منوعات
تناولتها 544 مذكرة ليسانس.. 13 رسالة ماجستير وثلاث أطروحات دكتوراه

شاعر شعبي من الجلفة يكتب قصيدة غزل حيرت دكاترة المشرق!

نورين عمارة
  • 41418
  • 30
ح.م

يعتقد الكثير أن قصص الحب القديم انتهت، وأن رائعة وليام شكسبير مع روميو وجوليت لم تتكرر، وقصة سعيد وحيزية هي الأخرى توقفت من بسكرة، لكن في مدينة مسعد بالجلفة، قصة حب ربما لو كان شكسبير حيا لألهمته كتبا ومجلدات.
هي قصة الشاعر الكبير محفوظ بلخيري ابن مدينة مسعد جنوب الجلفة قد يصدقها البعض وقد يعتبرها البعض خرافة، قصة حب خرافية جعلته يكتب إحدى روائع الشعر الشعبي، قصيدة بها أكثر من أربعمائة بيت شعري كتبت بين عشية وضحاها، هذه القصيدة حيرت حتى دكاترة في الأدب من خارج الوطن وزاره دكتور من سوريا في مدينة مسعد ليناقش ألفاظها وحيرته حتى الكلمات.

ابن 8 سنوات يكتب قصيدة لـ “خروفة”!

يتذكر بلخيري محفوظ الذي بدأ الشعر عندما كان عمره ثماني سنوات وقتها يعيش في الريف ويتذكر أول قصيدة كتبها متأثرا بحال خروف صغير فقد أمه وكان هذا الخروف يصيح كل ليلة حزنا على أمه، كان الطفل محفوظ بلخيري متأثرا جدا بذاك الخروف “اليتيم” الذي فقد أمه ونظم عندها قصيدة يبكي فيها لحال الحمل اليتيم، الذي افتقد أمه.

بدايتها عشق ونهايتها حلم غريب

قصة بلخيري المحفوظ بدأت عندما كان يزور بيت أحد أقاربه في الريف وكان معجبا بالطفلة التي كانت تقارب سنه، كان إعجاب طفولة لا غير حتى مرت السنون والتقاها في جامعة الجزائر عندما كان يدرس هناك الفيزياء وكانت بنت العم تدرس الاقتصاد، وكان أعجاب الطفولة متواصلا إلى أن طلب يدها من والدها، وفعلا تزوجها وأحبها حبا كبيرا، مرت الشهور ولم يرزق بولد فعندما تحمل تجهض وهذا لعدة مرات، وقتها كان يرى حلما أثر على نفسيته، كان يرى زهرة جميلة وعندما يسقيها تذبل وتموت، تكرر معه هذا الحلم لليال، وتحول الحلم إلى كابوس حقيقي، وذات ليلة رأى في المنام شيخا فسر له هذا الحلم وقال له إن زوجته إذا بقيت عنده ستموت لا محالة، وأصبح المحفوظ يعيش صراعا داخليا وألما وخبأ على زوجته هذا الحلم وتكرر هذا الشيخ في المنام وألح عليه بأن يطلق الزوجة قبل أن تموت لأنها ستواصل الإجهاض إلى أن تموت بسبب ذلك، وأخيرا قرر المحفوظ أن ينقذها من الموت بطلاقها حبا فيها، وأخذها إلى منزل أمها وهي حامل في شهرها الخامس، وبدورها رفضت بعدها أن تتزوج بعده.
تحولت حياة الشاعر محفوظ بلخيري إلى جحيم حقيقي وصراع داخلي بين العقل والقلب، كيف لحلم أن يحطم حياتي؟ ويرد عليه العقل بأنه أنقذها من الموت والدليل أنها أنجبت بعدما طلقها طفلة جميلة، حاول أن يتمالك نفسه لكنه لم يستطع.

مأساة تتحول إلى 400 بيت أذهلت الجهابذة

وذات مساء وبعد صلاة العصر اتجه المحفوظ رفقة ابن عمه ساعد إلى مكان الخيمة التي تزوج فيها محبوبته وهناك يقول إنه لم يكن في وعيه وتوقفت قدماه عن المشي وكتب قصيدته الطللية ” فط القلب من الفريسة يا ساعد .. ويا مهبلني جيت للمرسم عانيه ” لما كان يكتب في هذه القصيدة لم يكن في وعيه ولم يتأكد إن كان هو من كتبها “أم جني تلبسه”؟ على حد قوله، ما يجعلنا نستحضر فكرة شياطين الشعر، التي يقال إنها كانت تلهم فحول الشعراء العرب القدامى، مثل امرئ القيس الذي قيل إن له شيطانا اسمه لافظ بن لاحظ، وعبيد بن الأبرص الذي يروى أنه كان له شيطان يسمى هبيد! يقول المحفوظ إنه لم يتوقف عن الكتابة من المساء إلى غاية الصباح وللأسف لم يجد الأوراق حتى يواصل كتابة هذه القصيدة بعدما استنجد بأكياس الإسمنت ووصل عدد الأبيات إلى 418 بيت، ويقول إنه وقتها كان يستطيع حتى كتابة أكثر من 30 ألف بيت شعري لكن للأسف لم يجد ما يكتب عليه القصيدة. وأدخل المحفوظ علم الفيزياء في قصيدته لأنه أستاذ فيزياء في ثانوية مسعد.

