‬إليه‮.‬
  • لقد تقشف حقا، لكن تقشف لإرساء قواعد تنمية اقتصادية اجتماعية حقيقية، تنمية منتجة للثروات، وموفرة لمناصب العمل الفعلية، مع الاستثمار في الثروة البشرية، وفتح أبواب الأمل أمام شباب الأمة على أوسع نطاق..
  • وكانت عائدات المحروقات المحدودة آنذاك -لأن سعر البرميل من البترول لم يكن يتجاوز 5 دولارات- توظف بأقصى درجات النجاعة الاقتصادية لدفع عجلة التنمية، باعتبارها السبيل الوحيد لتوفير ما أمكن من فرص العمل الحقيقية للآلاف من الشباب، الوافد على سوق التشغيل من كل حدب‮ ‬وصوب‮.‬
  • هذه الحركية التي وضع أسسها الرئيس الراحل ومساعدوه المخلصون، والتي كانت كفيلة -في حال استمرارها طبعا- بإيجاد نوع من التوافق بين الطلب والعرض في سوق الشغل، أريد لها أن تتوقف منذ مطلع الثمانينيات، عبر تسيير للشؤون العامة، أقل ما يقال عنه إنه قصير النظر، أن يكون‮ ‬مشبوها‮ ‬باختصار‮.‬
  • لقد أقر “العهد الجديد” -الذي ربط باسم الرئيس بن جديد!- ما يسمى “برنامج محاربة الندرة” الذي يصدق عليه تماما شعار “أحيني اليوم واقتلني غدا”، أي الدخول الجماهيري في مرحلة الاستهلاك اللا محدود، واعتمادا على الريع النفطي وحده. أي قبل نهضة اقتصادية، تنتج ما نستهلك،‮ ‬أو‮ ‬تغطي‮ ‬جزءا‮ ‬كبيرا‮ ‬مما‮ ‬نستهلك‮!‬
  • ويمكن القول اليوم بعد ثلاثة عقود من السير على هذا الخطأ الفادح، إن الحكام أوجدوا وضعية مثالية لتبديد الريع النفطي، و”محاربة الندرة” بالأمس و”محاربة الإرهاب” منذ مطلع التسعينيات من القرن الماضي!
  • ولتوضيح‮ ‬ما‮ ‬نذهب‮ ‬إليه‮ ‬نسوق‮ ‬بعض‮ ‬ما‮ ‬يذهب‮ ‬إليها‮ ‬الخبراء‮ ‬مثل‮:‬
  • 1- أن عائدات الصدمة البترولية الثالثة، التي جعلت سعر البرميل يقفز إلى حدود 150 دولار! -بدل أن تحول حركية التنمية الشاملة، وتوفر ما أمكن من مناصب الشغل لتلبية جزء من الطلب المتزايد، صرفت في “العودة إلى السلم المدني” وشراء السلم الاجتماعي!.. أي تمويل “عملية الشاملة‮” ‬من‮ ‬جهة،‮ ‬والاستمرار‮ ‬على‮ ‬نهج‮ “‬احيني‮ ‬اليوم‮” ‬في‮ ‬نفس‮ ‬الوقت‮!‬
  • 2‮- ‬أن‮ ‬الحكام‮ ‬خصصوا‮ ‬منذ‮ ‬2003‮ ‬نحو‮ ‬13٪‮ ‬من‮ ‬الناتج‮ ‬الداخلي‮ ‬الخام‮ (‬حوالي‮ ‬نصف‮ ‬عائدات‮ ‬الضريبة‮ ‬على‮ ‬المحروقات‮) ‬للتحويلات‮ ‬الاجتماعية‮ ‬المختلفة‮.. ‬أي‮ ‬توزيع‮ ‬للريع‮ ‬بدون‮ ‬مقابل،‮ ‬من‮ ‬حيث‮ ‬الثروة‮ ‬المنتجة‮ ‬فعلا‮.‬
  • 3‮- ‬أن‮ ‬الحكام‮ ‬أوقعوا‮ ‬أنفسهم‮ ‬وهم‮ ‬يبددون‮ ‬الريع‮ ‬النفطي‮ ‬في‮ “‬شراء‮ ‬السلم‮ ‬الاجتماعي‮” ‬في‮ ‬حلقة‮ ‬مفرغة‮: ‬إثارة‮ ‬الغضب‮ ‬الاجتماعي‮ ‬لتنامي‮ ‬الشعور‮ ‬بأن‮ “‬بقرة‮ ‬اليتامى‮” ‬باتت‮ ‬عرضة‮ ‬للتحويل‮ ‬والتبذير‮ ‬والتبديد‮!‬
  • ويمكن القول -اعتمادا على خبرائنا دائما- أن تخلي الدولة عن مسؤوليتها في إرساء دعائم التنمية -الاقتصادية عامة والصناعية خاصة- وتغذية حركيتها، هذا التخلي زاد في اتساع هذه الحلقة المفرغة، لأن الحكام فعلوا ذلك دون اعتماد بدائل جدية، فتجربة ثلاثة عقود من »الانفتاح” أكدت شيئا واحد: أن القطاع الخاص غير المؤهل من حيث الكفاءة المهنية والقدات المالية، والذي يحركه الربح السريع، التهرب الجبائي والمضاربة… هذا القطاع أثبت عجزه في التكفل بمهام التنمية الحقيقية بالنجاعة الضرورية، وبالتالي أخطأ حكامنا في الرهان عليه كبديل مأمول‮.‬
  • ومشكل الجزائر اليوم باختصار أن حركية التنمية الاقتصادية المنتجة تبدو شبه معطلة، أو أنها في جميع الأحوال أعجز ما تكون عن تلبية الحاجات المتراكمة والمتزايدة، بل المتفاقمة للشباب الوافد على سوق الشغل.. بمعنى أن أبواب الحياة العادية عبر نافذة مناصب العمل، هذه الأبواب موصدة أمام الآلاف المؤلفة من الشباب العاطل.. وأكثر من ذلك أن هذا الشباب يعاني من المضايقات في مسعاه المشروع، إلى توفير لقمة العيش له ولعائلته عبر منفذ الاقتصاد الموازي الذي أصبح أمرا واقعا -من خلال نسبته الهامة في النشاط الاقتصادي العام- ينبغي أخذه بعين الاعتبار بكيفية أو بأخرى.. ومن مضاعفات هذه الحلقة الإنمائية المفرغة إصابة الحكام بنوع من الصمم المزمن، تجاه تباريح الشباب العاطل وأناته المؤلمة التي أصبحت تعبر عنها محاولاته المتكررة للانتحار حرقا
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!