-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

شقيقي سليمان الشهيد وشذرات من حياتنا بالريف

عثمان سعدي
  • 1412
  • 9
شقيقي سليمان الشهيد وشذرات من حياتنا بالريف

صدر لي كتيب عن دار الأمة عنوانه:”شقيقي سليمان الشهيد وشذرات من حياتنا بالريف”، وأرى أن أجعل قراء “الشروق” يطلعون على مختصر من هذا الكتيب:

وأبدأ بقصة جهادك واستشهادك، شاهدت وأنت في عنفوان الشباب بداية الثورة، فقررت الانضمام لجيش التحرير الوطني في سنة 1955 أي بعد سنة من اندلاع الثورة، وأنت في سن الواحدة والعشرين. شاركت في عدة معارك، روى لي بعض رفاقك أنك كنت تسلي زملاءك من شظف العيش الجهادي القاسي بترديد أغاني وكان صوتك جميلا وأداؤك أجمل، كنت تطرب رفاقك بتذكرهم بأغانيك بأمهاتهم وزوجاتهم وأبنائهم وبناتهم وإخوتهم وأخواتهم. كنت بين الآونة والأخرى تأتي إلى والدتنا التي كانت تحبك أكثر من أبنائها، فتقضي معها ومع أختنا مائسة وزوجها حسين والطفلة كلثوم ابنة أختنا يمينة ليلة تأخذ منها دعواتها وبركاتها ثم تعود للجهاد. كنت تضع بطاقة التجند في سقف المنزل، حتى إذا قام العدو بغارة لم يكتشفك. كما تم حرق سائر الصور للمجاهدين بما فيها الصور في سجلات الحالة المدنية حتى لا يتعرف العدو عليكم. بحثت عن صورة لك فلم أجد لك صورة بالرغم من قضاء أربع سنوات في الجهاد.

 أصبت حبيبي سليمان في معركة ونقلت إلى تونس للعلاج، نصحك الأطباء بعدم العودة للجهاد لأن الإصابة أثرت، فقلت لهم: “سأعود ولأمت هناك بالجزائر لأنني طالب شهادة”. وعدت ضمن مجموعة حملت السلاح للولاية الثالثة، ووصلت الولاية وسلمت السلاح، وفرضوا عليك العودة إلى الولاية الأولى بلا سلاح ولا مال، ولاحظ ضابط قبائلي شهم فأمدك بعصا وبقليل من المال مكنك بجهد كبير من الوصول إلى الناحية السادسة بالولاية الأولى، وأخبرني زملاؤك بأنك كنت تعلق على ذلك بقولك “نعم نقلت السلاح إلى اخوتي زواوة كما كان يسميهم أخي عثمان، وأنا فخور بذلك لأن هذا السلاح الذي نقلته سيتسبب في قتل الأعداء”.

 إعادة تنظيم الشعب: كُلفت بالمهمة الصعبة وهي إعادة تنظيم الشعب الذي تأثر بفوضى، فتم اختيارك مع رفاق لك في دشرة ذراع البقرات ببَحيرَة الأرنب، اخترتم بئرا جافة ومهجورة، فأقمتم داخلها مخابئ تأوون بها نهارا، وتخرجون ليلا لتنظيم الناس.

وذهبت الوشاية الخائنة واكتشف العدو مخبأكم في البئر، فجاءوا بك مقيدا ووجهك مغسولا بالدم، محمولا على سيارة جيب، وقفت السيارة أمام أكواخنا في (ذراع البقرات)، كنت تصيح: “قلت لكم أنا لست جزائريا أنا تونسي متطوع في صفوف الجزائريين، أنا من تونس”. واستدعى الضابط الفرنسي والدتنا فوقفت أمام السيارة، قال لها:”أنت العجوز زينة بنت الأخضر؟”، فأجابته: “نعم، أنا هي” فقال: “أتينا لك ابنك”، واقترب منها متفحصا وجهها، أجابته: “لا أعرفه لأول مرة أرى هذا الشاب”. واستدارت السيارة، فنزلت الدموع من عينيها، لكن الغبار الذي انطلق من تحت عجلات السيارة لم يتح للضابط الفرنسي رؤية هذه الدموع..