دكتور يتنقل من سوريا إلى مسعد من أجل “الطللية”

هذه القصيدة أصبحت محل إعجاب كل من قرأها وتأثر بقصتها الحزينة لتتحول قصيدته الطللية مادة لدراسات أكاديمية بين الدكاترة وخريجي الجامعات، فقد ناقشها 540 طالب لشهادة الليسانس، و13 طالبا جعلها موضوعا لرسالته في الماجستير وثلاثة جعلوها مواضيع أطروحات الدكتوراه، حتى إن دكتورا من سوريا تنقل إلى مدينة مسعد خصيصا من أجلها وناقش عباراتها مع الشاعر وحيرته القصيدة وبنيتها العجيبة، من جانبه وضع عميد كلية الأدب والعلوم الإنسانية بجامعة الجلفة دراسة مقارنة بينها وبين قصيدة حيزية لبن قيطون التي تحكي قصة حب بين سعيد وحيزية وخلص إلى أن قصيدة بلخيري محفوظ أعمق وأشد منها قوة وعاطفة، وهذه الدراسة ستصدر في كتاب مستقبلا. بل إن عددا من كبار الملحنين بالمنطقة لحنوا جزءا من هذه القصيدة.

باحث يقارن بين “فط القلب” و”قصيدة حيزية”

ذاع صيت القصيدة الطللية “فط القلب” في جميع الأرجاء ووصل صيتها إلى العديد من الباحثين الذين بقوا مدهوشين أمام هذه القصيدة الرائعة، الباحث في التراث الشعبي ومعيد كلية الحقوق والعلوم السياسية الدكتور حمام زهير انتقل إلى مدينة مسعد وبالضبط إلى منزل الشاعر محفوظ بلخيري قصد مناقشة هذه القصيدة التي جعلته يعد عنها دراسة معمقة ويقارنها بقصيدة الشاعر بن قيطون صاحب رائعة حيزية، يقول الدكتور في تصريح إلى “الشروق” إن الشاعر بلخيري محفوظ يعتبر مدرسة في الشعر الشعبي مؤكدا في ذات السياق أن مطلع قصيدة “فط القلب” انفجار داخلي وبها عمق كبير عندما يقرؤها صاحبها عكس قصيدة حيزية الذي يقول فيها “عزوني يا ملاح” ودرس الباحث جميع أبيات هذه القصيدة واكتشف أنها قصيدة توصف من روائع الأدب الشعبي العالمي.

مقاطع من “فط القلب”

فط القلب مـن الفريسـة يـا سعـد ـ يا مهبلنـي جيـت للمرسـم عانيـه
بكري كـان متين سـورو ما يتهـد ـ راه ازاوط كـي الطيـار بجنحيــه
يـا بـن عمي عارفـك راك مقيـد ـ مـن مسـو هـوداس لا بـد يبليـه
أرقـع فـيا سـال عني محمـد ـ لعـل ما غاب عن ذهنـي يوريـه
طامع حين نتـوق نجبـر من نقصدـ نا شدتني قـا الرجل ما راحت ليـه
أقسمت اليميـن شـورو قلت نهـد ـ نقـدا للمكان بالـذات مسميـــه
ظنيت اللي فـات في الذهن مجـرد ـ طـول زماني حافظو راني حاصيـه
حين لحقـتو طاحت الدمعة عالخـد ـ وتلطـم قلبي وضـاق الحـال عليـه
ما تسعى جـرة مـن رانـي رايـد ـ ولا ريحـة تجفي على الذات تهديـه
تحلف صادق ذا الوكر ما شافو حد ـ أولا جاتــو عـارمـي ولا تسميـه
تسعجب كيفـاه ضـركة يتمـرمـد ـ وخطـاتـو راحـت عباد كانت فيـه
فـوق ترابـو كانت الريـم تميعـد ـ ليلات الظلمـة بقشوتهـا تضـويـه

