الرأي

شعب لا يحبّ الذهب

الشروق أونلاين
  • 2817
  • 3

لو سألت الجزائريين عن موعد انطلاق الألعاب الأولمبية، لوجدت الكثير منهم غير مهتم بهاته التظاهرة الرياضية التاريخية ذات الأبعاد الثقافية والمعنوية، بل إن البعض منهم لا يعرف أصلا أنها ستقام في لندن، ولا يريد أن يعرف.

ولو سألت الجزائريين عن موعد بطولة كرة القدم الضعيفة المستوى الفني والأخلاقي في الجزائر، لأبحروا في عالمها المليئ بالرداءة والبزنسة وأذهلوك بكونهم يعرفون ما لا يعرف المدربون واللاعبون ورؤساء الأندية.

هذه المعادلة المقلوبة التي اختصرت الرياضة التي بعث لأجلها الإغريق ألعابا أولمبية في كرة القدم، هي دليل آخر على نظرتنا المُعوجّة للرياضة، إلى درجة أن الفريق الرياضي الذي من المفروض أن يمثل الجزائر في عاصمة الضباب سافر مبتورا من رياضيين ورياضيات بعضهم تعاطى المنشطات الممنوعة لأجل الغش وأخريات قُبض عليهن بتهمة السرقة في فرنسا، في تهمتين تبينان مدى نظرتنا الدونية لعالم الرياضة من طرف المسؤولين والممارسين على السواء.

ما هو موجود في الجزائر لا يمتّ بصلة لعالم الرياضة، فالقائمون على الكرة يشترون الذمم والتتويجات حتى أصبحت الانتصارات عندنا أشبه بأسواق جزيرة تايوان، فيها الكثير من المقلّد والمغشوش، أما المتابعون لشؤونها من مناصرين فهم المتسببون في تدنّي المستوى الأخلاقي في الجزائر بتشجيعاتهم البذيئة والعنيفة، رغم أن التاريخ يشهد أن الكرة لم ترتفع للعالمية عندنا، بل إن الكرة الجزائرية بمنتخباتها وأنديتها عاجزة عن بلوغ أدوار متقدمة إفريقيا، بينما منحت ألعاب القوى والجيدو والملاكمة للجزائر ميداليات في دورات أولمبية مع كبار المعمورة. ومع ذلك الجزائر مستعدة لتخصيص طائرة خاصة للاعب كرة أصيب في قدمه، ولا تطلب التحقيق في وفاة ملاكم بحجم سلطاني الذي منح الجزائر ميدالية أولمبية ذهبية في ألعاب أطلنطا الأمريكية كأقوى رجل في العالم في وزنه عندما وُجدت جثته في شوارع مرسيليا.

يذكر العالم آخر ألعاب أولمبية شاركت فيها ألمانيا الديمقراطية في سيول عام 1988 عندما خرجت الجزائر بأربعين رياضيا صفر اليدين، ولم تجمع الدول الإفريقية والعربية والإسلامية مجتمعة ببناتها وذكورها إلا ست ميداليات ذهبية، بينما حصلت السباحة الألمانية كريستين أوتو في اختصاصها الرياضي على ست ذهبيات، وإذا كان الرسول الكريم قد طلب من المسلمين أن يُعلّموا أبناءهم السباحة والرماية وركوب الخيل فإنهم صاروا يعجزون عن مجاراة رياضية واحدة، وهم الذين يمتلكون الفيافي والبحار والحصان الأصيل.

لقد تمكن رياضيون من أمثال كاسباروف وناديا كومانيتشي وبوبكا وكارل لويس من أن يتحولوا إلى رموز في بلدانهم ويساهموا في حل مشاكل أوطانهم رغم ممارستهم للشطرنج والقفز بالزانة والجمباز والركض، وتمكنت السلطة عندنا وبرضى الشعب من أن تحوّل الرياضة إلى آخر اهتماماتها، فإذا قابلت رجلا يركض في الشارع فاتهمه بالخبل ولا تخف أن تكون تهمتك باطلة.

تكاد تكون الجزائر البلد الوحيد في العالم الذي لا تكتب صحفه الرياضية إلا عن كرة القدم، ولا تبني دولته إلا ملاعب كرة القدم، ولا يشجع مناصروه إلا كرة القدم، وهي ليست الرياضة الأكثر شعبية بل هي الرياضة الوحيدة في بلد أغرقت فيه أموال الذهب الأسود كل المعادن النفيسة من ذهب وفضة وبرونز؟

مقالات ذات صلة