وفي أثناء مغادرتك للدشرة مقيدا مرت أمامك عجوز تحمل برميلين من الماء على حمار فقلت بالشاوية “لا تخافوا يوجد رجال”، معنى هذا سأموت تحت التعذيب ولا اعترف بأنني منكم.

ومعنى هذا أن الفرنسيين عذبوك يا عزيزي سليمان ولم تعترف بأنك جزائري ، ومتْتَ تحت التعذيب والفرنسيون يتصورون أنك تونسي، ولو اعترفت لعاد الأعداء إلى (ذراع البقرات) ودمروا أكواخها. وهذه قمة التضحية التي وصفت بها كمجاهد صلب.

والدتنا أنجبت ستا: ولدين وأربع بنات،. استشهد أحد الولدين، وترملت بنتان شهبة ووناسة كأرملتي شهيدين، ترك الشهيد البشير للأولى سبعة أطفال، وترك الشهيد موسى للثاني خمسة، وكان لي الشرف يا حبيبي سليمان أنني قمت برعاية الجميع.

 وخير ما أختم به هذه العجالة عنك يا سليمان قصة الوالدة وما فعل بها الجنود المستعمرون . كانت هذه الوالدة تعاني من فتق سببته لها ضربة بعقب بندقية من ضابط فرنسي علم بأن لها ولدان بالجهاد، فسألها عنهما فقالت له لا أعرف أينهما، فضربها فسبب لها فتقا في بطنها… وبعد الاستقلال قررت إجراء عملية لها ، أدخلتها مستشفى مصطفى وقرر جراح سوري إجراء العملية، ومن المعلوم أن مشتشفيات الجزائر قد خلت تقريبا من الأطباء الاختصاصيين عندما غادر الأطباء الفرنسيون الجزائر بعد الاستقلال، وبقي بها عدد قليل من الأطباء الجزائريين، فقررت الحكومات العربية إرسال جراحين للجزائر تدفع لهم مرتباتهم. والدول العربية التي لا تملك أطباء كالكويت مثلا تعاقدت مع اطباء عرب يعملون لحسابها بالجزائر. أدخلت والدتنا المستشفى، وفي يوم إجراء العمليبة حضر الجراح السوري لمرافقة الوالدة لغرفة العمليات فدار الحوار التالي بينهما:

ـ أسألك يا ابني الطبيب ، إذا لم تجر لي العملية هل أموت بهذا المرض

ـ لا يا أمي لا تموتين وإنما تعيشين معذبة، تتعبين عندما تسيرين، لا تتحملين حمل شيء ثقيل
. (خلّيهولي يا ولدي هذا اللّي باشْ نـﭭابل بيه غُدوة وجْه ربّي)، أي دع لي هذا الفتق إنه هو الذي سأقابل به ربي غدا يوم القيامة.

وتاثر الجراح فدمعت عيناه ، وقال لها:

ـ تقطع اليد التي تحرمك من جواز سفرك للجنة.

ولم تجرَ العملية. وعاشت بهذا الفتق إلى ان أدركتها الوفاة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
9
  • من بلادي

    في بداية الثمانينيات هناك أغنية لأحد المطربين المميزين بعنوان :" يتامى باللحا " ومعروف أن اللحية رمز البلوغ والكبر حيث يلوم فيها يومها أبناء الشهداء الذين يكررون ليل نهار نحن يتامى رغم أنهم تجاوزوا العشرين يومها لكن للأسف اليوم تجاوزوا الستين ولا زالوا كما كانوا . وتجاوزنا كلنا الستين سنة من الاستقلال ولا نزال نبكي على الأطلال بل نعيش في الماضي ونفكر له وأهملنا المستقبل وكأنه لا علاقة لنا به . فالى متى يا جزائري ؟ والى أين يا جزائر ؟