تلزم عمـرو ما دقـش فيـه وتـد ـ ولا فلجـة سترتـو كانـت تحميـه
بعيني كانت ساتراتـو طـرق جـدد ـ غطاتـو عن كـل موقح مـا ياتيـه
أحمـات حمالـو قرايـر ومـزاود ـ وتْرطب وجهو قــدام المتلافيـه
وقرس حجيرة طابع طبـق المثـرد ـ إلى عـول منـو الـزوالـي يكفيـه
تترفع ذيـك الطرايـق فـوق عمـد ـ زادت للقنطـاس نظـرة دارت بيـه
وتطابس للأرض مربـوطـة بمشـد ـ وما تدعثـر للشتـا ما تعبـا بيــه
لحمتها وسـط البـدن قـاني كابـد وزادتها طرق الابل خصلة للتيــه
كـل فليــج تميـزو راه مــزرد وفي وسطو زردة من الرعدة تحميـه
واه تبهـدل بعـد زقـرة راه جـرد ولا عـاري كـل عـورة تعتريـه
عشـى مرتـع للسـدادي وتكــدد هـاهو قفـرة والهوارب ما تخطيـه
حين أن شفتـو دار حالـو وتنكـد ولا يهشـم يسقـف جوفـو طاويـه
عدت نعاود في النظر نقبل ونصـد فلـربمـا الموضـع قـــالط فيـه
أنولي ونـروح ونـزيـد نعـاود نرجـع قـابـل للمكـان نثبت بيــه
نراعـي للمكـان نطلـع ونهـود من سافيـل الـواد نجبـى لأعاليــه
نسوكـى ونـزيـد نرجـع نتأكـد نـا مـانيـش مذهبـو ولا ناسيـــه
يخـي ذاك الصْمد دارق عالمجبـد ظهرة شراكـة العنـق ينجـي ليـــه
أبميـزي تنطح حجـارو من قـرد لا كركود يحـول دونـو ويغطيـــه
كي تجبى شرق البواعـج يتحـدد وسط العنق يحانكـو ويجي شرقيـــه
واقـع فـي وسط المدرق مسقعـد بلاصـو وحدو قا المقطـة متكاكيـه
يتحـدر غربـو الـواد وما يركـد ويجّور زبـدو علـى سيلـو كاسيـه
وطـي منـو ميـز كيلـو ولا أزود تلقى الحاسـي اللي القـواب تعانيـه
من بكـري معلـوم للضامي مـورد ذا من قبل أجيال تحكي نـاس عليـه
ومن البطمة كي تنيشـن شرق تعـد ميز الكيلو كي تجيـبو تصفـى ليـه
ماهـو هـاوي يـاك ولا مسـرفـد مضرب موطي زين والرمل ومغطيه
ماهوشي يحـراش بحمـاد مكركـد مسرطـب ويوالـم الحـافي رجليـه
مـاهو غبارة يواتي لبـس الجـد فصـل الحـر مزينـو نسيـم يجيـه
مروح صيفو في الشتا ماهو مصـرد طبعو فصل الصر كافي عن غيريـه
فـي مسـدورة كافيـة للـي يبـرد طبعتها مـازا الرتـم تعاكـس فيـه
حتى الحرمـل طابعـو رمث مزبـد أمـدرق ورقــو النــوار مخبيـه
والباقـل يـزيـان بـزهـار ملبـد إيفـاول للخيـر لبيـض متلحفيــه
الشيح اللماد فوقـو يتغمـد يتقمـط صـابي تقـول على قانيـه
ماظنيـت نــروح منـو ونبعــد يا ون غرضي طول عمري قاعد فيه
خسرها مــا قـالي للسـر اكمـد حيـن نسـولتـو علي صـد لهيـه
قتلـو عيـب عليـك ظنيتـك جيـد رد علـي فـش عـن قلبـي هنيـه
ضركـة ليا قـول يا مرسـم عـود ما تكميـش السـر عنـي لا تخفيـه
طالب منـك قـا بما تعـرف تشهـد ما قتـلك عـود كـلام أن لا تدريـه
سولتـو قــداه سـؤال مسـرمـد أمبكـم عني ولا نعـرف مـا بيـه
ما جاوب ما فشنـي خان العـاهـد وما قال المسكين بخبـار نـرضيـه
قلت نسول ذي الحجـر عسـاه يـرد ندخل كنهـو نعرفـو نتعمـق فيـه
يا مشومني ذي الحجـر ما باح لحـد من ضيقـة روحي علاه نحدث فيـه
قلـت نبــدل للسجـر راه مقيــد قلبو لعـل نصيـب الرحمـة فيـه
سولت أعرافو لكـل ورقـة وعضـد وجـدورو وجميع زايـد تابع ليـه
أمـا كـان خليـل لجـوارك يقعـد في ذا المضرب يا يجر تشهدش عليه
ما خبـر ما دارلـي قيمـة وسـرد أمبكـم ظنيـت قـولي مـا يعنيـه
نطلب ربي يـا سجـر لازم تصهـد كيما نـا قلبـي النـار تسنـي فيـه
بجــاه العليــم لازم تتـرمــد يتقطـع ورقــك وْ ييبـس بأسريـه
تتعـرى مـن كـل ورقـة تتكـرد وينشف ماك اللي موالف عايش بيـه
والصـالح من نبتـك جملـة يفسـد وتعشي عبرة لغيـرك عيظـة ليـه
يا ربي هذا السجـر ماهـو مسعـد يتكلـم ولا يقــول اللـي يبغيــه
لا قدرة من غيـر حكمـك يا واحـد أرفق بيـه ولا تقبـل دعـوة فيـه
راني نهـذي واه في غيـري نجبـد واللي مـا يلقـاش وعـلاه نعييـه
حين ان ضاق الحـال بي يـا سيـد نيقابلني مـك عينـي لعبـت ليـه
مجرب للدنيـا وفـاهـم للمقصـد أعرفتو مـن نظرتـو حاكم وفقيـه
دك يزمـر قلـت للخالـق يحمـد فارح قلبـو بالربيع وزاهـي بيـه

مقالات ذات صلة