الرأي

شطحات الديك الفرنسي المذبوح

حبيب راشدين
  • 2484
  • 10
ح.م

لائحة الإدانة لما وصفه البرلمان الأوروبي بـ”انتهاكات حقوق الإنسان في الجزائر”، صدرت بمبادرة من نائبٍ فرنسي، يكون قد قدّم خدمة مغشوشة لقصر الإيليزي الذي ضاقت به الأرض بما رحُبت، وهو يفتش عن فضاء دبلوماسي يسوِّق فيه “الحد الأدنى” من الدعم لوكلائه من العصابة في الجزائر، دون أن يقطع خط العودة وشعرة معاوية مع قيادة الدولة الجزائرية.

المبادرة جاءت متأخِّرة في الوقت بدل الضائع، بمحتوى يسيء إلى الطرف الذي حرر الإدانة أكثر من الإساءة إلى الجزائر، وهي إهانة لهذه المؤسسة الأوروبية النافقة منذ الولادة، وقد حوّلها الميثاقُ المنظم للاتحاد الأوروبي إلى غرفة تسجيل لا وزن لها في القرار  السياسي الأوروبي.

من جهة التوقيت، يكون البرلمان الأوروبي قد اختار التوقيت الخاطئ ليدين سلطة بلدٍ من الجنوب، قدّم شعبُه وسلطته نموذجا رائعا عن الإدارة الجيدة للأزمات، رأينا مثيلاتها في أوروبا نفسها، وفي بلد النائب الفرنسي صاحب المبادرة، تتحول إلى مأساة إنسانية، باستعمال مفرط للقوَّة الغاشمة لقمع حراك السترات الصفراء.

الإدانة الأوروبية كانت بلا شك على “الهوية” تعاملت مع أحداثٍ مماثلة جارية في أوروبا وأمريكا اللاتينية وآسيا وافريقيا بمعيار مزدوج؛ فصار اعتقال بضعة نشطاء من المعطلة للمسار الانتخابي في الجزائر، وإحالتهم على العدالة “جريمة لا تُغتفر” وإصابة شرطة بلد ديمقراطي بحجم ومكانة فرنسا لعشرات المتظاهرين بإعاقات دائمة، وقتل المئات منهم في العراق وإيران “جنح فيها نظر”.

غير أن أخطر ما ورد في لائحة الإدانة، أنها تستبطن دعوة صريحة إلى وقف مسار انتخابي، هو عندهم العنوان الأول للديمقراطية، وتحريض الشعب الجزائري على خيار الفوضى المرافِقة لانتقالٍ خارج أحكام الدستور، بقدر يحرم مستقبلا على البرلمان الأوروبي الحق في مطالبة شركائه الالتزام بالمواعيد الانتخابية، علما أن الطرف المبادِر إلى هذه الإدانة، كان أوَّلَ من دعم العصابة حين اختارت الفرار من الاستحقاق الديمقراطي بالتسويق لتمديد العهدة الخامسة.

الجهة صاحبة المبادرة تكون قد ورَّطت البرلمان الأوروبي، وحرمته مستقبلا من فرص التواصل مع مؤسسات الدولة الجزائرية في أيّ ملف، وجعلت منه خصما وعدوا، لا تُقبل منه صداقة أو تعاون إلا بعد تقديم الاعتذار للجزائر دولة شعبا.

المتابع للحَراك في الجزائر، يعلم حجم الخسائر التي لحقت بالمصالح الفرنسية منذ بداية الحراك وترحيل العصابة المختطِفة للقرار، وامتلاء سجن الحراش بوجوهٍ كانت تقاول بوجه سافر لصالح المصالح الفرنسية، وبداية تطهير مؤسسات الدولة ودواوينها، ليس فقط من بقايا دفعة لاكوست، بل من كثير من الكوادر التي جنَّدها حزبُ فرنسا للخدمة منذ الانقلاب الذي نفذه ضباط فرنسا على القيادة من ورثة جيش التحرير، وربما تكون فرنسا الرسمية قد قصَّرت كثيرا في نصرة أعوانها وسدنة معبدها الذين يواجهون اليوم وغدا مصيرا لا يُحسدون عليه.

الرد القوي الرسمي والشعبي على التدخل الأوروبي السافر في الشأن الداخلي، جاء سريعا وحاسما حتى قبل التصويت على اللائحة، على لسان قائد الأركان، ووزير الخارجية، ورئيس البرلمان، والمرشحين الخمسة للرئاسيات، ناهيك عن الرفض الشعبي التقليدي لأي تدخل أجنبي، وقد يأتي هذا التدخل بعكس ما كانت تشتهيه سفنُ الطرف الفرنسي المبادِر.

غير أنَّ مسؤولية فرنسا الصريحة في هذا الاعتداء الرخيص على دولة تساهم بمسؤولية في تأمين الطاقة للقارة العجوز، وفي تأمين حدودها الجنوبية من آفات الهجرة غير الشرعية، ومن الجريمة المنظمة والإرهاب، لا يعفي بقية الدول الأوروبية من المسؤولية، ويوجب في المقابل على الدولة الجزائرية في اليوم الموالي لتولي الرئيس المنتخَب، المبادرة إلى مراجعةٍ عميقة لعلاقات الجزائر مع الاتحاد الأوروبي، وفسخ عقد الشراكة الذي كان يكلف الجزائر سنويا أكثر من سبعة ملايير دولار من الخسائر، واستبدال هذه الشراكة العرجاء، المتشبِّعة بالروح الكولونيالية، وبهيمنة المصالح الفرنسية عليها، بتطوير شراكات أكثر ندّية مع القوى الاقتصادية الصاعدة.

مقالات ذات صلة