-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

شباب في “رعاين” الشيخوخة

عمار يزلي
  • 2313
  • 0
شباب في “رعاين” الشيخوخة

الحديث اليوم عن ما بعد نتائج الرئاسيات، يصب في خطاب عمومي شعبوي، الغرض منه الالتفاف على أصوات الناس المهربة، الممنوعة، والمضللة، والمجبرة عن الصمت. فقد بدأ الحديث عن “تحضير البلاد للشباب”! خطاب سمعناه منذ أزيد من 20 سنة باسم “تقديم المشعل للشباب”، لكن المشعل كاد أن يخبو ويتحول الشباب إلى كهول، ولم يقدم المشعل لا مشتعلا ولا خامدا! بل بقي لدى من أمسكوا به لأول مرة، مترددين ما بين المد والبسط: مد الذراع الماسكة بالمشعل، ثم إمساكها مثل حركة البخيل الذي يريد أن يناولك نقودا لكنه متخوف ومتمسك بها مخافة الفراق: خد..لا..عندك..بالاك.. حاول، ربما..لكن..!

الحديث بدأ قبل الانتخابات عن دور “نخبة بوتفليقة” من الشباب التي ستسير البلاد بعد العهدة الرابعة! وكأنه هذا الخطاب النخبوي الانتخابي، إنما كان يراد منه استدراج الشباب لحضور العرس متأملين الوصول إلى الجزرة بعد الانتخابات إن هم انتخبوا “الواقف” وأعرضوا عن “التالف”. فقلد لاحظنا كيف أن معظم المشاريع التي أسالت لعاب الكثير، قد أجلت إلى ما بعد الانتخابات، في إشارة أنه “على من أراد أن يستفيد، أن يذهب للصندوق ويختار من اقترح عليه السكن والعمل”، وكأننا نعود مرة أخرى إلى عهد البيع المشروط: لا نبيع لك الزيت إلا مع روبيني! (ذكرني هذا الأمر بحادثة وقعت فعلا، قال لنا عنها الراحل عبد القادر علولة، يوم أن أغرقت السوق الجزائرية ما بعد انفتاح المرحوم الشاذلي بعد 1980، بكل ما لذ ولم يطب أو طاب! قال لنا أن وقف بأم عينه على حادثة بالأروقة الجزائرية بوهران كانت تبيع الطماطم المعلب النادر الوجود، لكن بشرط أن تشتري معه شيئا آخر، لم يجد هذا الشيء أحدا يشتريه! ذلك اليوم كانت تباع الطماطم المعلبة مشروطة مع المناجل! قوطي طماطم، ومعه ضرري منجل !).

خيل لي ساعتها أننا مقبلون على شيخوخة نظام “ديجا شاخ” ودوخ الشعب وداخ.. نظام سيصبح بعد جيل، عجوزا في الغابرين، وقد انحنت ظهور رجاله ونسائه وسقطت أسنانهم حتى الاصطناعية منها، لأنها لم تعد تجد لثة ترتكز عليها. جلود، التجاعيد فيها أكثر من تكرش الكرشة، وعيون لم تعد ترى أي شيء حتى ولو باستعمال التلسكوب هابل! وآذان لا تسمع آذانا ولا إيذانا..وقوائم لم تعد قائمة وأيادي راجفة وقلوب واجفة، وقد نبت العشب عن أقدام الكراسي والأرائك الوثيرة، و”تصلعت” الرؤوس وطار الشعر وكثر البعر. كل هذا فيما العامة من العوام، قد فنوا وانقرضوا بعدما هاموا سنينا وأعواما ثم قاموا، كبروا ثم ناموا أعواما وقرونا ودامت أحلامهم ودامو..ينظرون التغيير من فوق ليعرفوا أن “حامو” ليس بأحسن من تامو، حتى فاتوا وماتوا، وهم ينتظرون رد طلبهم “هاتو”، أعطونا وآتوا..

وجدت نفسي هكذا أعيش حالة سفر في المستقبل البعيد. الرئيس صار عمره 945 سنة! ينافس سيدنا نوح في سنه، ويتمنى أن يدخل في موسوعة غينس لأكبر معمر (قذافي) ما بعد الطوفان. الوزراء، الشباب، أصغرهم يبلغ من العمر 320 سنة! والبقية ما بين 500 و900! شباب في ريعان الشيخوخة! يتذكرون كل شيء حتى نتائج الانتخابات الرئاسية التي جرت في العهد القديم في عهد السلطان عبد العزيز باشا، في 17 أبريل من عام 2014، أي قبل قرابة ألف عام! يتذكرون كيف كانوا رضعا في 70 من العمر أو 80! وكيف كانوا يركبون سيارات غريبة مضحكة تسمى مرسيدس وبي أم دابليو، وطائرات بوينغ وقطارات كهربائية وطرام، وكيران وطاكسيات. اليوم لكل واحد منهم تيلكيكومند يسافر بها على كرسيه الطائر (وليس المتحرك! التكنولوجيا تطورت كثيرا منذ ذلك العصر، العالم رحل إلى الفضاء إلا نحن.. الله غالب!) كما أنهم يتذكرون كيف أن الشعب كان كثيرا! 38 مليون نسمة! اليوم بعد نحو800 سنة، لا يوجد أكثر من 250 شخص من المعمرين استعمروا البلاد بعدما باعوا الأرض للأجانب، والذي تركوها فارغة وصعدوا للمريخ وزحل والقمر ولم يبق في الأرض غير بقايا العصر الحجري الجديد! عهد البناء بالحجارة والعيش على البزنس والتجارة. النفط قد جف والشعب قد كف بعد ضرب كثيرا على الدف وعاش حتى مات بالهف، وصار شعبا يشف بعدما دار ولف، وانتخب وشرب وذاق الأمرين ..وروًن وسف.


 

كنت أنا الوحيد من الشعب الذي لا يزال على قيد الحياة، بعدما نجوت من الاستئصال الممنهج بفعل الوراثة (أصلي أنا جدي الأول هو سيدنا آدم عليه السلام!). وجدت نفسي قد بلغت 345 عاما، وأنا عازب! ماتت أمي وأنا رضيع في حجرها وكان عمري 88 عام! وهي كانت في سن 723 سنة. أما أبي فقد مات في ريعان الشباب قبل أن أولد بخمسين سنة! (لست أدري كيف ولدت! ربما بالمراسلة! رغم أن أمي تحلف بسيدي عبد العزيز بوتفليقة أني ابن أبي!). كنا أنا الوحيد الممثل الشرعي الوحيد والأوحد للشعب الجزائري الذي لا يوجد غيره. وكان الحكام بضعة 245 من بقايا المستحثات القديمة. بقي النظام يحكم باسم الشعب بقية الشعب (الذي لا يوجد فيها إلا أنا!). مزقوني أربا إربا بالضرائب والضرب والتصويت والسياط، والسخرة والعمل ليل نهار لصالح سلطة دار العجزة، وبقيت “شعبا” وفيا للبلد وللقادة والقواد، وقد رأيت في رؤيا مؤخرا أني أنا من سأدفن الجميع لأبقى وحيدا سيد نفسه لا سلطة ولا سيادة عليه إلا سيادة السيد المطلق! خالق الأكوان والألوان والإنسان والحيوان والحيتان!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!