  • محمد☪Mohamed

    مرّ 60 سنة تدهور وإنحطاط والجزائر يحلمون ويوعَدون بالنهضة والإصلاح. تنوّعت الأطروحات والزعامات وتكرّرت المحاولات، وفي كل مرة تخيب الآمال وتتحطّم الأحلام ولنفس الأسباب: حسابات خاطئة وخطط ارتجالية، وأداء هزيل لنخب نرجسية وانتهازية تستبيح كل شيء في صراع وجودي لاحتكار السلطة بلا ضوابط ولا محرّمات سرعان ما يتمخّض عن هيمنة وإقصاء يقابلهما خضوع تحته تربّص وتعويق ومراهنة على الفشل، وتَطَبّع المغلوب بطباع الغالب، وارتهان الفرقاء والبلاد للخارج، مما يفتح الثغرات ويستدعي الأطماع والمؤامرات، وتُدار البلاد بالترقيع والمسكنّات وتتدحرج نحو الاستبداد والتبعية والفساد.

  • amremmu

    ومتى نتوقف عن البكاء وننظر ونفكر ونخطط للمستقبل كبقية الشعوب .

  • حائر

    للمعلق عبد الحميد : في فرنسا حوالي 6 ملايين جزائري من كل الشرائح والأعمار : أسر وطلبة ومتقاعدين وأطباء وممرضين وصحفيين وكتاب وسينمائيين ومطربين ومقيمين غير شرعيين ومزدوجي الجنسية ومرضى يعالجون في مستشفياتها ...................................... وفي الجزائر الملايين من الذين يريدون الالتحاق بهم لو منحت لهم الفرصة .. ليس حبا في فرنسا بل هروبا من اليأس والجهل والنفاق والبلطجة والغش وتدهور الأوضاع الاقتصادية والميزرية والمدرسة المنكوبة والجامعة المريضة والصحة المتدهورة والطرقات المهترئة والحقد والكراهية التي تعشعشت في عقول الغالبية من الجدزائريين .................................و وهروبا أيضا من الشتائم والاتهامات ... التي تحولت لدى الجهلة الى حرفة بل الى سلاح يشهرونه ضد كل من اختلف عنهم : رأيا وتفكيرا ونظرة للأشياء .... هؤلاء الذين يريدون أن يفكر الكل تفكيرهم وكأن الاختلاف جريمة في وقت هو نعمة .

  • عبد الحميد

    لا حول ولا قوة إلا بالله ، ثم تجد من الجزائريين من يحب فرنسا فو الله لئن نموت في نار الجزائر خير من العيش في جنة فرنسا كما يتوهم البعض اللهم إنا نعوذ بك من فرنسا وأزلامها وكل من تبعها إلى يوم الدين

  • أحمد

    كلنا عشنا هذه الظروف القاسية مات اباؤنا واعمامنا واخوانا.وعند الاستقلال اصبحنا ايتام في مادبة اللئام. ودخلت انت مع اللئام فخربتم الجزائر. واصبحنا اليوم نتساءل هل اخوك وهو يرانا من الجنة راض عن حالنا؟ وهل هو راض عنك؟

  • محفوظ

    .....اللهم أغفر للشهيد سليمان ولسائر المجاهدين الذين إنتفضوا لإقاف طغيان فرنسا ولإعادة الكرامة والحرية للجزائر.....ذاك كان عمل الشباب والشياب حينها....أم اليوم فمازال العمل ينتظر لإزالة مخلفات فغنسا ومنتسيبيها والماسونية المسيرة الحالية للبلد من وراء ستار- للأسف....شكرا للأستاذ عثمان سعدي على كتابة هذا التاريخ الملحمي.....

  • محمد

    اللهم ارحم الشهداء وأمهاتهم وآبائهم وذويهم، اللهم جازهم عنا خير الجزاء وادخلهم جنة الفردوس. والله لقد أبكيتني يا دكتور لما استعرضت الحوار الذي دار بين أم الشهيد البطلة وبين الطبيب الذي كان شهما وذكرتني بعمي الشهيد الذي طلب من جدتي أن تخبر له الكسرة ليأخذها معه للجبل عند التحاقه بالثورة عان 1955 وهمره 19 سنة، حيث استشهد رحمه الله في 1956. المجد والخلود لشهدائنا الأبرار والخزي والعر للخونة المجرمين في حق أمتهم.

  • عبدالله

    أكثر من رائع..عرين الرجولة...ومصانع الشهامة والإباء... دمت في رعاية الله وحفظه...