الرأي

سُلطة‭ ‬‮”‬ناس‭ ‬ملاح‮”‬‭!‬

قادة بن عمار
  • 6189
  • 38

رئيس الرابطة الوطنية لكرة القدم، محفوظ قرباج، اشتكى في تصريحات إعلامية أخيرة، من تحوّل الجزائريين جميعا إلى مدربين وحكام، ومحللين رياضيين، قائلا: “لدينا في الجزائر 35 مليون مدرب، و35 مليون حكم”!!

السيد قرباج لم يقل إن للرابطة الوطنية لكرة القدم رئيسا واحدا، هو من يقرّر ويفصل في الملفات، ويعاقب و”يضرب النح” على هذا، ويتحرش بالآخر “بلعاني”، لكن من يعاني من سلبية تلك القرارات هو الشعب في نهاية المطاف، مثلما تسير عليه الأمور في كثير من القطاعات، ومواقع‭ ‬المسؤولية‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬وليس‭ ‬في‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭ ‬فقط‭.‬
لماذا يعامل كثير من المسؤولين هذا الشعب على أنه باحث عن السلطة، أو كأنه لا همّ له سوى التحرش بأصحاب النفوذ، ومزاحمتهم على الرأي والمشورة؟ منذ متى كان “شعيب الخديم”، الزوالي البسيط، المهموم بسعر البطاطا، وفواتير الغاز والكهرباء والتلفون، يبحث عن ممارسة دوره على طريقة الشخصية المشهورة.. “جلول لفهايمي”!؟ ثم هل هناك في السلطة ـ منذ الاستقلال وحتى اليوم ـ من يتمتع بذكاء خارق وفطري، يتجاوز حدود فهم المواطنين، الذين يصادر قرباج حقهم حتى في نقد وتحليل التدريب والتحكيم!؟
انتشرت في الآونة الأخيرة أسطوانة “اللي خير منّا يتقدم” أو على طريقة الرئيس بوتفليقة في بداية حكمه، حين كان يهدد ـ بمناسبة أو بدونها ـ بالرجوع إلى بيته، قبل أن يقرر البقاء أطول حتى مما حدده الدستور قبل التعديل!!
عبد العزيز بلخادم نفسه، قال بأنه مستعد لترك الأفلان لو جمع خصومه 175 توقيع ضده، رغم أن السيد بلخادم لو “ضرب فيها جولة صحيحة” بين مقاهي الحراش وبومرداس والبليدة، لوجد آلاف الأصوات المنادية برحيله. لا، بل وبمحاكمته ربما عن الهزال السياسي الذي أوصل إليه البلاد‭ ‬رفقة‭ ‬التحالف‭ ‬المنهار‭.‬
قرباج يتهم الجزائريين بأنهم يفهمون في كل شيء، وبلخادم يزعم بأنه لا أحد يكرهه بين مناضليه، في حين أن الأحزاب الجديدة تتعامل مع قرار الموافقة على ترسيمها واعتمادها من طرف الداخلية، وكأنه يمثل العقبة الوحيدة بينها وبين الوصول لسدة الحكم، ولا أحد من هؤلاء أو غيرهم‭ ‬استفتى‭ ‬الشعب‭ ‬عن‭ ‬رأيه‭ ‬الحقيقي‭ ‬والملموس‭ ‬والمباشر‭.‬
جميعهم “ناس ملاح” إلا الشعب، لذلك يخططون ليلا ونهارا من أجل الاستمرار في نفوذهم، بل واستغلال مناصبهم من أجل نفع عائلاتهم وأقربائهم وعروشهم، كما أنهم جميعا يخافون من كوابيس الإقالة والتعديل أو التغيير، وترتعد فرائسهم من وقوع الثورات أو امتداد عدوى الربيع العربي، لكنهم رغم ذلك، لا يصرحون، بل ينافقون، ويكذبون ويلتفون حول الحقيقة، حين يقولون إنهم يجلسون على كراس من شوك، وبأن المسؤولية صعبة، ومغارمها أكبر من مغانمها، وبأنها شغلتهم عن عائلاتهم وزوجاتهم ومتابعة دراسة أولادهم وتزويج بناتهم!!
أخطأ السيد قرباج من حيث أراد أن ينتقد ظاهرة اعتداء العامّة على اختصاصات رياضية باتت علمية، لكن ليست العامّة “كيف كيف”، فكم في الشعب من مدرب بلا شهادات، أفضل مليون مرة من بن شيخة وآيت جودي، وكم من “زوالي” يجلس في مقهى، يفهم في السياسة أحسن من بلخادم وأويحيى‭ ‬وأبو‭ ‬جرة‭ ‬سلطاني،‭ ‬وكم‭ ‬من‭ ‬ربة‭ ‬بيت‭ ‬في‭ ‬مدن‭ ‬داخلية،‭ ‬لها‭ ‬لسان‭ ‬‮”‬قاطع‮”‬‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬لسان‭ ‬لويزة‭ ‬حنون‮!‬‭!‬

مقالات ذات صلة